في رصيد الناقد والكاتب الجزائري جمال محمدي مجموعة من المؤلّفات مثل "المدينة في السينما– ذاكرة أحداث"، "بوسعادة مهد السينما الجزائرية"، "القصبة قرن من التصوير 1895-2020"، "فلسطين في الدراما العربية".. وغيرها.
جمال محمد لـ "الترا جزائر": إن المتمعن في كتابات ومواقف ألبير كامو يلاحظ أنه فضل عدم المجاهرة بحبه وانتمائه للجزائر
أضاف الكاتب إلى رصيده مؤخرًا مؤلفًا حول أديب "نوبل" ألبير كامو الذي ولد في الجزائر لأب فرنسي وأمٍّ إسبانية... فيتحدث محمدي في حوار مع "التراجزائر" عن الغاية من إصدار هذا العمل ويتوقّف عند حياة ومشوار كامو، ويقدّم رأيه بشأن صاحب "الغريب" ومواقفه الملتبسة والغامضة تجاه الجزائر والتي ظلّت ومازالت محلّ خلاف وسط مثقفين وأكاديميين ومؤرخين إلى يومنا هذا.
يتطرق الكاتب جمال محمدي في هذا الحوار، إلى تجربة ألبير كامو الإنسانية انطلاقًا من الجزائر، ويتحدث عن نشأته وطفولته وقناعاته الفكرية كما رأها أو استشفها من كتاباته أو من إصدارات تحدثت عنه.
- صدر لك مؤخرًا كتاب بعنوان "ابن الشمس.. ألبير كامو الجزائر- النهاية المفتوحة".. ماذا تتحدث فيه؟
الكتاب صدر على "أمازون" وسيكون متوفرًا في المكتبات قريبًا عن طريق دار النشر "موزاييك"، ويعود في طيّاته إلى حياة ألبير كامو الطفل، الإنسان، الأديب، الفيلسوف، المفكر والفنان.
- ما هي أبرز المحطات التي تناولتها حول حياة كامو؟
بداية من مسقط رأس ألبير كامو بمنطقة موندوفي بولاية الطارف، التي لم يعرف عنها شيئًا سوى عدد قليل من الصور وحكايات كثيرة، إلى بلكور (بلوزداد) بالعاصمة الجزائر، هذا السرّ من الضوء ومن الفقر الدافئ، إلى شمس تيبازة التي ولدته من رحمها مبتهجًا مزهوا بلفائف سجائر الباستوز متحديًا المرض، إلى وهران التي استمد منها كل ما وصل إليه من مجد.. وصولًا إلى المنفى اللاإرادي باريس ولورمرين وصراعاته الفكرية والإيديولوجية.
وبسعادة عبثية يقودنا إلى الشجرة الملعونة التي أودت بحياته. رحلة حالمة، مؤلمة، يعيد بها ذلك الطفل إلى رحم أمه "الشمس" وإلى التربة الحمراء والى الطفولة التي لم يشف منها قط، ليزور حديقة التجارب ويتذوق عناقيد نخيل النارجيل، ويسبح بشاطئ صابلات، ويركب "الترام الأحمر" الذي حُرم من ركوبه صغيرًا، إلى حيّ بلكور الذي تقاسم مع شعبه بسعادة الجوع، المرض، والحرمان، رحلة غامرة جارفة تمتد من سنة 1913 إلى 1960.
- كيف قدّمت شخصية ألبير كامو المثيرة للنقاش في هذا الكتاب؟
هذا الكتاب لا يهدف إلى تمجيد الكاتب العالمي ألبير كامو على أي وجه من الأوجه مهما كان الأمر، وأنّبه أنني قمت فقط بتقديم، نبذة مختصرة من مسار وحياة ألبير كامو (الجزائري-الفرنسي) تاركًا للقارئ والباحثين حرّية الرجوع إلى كل المصادر والكتابات المتعلقة بتفاصيل أعماله وحياته الزاخرة ويبقى هذا العمل استشهاد وحسب بهذه الشخصية الأدبية البارزة تكريمًا له على ما قدمه للأدب وللتجربة الإنسانية انطلاقًا من الجزائر، ولقد عالج في كل كتاباته مواضيع إنسانية مختلفة وأنحاز إلى مثلها في أكثر الأعمال بصفة الروائي، الكاتب المسرحي، والفيلسوف، والمفكر أيضًا، إلى جانب كونه صحفي، حيث كان سلاحه الوحيد فكره وقلمه الذين حارب بهما عدم المساواة وندد من خلالهما بكل التجاوزات بين مواقف عبثية وأخرى ثورية.
