كانت سنة 2024، مليئة بالأحداث التي شكّلت محطات بارزة في المشهد الجزائري، حيث أصبحت تفاصيلها موضوعًا مثيرًا للجدل والمناقشات، انطلقت غالبًا من مواقع التواصل الاجتماعي لتنتهي في اجتماعات الحكومة، أو في بيانات الوزارات، وفي نقاشات قبة البرلمان.
"وزير السعادة" يرحل
لم يكُن أحد يتوقع أن يُغادر صانع ملحمة "النجمة الثانية" للمنتخب الوطني، جمال بلماضي، من الباب الضيق. الرجل الذي أعاد الجزائر إلى منصات التتويج وحقق أطول سلسلة من الانتصارات في تاريخ المنتخب، كان يحظى بمحبة كبيرة من الجماهير الجزائرية التي أطلقوا عليه لقب "وزير السعادة".
قد يكون رحيل جمال بلماضي أبرز حدث في الجزائر لعام 2024
ثلاثة انتكاسات متتالية، إذ جرت الرياح عكس ما كان يتطلع له المدرب جمال بلماضي، حيث كانت البداية مع الإقصاء المفاجئ من التأهل لكأس العالم 2022 في قطر، ثم الخروج المبكر من كأس أمم أفريقيا 2021، وأخيرًا الخيبة الجديدة في "كان" كوت ديفوار 2023. هذه النتائج السلبية جعلت من مغادرة جمال بلماضي للعارضة الفنية أمرًا حتميًا.
ورغم أن رحيل "الكوتش جمال" كان متوقعًا بعد الخسارة غير المفاجئة أمام منتخب موريتانيا المتواضع، فإن مغادرته لقيادة "الخضر" لم تكن مجرد نهاية لمسيرة مدرب مع منتخب كرة قدم، بل كانت لحظة إنسانية أثارت جدلًا واسعًا في الجزائر، وسط انقسامات بين من يؤيد إنهاء مهامه ومن يطالب بمنحه الفرصة للعودة وإعادة إحياء المنتخب كما فعل عندما تولى قيادة "المحاربين" في وقت سابق.
شهدت القضية حرب بيانات رسمية قادها رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم وليد صادي، الذي قرّر تنحية بلماضي من جانب واحد، الذي فضّل الصمت رافضًا فسخ عقده مع المنتخب، فيما ذهبت حينها تقارير للحديث عن حرب قادمة بين بلماضي واتحاد الكرة ستكون أروقة المحاكم ملعبًا لها.
هوارية.. الشارع في رواية
في ظرف أسبوع واحد من شهر تموز/جويلية الماضي، استطاعت رواية "هوارية" للكاتبة والمترجمة الجزائرية إنعام بيوض، الفوز بجائزة أسيا جبار، وغلق دار "ميم" للنشر، واستنفار النواب في البرلمان، وبثّ جدل عارم في منصات التواصل الاجتماعي، لقد خضعت الرواية لمحاكمة علنية، والتهمة: تسرّب ألفاظ سوقية إلى دفّات رواية.
كانت رواية هوارية أبرز القضايا المثيرة للجدل في الجزائر عام 2024
ورغم أنها توّجت بجائزة تقدّمها جهة حكومية، وتموّلها مؤسسة رسمية، إلا أن "هوارية" وضعت إنعام بيوض في قلب الجدل في الجزائر، خاصة بعد أن وصلت القضية إلى وزيري الاتصال والثقافة، اللذان تلقيا مراسلات من أحزاب سياسية، تدعوها إلى التدخّل بعد أن تم وصف الرواية بأنها "منافية لأخلاق وقيم الشعب الجزائري"، وبأنها تسيء أيضًا لمدينة وهران الباهية.
في دفاعها عن "هوارية"، قالت إنعام بيوض أنها أرادت أن 'تنقل من "هوارية" صورة وواقع الناس البسطاء الذين لا يملكون هوية تعطيهم وجودا". مبرزة بأنّ "اختيارها لمدينة وهران كان لنقلِ صورة مبهجة عنها في السنوات التي سبقت العشرية السوداء".
ومع أن عاصفة الجدل كانت قويةً، إلا أنّ لجنة تحكيم جائزة أسيا جبار اعتبرت أن "إثارة الجدل الفيسبوكي العقيم والحكم على رواية من خلال 5 جمل اقتضتها حوارات الشخصيات لا يغدو أن يكون سوى متنفس إيديولوجي لأعداء الفن الذين يريدون أن يكتب الروائي أدبًا منافقًا.
طريق مغلق أمام "الجزائر اليهودية"
كان عنوان الكتاب كافيًا لإثارة جدل وحالة استنفار كبيرة في الجزائر، فبعد أن انتشر خبر برمجة ندوتين فكريتين لمناقشة كتاب "الجزائر اليهودية" للكاتبة الجزائرية هدية بن ساحلي، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات تدعو إلى إلغاء الندوتين ومصادرة الكتاب، خاصة وأنه صدر في خضم عدوان صهيوني على قطاع غزة.
