أحسن تليلاني: لو أنني طيلة عمري لم أكتب سوى فيلم "زيغود" لكفاني ذلك شرفًا
10 أبريل 2025
تليلاني أحسن الأستاذ بجامعة الجزائر، والعميد السابق لكلية الآداب يجامعة سكيكدة، والناقد والمترجم والكاتب المسرحي الذي يملك في رصيده 17 مؤلفًا، خاض تجربة سينمائية فريدة من خلال كتابته لسيناريو فيلم تاريخي يتناول حياة الشهيد البطل زيغود يوسف" مهندس هجومات الشمال القسنطيني إبّان الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962).
يتحدث تليلاني في حوار لـ"الترا جزائر" عن تفاصيل تتعلق بهذا الفيلم الذي اعتبره حلما تحقق بعد طول انتظار وبعد نضال طويل، كما يعود إلى مواضيع ذات صلة مثل ملف الذاكرة الشائك بين الجزائر وفرنسا وقضية الكاتب بوعلام صنصال الذي حكم عليه بخمس سنوات سجنا.
فيلم "زيغود يوسف" قدّم عرضه الشرفي أخيرا وسط حضور رسمي.. كيف كان التفاعل مع أحداث العمل؟
بالفعل فقد تم مؤخرا عرض فيلم "زيغود يوسف" لأوّل مرّة أمام الجمهور العريض بقاعة أوبرا الجزائر(بوعلام بسايح) في العاصمة والتي تتسع لأكثر من 1500 متفرج تحت إشراف وزير المجاهدين وبحضور العديد من رجال الدولة يتقدمهم رئيس البرلمان ووزير الثقافة، وبعض مستشاري رئيس الجمهورية، وكثير من الإعلاميين وأعضاء الأسرة الثورية وسائر المواطنين الذين حضروا العرض وتأثروا كثيرا بمشاهده حتى بكوا، وصفقوا طويلا، ومهما كانت الآراء، فإنني أعتقد أن خروج فيلم زيغود -بعد طول انتظار- للجمهور العريض هو حدث تاريخي كبير ينبغي لنا أن نحتفي به، وأتمنى أن يلقى الفيلم النقاش الفني والتاريخي المنتظر منه.

