09-أبريل-2019

رحيل عبدالقادر بن صالح رئيس مجلس الأمة على رأس مطالب الحراك الشعبي (ياسين بوعزيز)

لم تترك مسيرات الجمعة السّابعة، بكثرة المشاركين فيها وطبيعة الشّعارات المرفوعة خلالها، مجالًا للشّكّ في رفض الجزائريين لـ"الباءات الثّلاثة"، والمقصود بها عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمّة ونور الدّين بدوي رئيس الحكومة والطيّب بلعيز رئيس المجلس الدّستوريّ، ورغبتهم في الذّهاب إلى مرحلة انتقاليّة بوجوه يرضونها، للإشراف على انتخابات رئاسيّة شفّافة، تكون مقدّمة لاستكمال شرعيّة المؤسّسات، التّي تقوم عليها الدّولة المدنيّة.

صوت البرلمان بأغلبية لتنصيب رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح رئيسًا للبلاد، في خطوة موصوفة بتحدي ملايين الحراك الشعبي

ويعود سبب رفض الجزائريّين لـ"الباءات الثلاثة"، أنّ المادّة 102 من الدّستور تعطيهم الحقّ في تسيير المرحلة، التّي تلي استقالة الرئيس بوتفليقة، ومدّتها تسعون يومًا. وهو ما يعتبره الجزائريّيون استمرارًا لثقافة تزوير الإرادة الشّعبيّة، بالنّظر إلى أنّ الوجوه الثّلاثة كانت في مقدّمة من زوّر الانتخابات، على مدار العقدين الماضيين.

اقرأ/ي أيضًا: مخاوف الحراك الشعبي من الالتفاف والعسكرة.. هل من مبرر؟

من هنا، طالب شباب الحراك بتعزيز المادّة 102 من الدّستور بالمادّتين 7 و8، اللّتين تجعلان السّلطة المطلقة في يد الشّعب، بحيث يتمّ الإعلان عن حالة شغور منصب رئيس الجمهوريّة باستقالته، وتنفيذ الإرادة الشّعبيّة الدّاعية إلى اختيار وجوه نظيفة، من غير الباءات الثلاثة، للإشراف على المرحلة الانتقاليّة.

استفزاز صريح

غير أنّ البرلمان المشكّلة أغلبيته من أحزاب الموالاة، استغلّ صمت المؤسّسة العسكريّة، بعد الجمعة السّابعة، واجتمع اليوم الثّلاثاء منصبًا رئيس مجلس الأمّة عبد القادر بن صالح رئيسًا للدّولة، بموجب المادّة 102 من الدّستور، في خطوة موصوفة بتحدّي ملايين الحراك الشّعبي، الذّي انطلق يوم 22 شباط/ فبراير الفائت.

في الكلمة التّي ألقاها بن صالح أمام من حضر من النّواب، ذلك أنّ نواب أحزاب المعارضة قاطعوا الجلسة، ومنها "حزب العمّال" و"حركة مجتمع السّلمّ و"التجمّع من أجل الثقافة والدّيمقراطيّة" و"جبهة القوى الاشتراكيّة" و"جبهة العدالة والتّنميةّ، قال إنّ الدّستور يمنحه الحقّ في رئاسة الدّولة، "حتّى أشرف على انتخابات نزيهة وأسلّم السّلطة للشّعب، الذّي خرج مطالبًا بالتّغيير".

وما أن تمّت إذاعة القرار في وسائل الإعلام، حتّى خرج أفواج من الشّباب المحتجّين عليه والرّافضين له، إلى الشّوارع والسّاحات العامّة. وقوبل تجمّع الجزائر العاصمة، حسب مصادر متطابقة أكّدتها صور وتسجيلات تداولها فيسبوك بقمع الشّرطة، تطبيقا لقرار حكومة بدوي القاضي بمنع المسيرات في العاصمة من غير يوم الجمعة.