- ألبير كامو شخصية جدلية، مواقفه تجاه الجزائر وثورتها التحريرية لا تزال تثار وتحدث النقاش في الوسط الثقافي.. ماذا أردت من خلال هذا العمل أو ما رسالتك؟
هذا العمل محاولة لإبراز مختلف وجهات، التي تبدو في كثيرها منها متباينة ومتناقضة، حول سيرة وأعمال وأقوال ألبير كامو، وخاصة تلك التصريحات والأقوال المأثورة عنه، والمنسوبة إليه على مواقع الويب، والتي تقدم في كثير من الأحيان نسخًا مبتورة، أو مشوهة، جمل معينة مأخوذة من صميم ما كتبه كامو في فترات متباينة، مما يجعلها في كثير من الأحيان غير مفهومة في سياقها التاريخي والزمني، لاسيما منها تلك الأحداث والتجارب التي تتخذ من الجزائر خلفية لها، سواءً على مستوى حياة ألبير كامو الشخصية أو الفكرية.
- مآخذ كثيرة على كامو وانتقادات لاذعة وجهت له بشأن تأييده للاستعمار الفرنسي ومناهضته للثورة الجزائرية.. كيف ترى ذلك؟ وكيف تحدثت عنها في هذا العمل؟
إن المتمعن في كتابات ومواقف ألبير كامو يلاحظ أنه فضل التبطين في مواقفه، وعدم التجاهر بحبه وانتمائه للجزائر، منحازًا للصمت في كثير من الأوقات، مع أن هذا الحنين إلى الانتماء، وهذا الارتباط واضح وجلي، يستشفه القارئ بلا جهد كبير، بين خطوط وثنايا فقرات وجمل أغلبية كتاباته
هناك مواقف تظهر وقوف ألبير كامو إلى جانب الشعب الذي عاش معه في السرّاء والضرّاء، وعبر عنه في كثير من كتاباته وأحاديثه الصحفية، وفي كثير من الإشارات، غير أنها كانت برؤية وقناعة المفكر والفيلسوف، والمناضل المدافع عن حقوق الإنسان.
- تصريحات كامو وكتاباته بخصوص حبه للجزائر وانتمائه إليها غامضة ومجرد مناورات وزيف بحسب مثقفين.. ما تعليقك؟
في الحقيقة هناك الكثير من الجمل والكتابات التي تقرّ بجزائرية وانتمائه فعلًا لها، وربما ما يؤاخذه عليه الجزائريين أكثر هو عندما هاجمه مناضل من جبهة التحرير الوطني، لتبنيه قضية الأوروبيين الشرقيين لا الجزائريين، وكان رده: "أنا أؤمن بالعدالة، لكني سأدافع عن أمّي قبل العدالة"، كان ردّا غريبًا، لأنه يعترف ضمنيًا أن النظام الاستعماري الفرنسي لم يكن عادلًا، بعبارة أخرى، كان رد كامو دفاًعا عن أمه، لكنه اعتراف أيضًا أن قضية جبهة التحرير عادلة، في هذه الفترة كان ألبير كامو منكسرًا على المستوى الشخصي، بسبب الأحداث في الجزائر.
كما كتب في مذكراته: "الجزائر ُتتملكني، لكن فات الأوان، فات تمامًا، فقدت أرضي، ولن تكون لي قيمة"، كما دافع كامو الصحفي الملتزم عن الجزائريين، وعن الشخصيات الوطنية، أمثال مصالي الحاج، والطيب العقبي، وعن الجزائر قال: "ولدت فقيرًا تحت سماء سعيدة.. وسط طبيعة يشعر المرء معها بالود والصلة لا بالجفاء والعداوة.. فأنا لم أشعر أبدأ بالتمزق بل بالامتنان".
وفي آخر أيام حياته قال عنها: "تعبت من باريس، ومن العصابات التي تسرح فيها وتمرح، عندي رغبة عميقة في العودة إلى الجزائر، بلد الرجال، البلد الحقيقي القاسي الذي لا أنساه".
كتب ألبير كامو في آخر حياته: عندي رغبة عميقة في العودة إلى الجزائر، بلد الرجال، البلد الحقيقي القاسي الذي لا أنساه
- هل تنوي تحويل سيرة ألبير كامو إلى فيلم؟
نعم، هناك شريط وثائقي سينمائي توثيقي بمشاهد معادة جاهز بنفس العنوان.