وبكل صراحة فإنني بعد عرض الفيلم شعرت براحة نفسية كبيرة خاصة وأنا أرى حلمي الذي ناضلت من أجله لسنوات طويلة يتحقق أمام عيني، فشكرا لله أولا، ولوزارة المجاهدين ثانيا، ولكل الخيرين في وطني، والمجد للشهداء.
ما هي أبرز محطات البطل زيغود التي ركزّت عليها في السيناريو؟
الفيلم يجسد محطات بارزة في حياة وكفاح الشهيد زيغود يوسف والكثير من رفاقه على رأسهم الشهيد ديدوش مراد الذي أثرّ استشهاده كثيرا في شخصية زيغود، وبوجه عام فالفيلم يسلط الضوء على وقائع جد مهمة في تاريخ الثورة الجزائرية خاصة على مستوى الشمال القسنطيني الذي شهد حوادث كبيرة جدا مثل هجومات 20 أوت 1955 التي صنعها زيغود ونظمها وقادها وبفضلها دخلت القضية الجزائرية لأول مرة إلى أروقة الأمم المتحدة، كما أنّ الفيلم يستحضر كفاح الكثير من أبطال ثورتنا التحريرية، ويكفي أن تعود هذه الحوادث التاريخية والأسماء الثورية إلى ذاكرتنا الوطنية اليوم، لنقول إن فيلم زيغود إنما هو وفاء للدولة الجزائرية لعهد الشهداء، وهو فرصة لتحريك النقاش حول جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وحول التضحيات الجسيمة التي بذلها شعبنا المكافح في سبيل تحقيق الحرية والاستقلال.
وكيف قدمت الشهيد زيغود يوسف؟ وهل اضطررت إلى حذف مشاهد معينة بقرار من الوزارة المنتجة حول أحداث تاريخية معينة كما حدث مع المخرج بشير درايس في فيلمه "العربي بن مهيدي"؟
إنّ فيلم زيغود كما رأيته وتمنيته هو رسالة إنسانية للعالم أجمع تشخص عظمة الثورة الجزائرية وثراءها بالمواقف والتضحيات البطولية، فهناك زيغود الشاب اليتيم الحداد الثائر القائد المحنك الذي يصارع الاستعمار بذكاء وقوة وإرادة حتى الاستشهاد، ويصارع نفسه كأب له أسرة، فينتصر لشعوره الوطني لأنّ حرية الوطن وكرامته هي التي تحقق الحرية والعيش الكريم لابنته الوحيدة على قيد الحياة شامة.
وأعتقد أن من أهم الرسائل الإنسانية التي حملها الفيلم تفكيكه للخطاب الاستعماري وتعريته وفضحه، وذلك من خلال قرار زيغود بإطلاق سراح ذلك الجندي الأسير الفرنسي الذي اعتقله المجاهدون في إحدى معاركهم، ولما استجوبه زيغود واكتشف أنه مجرد مجند فرنسي بريء لم يرتكب أي جرم في حق الجزائريين، وأنه قد جيئ به للجزائر لأداء الخدمة الوطنية، قرر إطلاق سراحه محملا إياه رسالة مكتوبة إلى قادة الاحتلال الفرنسي مفادها أنكم محتلون غزاة معتدون قتلة ومجرمون، وأن الثورة الجزائرية ستنتصر عليكم لا محالة، وهي الرسالة التي أوصلها فعلا ذلك الجندي إلى قادته، بعد أن أهدى قبعته لزيغود احتراما له، وبعد ذلك تسربت تلك الرسالة للصحافة، وشكلت فضيحة كبيرة للاستعمار أمام الرأي العام، والملاحظ أن فيلم زيغود هو من أكثر الأفلام السينمائية الجزائرية إظهارا للشخصيات الفرنسية، فهو -الفيلم- يشخص صراعا واقعيا يجسده زيغود ورفاقه والشعب الجزائري من جهة، ومن جهة ثانية هناك قادة الاحتلال الفرنسي وجنرالاته وأعوانه، فالفيلم واقعي فني يخلو من النغمة الخطابية التي تحفل بها الأفلام التاريخية عادة، مما يجعلني أقول إن فيلم زيغود قد استطاع إلى حد كبير تحقيق الصدقين التاريخي والفني، فالحوادث تاريخية حقيقية لكنها مجسدة في قالب فني إبداعي مشوق.
من الناحية الفنّية والتقنية، هل كنت راضيا عن الفيلم؟
وعلى مستوى الصناعة السينماتوغرافية- لأن السينما فن وليست تأريخا وثائقيا- أعتقد أن مخرج الفيلم مؤنس خمار قد نجح في تقديم عرض فني إبداعي متكامل سواء من جهة قوة أداء الممثلين على رأسهم (علي ناموس) بطل الفيلم، أو على مستوى براعة التصوير باستخدام أجهزة وتقنيات معاصرة إضافة للمؤثرات الخاصة، وكذلك الموسيقى التصويرية التي برع في تأليفها خصيصا الموسيقار العالمي صافي بوتلة، فجاء فيلم زيغود غنيا بالعناصر الدرامية والشعرية وبالحوارات المتناسقة، والمواقف الإنسانية المؤثرة جدا، فالفرجة و المتعة مضمونتان في فيلم زيغود.
انطلاقا من فيلم "زيغود" الذي رأى النور بعد طول انتظار، ماذا عن واقع صناعة الأفلام الثورية في الجزائر والتأريخ لأبطال الجزائر.. كيف تراه؟
السينما التاريخية في الجزائر قضية كبيرة، فهي تثير أسئلة مركزية حول علاقة السينما كفن وخيال بالتاريخ كحوادث وحقائق، هل يجب على السينما أن تكرر التاريخ كما هو، وأن تتقيد بكل الحوادث والشخصيات والأماكن نفسها بالذات؟ هل السينما مجرد شريط وثائقي توثيقي لحقائق التاريخ؟ أم أنه من حق السينمائي التصرف في وقائع التاريخ، فيحذف ويزيد من عنده حسب ما تحتاجه رؤيته الفنية؟.