وفي مدينة برج بوعريريج، رافق "الترا جزائر" مسيرة للطّلبة الجامعيين، ردّدوا فيها شعارات تدعو عبد القادر بن صالح إلى الرّحيل فورًا، منها: "سنسير حتّى يحدث التّغيير"، و"بركات بركات لانتهاك الحرّيات"، و"سلمية سلميّة مطالبنا شرعيّة".

تنديد شعبي

يقول طالب الهندسة المدنيّة شوقي عمّاري لـ"الترا جزائر" إنّ عبد القادر بن صالح "ينتمي إلى زمرة لم تستحِ من إجهاض كلّ فرص التّنمية على مدار عشرين عامًا"، متسائلًا باستنكار: "فكيف ننتظر منه أن يستحي أمام أصوات 20 مليون جزائريّ تطالبه بالرّحيل؟". 

وأضاف: "إذا لم يرد أن يفوّت على نفسه فرصة الانضمام إلى الوجوه، التّي حكمت الجزائر، فنحن لن نضيّع فرصة أن نغيّر واقعنا السّياسيّ البائس، الذّّي كان هو نفسه واحدًا من أسباب بؤسه".

من جهته، كتب النّاشط والمدوّن عمر دريوش في تدوينة على فيسبوك: "قلنا منذ البداية إنّنا لا نريد حلّا من داخل الدّستور. بقاء الحكومة وترسيم بن صالح رئيسًا للدّولة تزامنًا مع قمع المسيرات والوقفات خلال الأسبوع والتلاعب بالرّأي العام، الذي أظهر بعض النّتائج السّلبية عن الحراك، هي ما دفعنا إلى أن نرفض ذلك الحلّ". داعيًا إلى "أن نكون بأعداد أكبر يوم الجمعة القادمة. علينا بالوحدة فهي قوّتنا الوحيدة".

وفي إشارة منها إلى وجوب تدخل المؤسّسة العسكريّة، لتنفيذ الإرادة الشّعبيّة، كتبت الإعلاميّة ليلى بوزيدي: "إن لم يحدث ما ننتظره في السّاعات المقبلة، فإنّها الخديعة الكبرى. إنّا إلى الشّارع وإنّا إليه راجعون". 

وهو التدخّل الذّي قال الإعلاميّ نصر الدين باكريّة إنّه لا ينتظره، "لأنّ الجيش نفسه، هو من أوعز لبن صالح بالاستمرار، ولحكومة بدوي بقمع المسيرات في العاصمة من غير يوم الجمعة". ويقول في التّدوينة نفسها: "أظنّ أنّ السّلطة تريد تعفين الوضع أكثر تحضيرًا للإعلان الدّستوري، وذلك بالتّضحية بصورة جهاز الأمن وإظهار الجيش كمنقذ فيما بعد".

قطاع واسع من الجزائريين ينتظرون من المؤسسة العسكرية التدخل لتعطيل العمل بالدستور حتى يصبح بقاء "الباءات الثلاثة" بلا سند قانوني

ومهما كانت نيّة المؤسّسة العسكريّة من انحيازها للمطالب الشعبيّة، فإنّ قطاعًا واسعًا من الجزائريّين ينتظرون منها التّدخّل العاجل، لتعطيل العمل بالدّستور، حتّى يصبح بقاء "الباءات الثلاثة" بلا سند قانونيّ، وإلا وجدوا أنفسهم يتعاملون مع أمر واقع يرفضونه، لأنّ الحراك أصلًا تشكّل من أجل ألّا يستمرّ. وهذا ما يتوقّع مراقبون من الجيش أن يفعله في السّاعات القادمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقدير موقف: ماذا بعد استقالة بوتفليقة؟.. آفاق التغيير الديمقراطي في الجزائر

الحراك يرفض بقايا بوتفليقة.. هل يترقب الجيش تفويضًا شعبيًا؟!