أحدث كتاب "الجزائر اليهودية" جدلًا كبير في الجزائر عام 2024
إثر ذلك، ألغى المنظمون الندوة التي كانت مقررة في الجزائر العاصمة، وقبلها في تيزي وزو، حيث أعلنت مكتبة "شجرة الأقوال" إلغاء الندوة التي كانت مقررة السبت بدون ذكر الأسباب، كما أوضحت أن الكتاب "لم يعد موجودا لديها لكن لم يتم سحبه".
مؤلفة الكتاب، خرجت عن صمتها، بعد موجة الجدل التي وصلت مكاتب الوزراء والبرلمان ، مؤكدة أن توقيت صدور الكتاب، الذي تزامن مع الحرب الأخيرة في فلسطين، كان محض صدفة ولا علاقة له بالوضع هناك. وأضافت أن الكتاب كان بالفعل في السوق قبل اندلاع الحرب شهر آب/أوت 2023، ما يدل حسبها أن لا علاقة بين كتابها وتلك الأحداث.
وترى بن ساحلي أن موضوع كتابها يقتصر على الجزائر وسكانها من مسلمين، يهود، وغيرهم، وأنه ليس هناك أي مجال لربط موضوع الكتاب بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأعربت عن استغرابها من الانتقادات التي وجهت إليها فور الإعلان عن الكتاب، حيث ربط البعض بين تاريخ الجزائر وحاضر فلسطين قبل حتى أن يقرأوا الكتاب.
رماد "حوريات" عشرية الدم
لن تكون "حوريات" راويةً عاديةً، بل إن الراوية التي كتبها الكاتب الصحفي كمال داود، دخلت فهرس القضايا الجدلية في الجزائر لعام 2024 من الباب الواسع، بل إنها قد تكون الأبرز، ففوز الرواية بجائزة "غونكور" الفرنسية المرموقة، وخروج الشخصية الرئيسية من دفات الرواية لتترجّل على أرض الواقع، جعل من "حوريات" مسلسلًا متواصلًا يعيش المتابعون للشأن الثقافي تفاصيله.
رواية "حوريات" هي أبرز جدل ثقافي في الجزائر لسنة 2024
القطرة التي أفاضت الكأس التي كانت في الواقع مملوءة بقضايا جدلية سابقة صنعها كمال داود، هي ظهور سيّدة تدعى سعادة عربان، والتي اعتبرت أن كمال داود "سرق" عبر زوجته الطبيبة النفسانية، قصتها وجعل منها حبكة لتفاصيل روايته، التي تروي قصص بعض الناجين من سنوات الجمر في الجزائر.
تقول سعادة إنها كانت تواظب على جلسات علاجية لدى طبيبة نفسانية، هي زوجة الكاتب داود، وقد تواصل معها لتحويل قصتها إلى رواية غير أنها رفضت الأمر، لتكتشف بعد ذلك أنّه حوّل مأساتها إلى رواية.
من جهته، كتب كمال داود في مقاله صدر بمجلة "لوبوان" الأسبوعية، أنّ "الشابة سعادة تزعم أنها قصتها. أستطيع فهم مأساتها، لكنّ إجابتي واضحة: هذا غير صحيح بتاتا".
وأضاف: "باستثناء الجرح الظاهر، لا توجد أي نقطة مشتركة بين مأساة هذه المرأة الصعبة وشخصية أوب. والجرح ليس فريدًا من نوعه. للأسف، لدى كثر من الضحايا الآخرين مثله. إنه جرح موجود لدى مئات الأشخاص".
صنصال..للقصة بقية
لم يكن أحد المسافرين على إحدى الرحلات القادمة من باريس إلى الجزائر يوم 16 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، شخصًا عاديًا، أوقفته مصالح الشرطة للتفتيش والاستجواب، لحظات بعدها تتحوّل الحادثة، لأبرز العواجل التي تأتي بالخط الأحمر العريض على القنوات والمواقع: توقيف الكاتب بوعلام صنصال في مطار الجزائر.
وبعد الاستماع إليه، أمر قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة لدى محكمة الدار البيضاء بالعاصمة، بإيداع الكاتب بوعلام صنصال، رهن الحبس بسجن القليعة.
وذكر المحامي فرانسوا زيميراي أن موكله سيتابع بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، والتي تعاقب على "الأفعال التي تهدد أمن الدولة" وتعتبرها "أعمالا إرهابية".
أخذت قضية صنصال بعدًا لم تأخذه أي قضية أخرى قبله في عام 2024، بعد أن تدّخل وزراء فرنسيون، وأسماء سياسية فرنسية وازنة، إضافة للبرلمان الأوروبي وهيئات أخرى تنادي بإطلاق سراحه.
وفي الظهور الأخير، لمحاميه، أكد أن الكاتب الفرنكو جزائري، قد نقل إلى وحدة علاجية خارج السجن بطلب منه، نظرًا لتدهور حالته الصحية، فيما راح البعض إلى توقّع إطلاق سراحه بموجب العفو الرئاسي الأخير، بيد أن قصة صنصال تبدو متواصلة، وأنّ لها بقيّة، بتوابل سياسية وثقافية، ستثير مزيدًا من الحبر والكلام.