سؤالكم يذكرني بحكاية ذلك المخرج القدير الذي تنقل إلى إحدى الولايات لملاقاة أهلها هناك من أجل التحضير لإنجاز فيلم حول أحد شهداء الثورة التحريرية المعروفين، فقال لهم: ( جئنا لإنجاز فيلم خيالي عن هذا الشهيد) فاحتج عليه أهل المنطقة، وردّ عليه أحدهم بلهجة غاضبة جدا:( هذا شهيد بطل وقصته حقيقية، فكيف تقول فيلم خيالي؟ ) وبالفعل فهنا مربط الفرس لأن ممثل المنطقة على حق إذ يدافع عن حقائق التاريخ كما وقعت فعلا، كما أن ذلك المخرج الطموح هو أيضا على حق إذ يدافع عن سلطة الخيال كأهم وسيلة في الخلق الفني والإبداعي، والسؤال المطروح إذن يتمحور هنا حول ملتقى الحقيقة والخيال في السينما التاريخية؟ أو بعبارة أخرى: كيف ننجز فيلما تاريخيا حقيقيا من جهة، وباستخدام الخيال وتوظيفه في الوقت نفسه من جهة ثانية؟.
من الناحية الفنية هناك حق المبدع في الاختيار والعزل، أي اختيار محطات تاريخية معينة في حياة الشخصية، وإغفال محطات أخرى يرى المبدع أنها ليست مهمة بالنسبة للمسار العام للشخصية التاريخية، لأن السينما هي فن التكثيف بامتياز، حيث يتوجب على السينمائي تلخيص حياة الشخصية التاريخية التي تمتد ربما إلى 30 ثلاثين، أو 40 أربعين سنة في الواقع - تلخيصها- في ساعتين فقط مما تقتضيه مدة الفيلم، وهنا تظهر براعة السينمائي وموهبته وذكاؤه الوقاذ في عرض روح الشخصية وجوهرها، وليس عموم الحوادث التي تعرضت لها أو صنعتها، و هذا ما فعلناه في فيلم زيغود، لأنه فيلم سينمائي وليس شريطا وثائقيا، ثم إنّ الخيال في السينما التاريخية لا يعني الكذب أبدا، بل إنه منتهى الصدق، لكنه الصدق الفني والذي يعد أهم من الصدق التاريخي، فالأوّل هو الصدق بالإمكان، والثاني هو الصدق بالوقائع، ومادامت السينما إبداع يستخدم الخيال فإن أساس الفيلم إنما هو الصدق الفني الذي يعد أهم رهان يتوقف عليه نجاح الفيلم في تشويق المتلقي، وجلب انتباهه، والتأثير عليه.
السينما في نظري إبداع رهانه الخيال المشرق، لكنه ليس الخيال الذي يزور الحقائق ويحرفها، بل هو الخيال الذي يزيد في بيان تلك الحقائق وفي تعميقها وإبراز ها في حلة جميلة جذابة مشوقة ومؤثرة، لذلك أقول لمن يستسهلون السينما التاريخية بأنها أصعب من السينما الواقعية ومن السينما الخيالية، فهي تتطلب الإحاطة بحقائق التاريخ من جهة، وامتلاك أدوات التعبير الفني الخيالي العبقري من جهة ثانية.
فيلم "زيغود" يحيلنا إلى ملف الذاكرة العالق بين الجزائر وفرنسا.. كيف تقرأ العلاقة الجزائرية-الفرنسية على مستوى الذاكرة والأرشيف خاصة بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى الجزائر وتصريحاته بعد لقاء الرئيس تبون بأنّ فرنسا ترغب في طي صفحة الخلافات وبناء شراكة ندية؟
أعتقد أن قضية الذاكرة والأرشيف بيننا وبين فرنسا هي من القضايا الجوهرية الشائكة التي لا يمكن بأي حل من الأحوال القفز عليها، ففرنسا الاستعمارية ارتكبت جرائم كبيرة في حق الشعب الجزائري، وهنا لا أتحدث فقط عن القتل المادي للجزائريين حيث بلغ عدد الشهداء على مدى 132 سنة حوالي ستة 06 ملايين شهيد، ولكنني أتحدث أيضا عن القتل المعنوي، أي قتل الهوية والشخصية والروح والوجدان.
فرنسا حوّلتنا إلى كائنات مقطوعة الصلة بتاريخها وانتمائها، كائنات مشوهة، وزادت في تشويه الكثير منّا بإطلاق ألقاب ممقوتة علينا هي أقرب للهجاء والشتم، ولذلك أعتقد أنه من مصلحة فرنسا الاعتراف بجرائمها وتقديم اعتذار رسمي باسم الدولة الفرنسية للشعب الجزائري، لأنني أرى أن هذه المشكلة مازالت ستتطور وستكبر وستتعقد أكثر فأكثر خاصة مع انتشار الوعي الوطني بين الشباب الجزائري، فالذاكرة الوطنية تكتسي أهمية بالغة بالنسبة إلينا، فهي الدلالة على وجود الأمة في حركة التاريخ، وهي المعبرة عن هويتها وشخصيتها، حتى أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قد رسّم ذكرى 08 ماي 1945 كيوم وطني للذاكرة الوطنية، لأنّ الجزائر الجديدة تستقي مرجعيتها التاريخية من الحركة الوطنية والثورية التحريرية.
كمثقف جزائري أكيد تابعت محاولة فرنسا الضغط على الجزائر بطلبها الإفراج عن بوعلام صنصال.. كيف تقرأ هذه القضية خاصة؟
أما هذا بوعلام صنصال، فأعتقد أنه سيظل بالنسبة للجزائريين نموذجا للمثقف الخائن الذي يبيع قلمه وفنه لخدمة الاستعمار والصهيونية، ومن المؤكد أنه غدا ظاهرة ثقافية أفرزتها التحولات العالمية، وشخصيا ألاحظ أن لكل دولة عربية قد أصبح لديها صنصالها مثلما لكل دولة مثقفوها وأدباؤها المخلصون الملتزمون، وأمّا الزبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
بماذا تريد أن تختم في الأخير؟
عندما شاهدت فيلم "زيغود" فرحت كثيرا، وبكيت كثيرا أيضا، حتى أن النوم هجرني، ولم أنم ليلتي تلك، حياتي - كما تعلم - مليئة بالكفاح والنضال، ولو أنني طيلة عمري لم أكتب سوى فيلم زيغود لكفاني ذلك شرفا وفخرا، وأملي أن يوفقني الله في إنجاز فيلم حول الشهيد "ديدوش مراد".
الكلمات المفتاحية

