30-ديسمبر-2019

الرئيس عبد المجيد تبون (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

بدأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، في تشكيل فريقه الرئاسي والحكومي، ومشاوراتٍ مع عددٍ من الشخصيات البارزة في الساحة السياسية الجزائرية، تمهيدًا لطرح خطّته السياسية والاقتصادية، وحلّ الأزمة السياسية الراهنة.

اللافت أن اختيارات الرئيس عبد المجيد تبون مازالت حتّى الآن منحصرة في كتلة مسؤولين من النظام السابق

بقدر ما تُثير الاختيارات التي وقع عليها الرئيس تبون، جدلًا وانقسامًا في المواقف، ونعني بذلك الأسماء المقترحة في طاقمه الرئاسي والحكومي، في صورة رئيس الحكومة عبد العزيز جراد والوزير المستشار للاتصال، المتحدّث الرسمي باسم الرئاسة محند أوسعيد بلعيد، فإن اللافت أن اختيارات تبون، ما زالت حتّى الآن منحصرة في كتلة ما يسمّى "أبناء النظام" الذين توجّهوا إلى صفّ المعارضة، في فترات تلت استبعادهم من مؤسّسات الدولة.

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس عبد المجيد تبون يباشر تغييرات جديدة في طاقمه الرئاسي

إحياء النظام السابق

يدخل عبد العزيز جراد ضمن هذا السياق؛ رغم مواقفه المناوئة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة منذ العام 2003، ورفضه لترشّح الرئيس المستقيل لعهدة رئاسية خامسة، ودعمه للحراك الشعبي الذي اندلع في 22 شباط/فبراير الماضي، وتبنّيه لمطالبه الأساسية، ودعوته إلى مرحلة انتقالية في البلاد، حيث إنّ ذلك كلّه، لا يجعل من الوزير الأوّل الجديد في كتلة المعارضة التاريخية، على اعتبار أنّه يظل أحد كوادر النظام الذين عملوا طويلًا في مؤسّساته، حيث شغل مبكّرًا منصب أمينٍ عام للرئاسة بداية التسعينات، ومديرًا للمدرسة الوطنية للإدارة التي تشرف على تخرّج كوادر الدولة، وأمينًا عامًا لوزارة الخارجية.

وعلى غرار الوزير الأوّل الجديد المكلّف بتشكيل الطاقم الحكومي، يوضّح المسار السياسي، للمتحدّث الجديد باسم الرئاسة محند أوسعيد بلعيد، أنّه من أبناء النّظام؛ إذ كان متحدّثًا باسم وزارة الخارجية (1982-1983)، ثم دبلوماسيًا في سفارة الجزائر في المملكة العربية السعودية، وممثلًا للجزائر لدى منظمة المؤتمر الإسلامي (1983-1986)، ثم سفير الجزائر في البحرين (1986-1989) ، ثم وزيرًا للاتصال عام 2013، على الرغم من أنّه عارض بين 1999-2013 نظام الرئيس السابق بوتفليقة. واعترض في 2019 على ترشّحه لولاية رئاسية خامسة، وأيّد الحراك الشعبي ومطالب الشارع الجزائري منذ بدايته، وشارك في كلّ مبادرات قوى المعارضة والتغيير، من بينها مؤتمر المعارضة في شهر تموز/يوليو 2019.

ووقع اختيار الرئيس الجزائري، على إبراهيم بوزبوجن، مديرًا لديوان رئيس الحكومة. وكان قد عيّنه الرئيس السابق بوتفليقة رئيسًا للهيئة الوطنية للوقاية ومكافحة الفساد منذ سنة 2011. وعينّ تبون أيضًا محمد لمين سعدي مبروك، رئيسًا لديوان رئيس الحكومة، وهو إطار سابق في الدولة.

أبواب مغلقة

حتى الآن، وفي انتظار الكشف عن كامل الفريق الحكومي بقيادة عبد العزيز جراد، أبقى الرئيس تبّون على خزان الكفاءات والكوادر من أبناء النّظام، حتّى وإن كانت لديهم في فترات ومراحل سياسية سابقة مواقف نقدية معارضة، لكنه لم يفتح خطّ اتّصال مع القوى التي تُشكِّل عمق المعارضة السياسية الجزائرية تاريخيًا، ولم يعيّن في فريقه لحدّ الآن من يمثل هذه المعارضة، التي لديها مشاريع سياسية مختلفة تمامًا عن طروحات ومشاريع السلطة، وتتبنّى مقارباتٍ للتغيير الجذري للنظام في الجزائر، في صورة التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية، وجبهة العدالة والتنمية، وجبهة القوى الاشتراكية، وحركة مجتمع السلم.

وبغضّ النظر عن التعيينات في الفريق الرئاسية والحكومي، فإنّ مشاورات الحوار الأولى التي باشرها تبون مع الشخصيات السياسية البارزة، توجّهت رأسًا إلى بعض الرموز من الكتلة نفسها "أبناء النظام السابق"، الذي انخرطوا في صف المعارضة، حيث التقى تبون برئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، ويتوقّع لقاؤه لاحقًا مع رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، كما كان قد أجرى قبل ذلك مشاورات مع منسّق مؤتمر المعارضة، وزير الاتصال السابق عبد العزيز رحابي.

المعارضة متردّدة

تشير هذه المعطيات، إلى أن السلطة في الجزائر ما زالت متردّدة في التواصل السياسي مع قوى المعارضة التاريخية، ويُرجع متابعون للشأن العام في الجزائر، ذلك إلى مختلف الخطوات التي أبدتها المعارضة الجزائرية، رفقة بعض الشخصيات الوازنة في الساحة الجزائرية، خلال أشهر من الحراك الشعبي.

 هنا، وصف الباحث في العلوم السياسية عبد الله ساحلي، هذه المواقف بـ"الحدّية" التي أبدتها هذه القوى حيال مختلف قرارات السلطة، بعد استقالة الرئيس السابق بوتفليقة في الثاني من نيسان/أفريل الماضي، آخرها الانتخابات الرئاسية الأخيرة كما قال، وكذا عدم اعترافها، حتى الآن، بشرعية الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون، وتمسّكها بمطالب الحراك الشعبي، حسب رأيه.

وتُفيد معطيات جمعها "الترا جزائر"، من بعض القوى المعارضة في الساحة الجزائرية، أنّ الأيّام المقبلة قد تفرِض على الرئيس تبون أن يرمي إشارات عميقة ومؤكّدة إلى قوى المعارضة، سواءً بتعيين أو باقتراح شخصيات لشغل مناصب عليا في الفريق الرئاسي، أو لبدء حوار سياسيٍّ جدّيٍ، بما يعني رميه الكرة إلى مرمى هذه القوى، في خضم التطوّرات المرتقبة في قادم الأيّام.

الشارع الجزائري مازال مصرًّا على مطالبه ويرفض التعامل مع الرئيس عبد المجيد تبون

ومن الثابت أن كلّ التطوّرات التي أدّت بالأزمة السياسية في الجزائر، خلال أزيد من عشرة أشهر، ستدفع بالرئيس تبّون إلى اتخاذ قرارات من جملة الخيارات المتاحة له لتطويقها، ولملمة التشتّت السياسي من جهة، واستعادة الثقة في الشارع الذي ما زال مصرًّا على مطالبه، ويرفض التّعامل مع الرئيس تبون، من جهة أخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تبون في أوّل ظهور له: مشتاقٌ لزيارة منطقة القبائل

دعوة تبون إلى الحوار.. اختراقٌ للحراك أو حلّ للأزمة؟