الحسناوي وفاظمة.. قصة حب لم يقتلها المنفى وخلدتها الأغاني
"مثل فاظمة والحسناوي، هذا ما حدث لنا، أحبك وتحبينني، لكن والدك قال لا"، هذه الجُمل هي مطلع أغنية لفنان طابع الفولكور القبائلي مراد قرباص، تلك الأغنية التي لا تغيب عن أي عرس في منطقة القبائل في الجزائر، يتراقص الناس عند سماعها فهي أغنية باعثة للبهجة والفرح.

كمال داود.. كاتب جزائري فرنسي يُفلسِف لـ"الخيانة"
يثير الكاتب والروائي الفرنكو جزائري كمال داود في كل مرة، موجة جديدة من الجدل، بما يطرحه في تصريحاته وكتبه مقالاته التي تثير الصدمة لدى جزائريين يعتقدون أنه يتعمد استفزاز ذاكرتهم وتاريخهم، من أجل استمالة النخب الفرنسية ومؤسساتها الثقافية والإعلامية.

هارون الكيلاني: "شهيد بين عصرين" توثّق أوّل "محرقة" ارتكبتها فرنسا بالجزائر
يعكف الفنان الجزائري هارون الكيلاني على إطلاق "شهيد بين عصرين"، ملحمة فنية تستحضر ذاكرة المقاومة والصمود في مدينة الأغواط، وتسلّط الضوء على أول محرقة جماعية في التاريخ الحديث اقترفها الاستعمار الفرنسي سنة 1852.

تغييرات مصيرية في مسار كيليا نمور تحضيراً لأولمبياد 2028.. وخط الرياضة يسير مع الفن والتأثير
أعلنت البطلة الأولمبية الجزائرية كيليا نمور عن مرحلة جديدة في مسيرتها الرياضية، تتمثل في تغيير ناديها ومدربها استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية المقررة في لوس أنجلوس عام 2028، حيث ستخوض هذا التحدي الكبير تحت الراية الجزائرية.

قضية منع الصحفي رؤوف حرز الله من السفر تتفاعل.. منظمات حقوقية تندد ووزير الاتصال يلجأ للقضاء
أكدت منظمة شعاع الحقوقية أن قرار منع الصحفي الجزائري عبد الرؤوف حرز الله من السفر، دون إشعار رسمي أو إجراءات قضائية معلنة، يعدّ انتهاكاً صارخاً للضمانات القانونية والدستورية التي تكفل حرية التنقل وحقوق المواطنين الأساسية.

دومينيك دوفيلبان يهاجم "الخطاب الحربي" لبرونو روتايو ضد الجزائر.. ويشيد بجورجيا ميلوني
انتقد رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، دومينيك دو فيلبان، بشدة الخطاب العدائي تجاه الجزائر الذي تبناه بعض السياسيين الفرنسيين، وعلى رأسهم وزير الداخلية برونو ريتايو، محذرًا من العواقب الخطيرة لهذا النهج الذي وصفه بـ"الخطاب الحربي" وغير الواقعي.

إصلاح نمط تكوين الدكتوراه.. هل هي خُطوة لتصحيح المسار الأكاديمي؟
تنجه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على إحداث تغيير جوهري في نمط التكوين في طور الدكتوراه، من خلال اعتماد نموذج "مضاف الدكتوراه"، الذي يهدف إلى ربط التكوين بالاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية.