26-يونيو-2020

وزير الاتصال انتقد بشدّة وسائل الإعلام التي صوّرت جنازة العيفة أويحيى (فيسبوك/الترا جزائر)

جدلٌ كبير أحدثته الصور ومقاطع الفيديو التي بثتها وسائل إعلامية، وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت الوزير الأوّل الأسبق أحمد أويحيى، المتابع في ملفات فساد "ثقيلة" أمام القضاء الجزائري، وهو مكبّل اليدين في مقبرة القبة بالعاصمة، عقب حضوره جنازة شقيقة ومحاميه العيفة، الذي رافع عنه في تهم قد تكلّفه سنوات طويلة من السجن.

أعادت هذه المشاهد الحديث عن أخلاقيات المهنة والمعاملات الإنسانية في حقّ المحبوسين

أعادت هذه المشاهد الحديث عن أخلاقيات المهنة، ففي وقت كسب أويحيى الإنسان تعاطف كثيرين، نال أيضًا  الكثير من عبارات التشفّي واستحقاقه للعقوبة، حيث تحدّثت منشورات فيسبوكية، حول أحد أبرز الوجوه التي نالت نصيبها من  البحبوحة المالية في زمن الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، بينما ركّز الممتهنون لمهنة الإعلام على جدوى هذه الصور، وهل هي ضمن مهمات الإعلام، أم هي تسويق لكسب الجمهور فقط؟

اقرأ/ي أيضًا: إيداع أحمد أويحيى رهن الحبس المؤقت

الصورة حاضرة.. أين الفكرة؟

مهنيًا، ترى الإعلامية إيمان عويمر، أن " الصورة غير إنسانية، والحدث لا يستحق تسليطًا أو تناولًا إعلاميًا بذلك الزخم"، معبرة عن انزعاجها ممّا آلت إليه وضعية الصحافة في الجزائر، مبرّرة في تصريح لـ "الترا جزائر" أنه "ليس حبًا في أويحيى الذي يجزم كثيرون أنه كان من الفاعلين السياسيين، ممن أدخلوا البلاد في نفق مظلم، وإنّما لأن الإعلام خسر شوطًا جديدًا في المهنية والمصداقية والموضوعية" على حدّ قولها.

كما ذهب الإعلامي رياض هويلي، للحديث عن قضية صور أويحيى في المقبرة، واصفًا الخطوة بالمشينة، معبرًا عن وجود شرخ سحيق تعرفه وسائل الإعلام و وظائفيتها في الساحة، إذ أقدمت "العصابة على اغتيال مشاريع إعلامية، وصحافيين حاربوهم في رزقهم".

وفي قراءة أعمق للأزمة المرتبطة بين القضايا المتعلقة بالإعلام والتطرق للمحاكمات، اعترف الكاتب عمار لشموت، أن عمق المعضلة في الجزائر المتعلقة  بتلك المشاهد في جنازة المحامي العيفة أويحيى ينم عن ما أسماه "غياب الثقافة الحقوقية والإنسانية لدى قطاع هام من أنصار الديمقراطية" لافتًا في تدوينة على حسابه الفيسبوكي، أن الرهان الأكبر هو أن "تتحوّل الثقافة الحقوقية والإنسانية إلى ضمير جماعي، تنعكس عنه مواقف وسلوكات كونية" كما قال.

وصف بعض المتتبعين، الصور المتداولة لوزير الحكومة السابق، بـ"إعلام الجنائز"، كما ذهبت الأستاذة المتخصصة في علوم الإعلام والاتصال، نصيرة بن عمرة، التي اعتبرت أن الصحافة هي "مهنة البحث عن الحقيقة، وبناء الواقع الاجتماعي الذي يقوم على الطبيعة المعتمدة للمعلومات، بل هي مهمة فكرية" وليس فقاعة والبحث عن لفت الانتباه وكسب المشاهد فقط، على حدّ تعبيرها.

حادثة عابرة، أرجعت النقاش في الجزائر حول مشكلة عميقة فيما أسماه البروفيسور سعيد لوصيف بـ "النسق الاجتماعي التقليدي، الذي لا يُعاقب ولكن يهين"، وهذه الحالة التي أفرد لها تدوينة صغيرة في حسابه، جذبت تعليقات كثيرة من المتابعين حيال مسألة الظهور الإعلامي لرجل قوي في الدولة الجزائرية، تحول إلى سجين كسب تعاطف الكثيرين. وأضاف البروفيسور لوصيف أن "العقاب آلية حداثية انتجها مجتمع حديث".

السلطة تنتقدالإعلام

من جهتها علقّت السلطة أيضًا على الحادثة، على لسان وزير الاتصال الناطق الرسمي للحكومة، عمار بلحيمر، الذي انتقد بشّدة التغطية الإعلامية لجنازة المحامي العيفة أويحيى، وأكد أنّها "أعطت صورة لا تشرف مهنة الصحافة ولا الشعب الذي من المفترض أن نخدمه". وأضاف بلحيمر، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، أن "بثّ لقطات أويحيى مكبّل اليدين وهو محبط وحزين على فقدان شقيقه، تُكرّس لأسلوب الإهانة المخزي، والتصرّف غير الأخلاقي".

قضائيًا، كثيرون تساءلوا عن الجهة التي منحت أويحيى رخصة الخروج من السجن لحضور جنازة شقيقه، في سؤال انتفض له البعض، مقارنة بمختلف المساجين الذين حُرموا من هذا الحق، إذ طرح الصحافي مروان الوناس عدة أسئلة قائلًا: "هل نلوم القضاء الذي منح الرخصة لأويحيى لحضور جنازة شقيقه، بينما حرم منها محبوسون آخرون؟ أم نلوم أويحيى الذي قبل الذهاب مكبّل اليدين إلى المقبرة، وهو يعلم حجم الإهانة التي قد تلحقه؟، أم نلوم وسائل الإعلام التي هرولت إلى المقبرة لتصوير الرجل في تلك الحالة، وهي لو مُنعت من الدخول، ولو طُلب منها عدم التصوير لما احتجت، ولو طُلب منها عدم التصوير لفعلت، ولو أُمرت بعدم البث لأذعنت".

ورأى الوناس، أن "ما حدث في المقبرة، لا تلام عليه وسائل الإعلام، لأن السلطات هي من سمحت بكل ما حصل ...لكن أحمد أويحيى كان يمكنه لو شعر بالإهانة، بمجرّد وضع القيد على معصميه أن يرفض الحضور".

كما، تأسّف وزير الإعلام الأسبق الدبلوماسي عبد العزيز رحابي، عن الجهة القضائية التي سمحت لـ" المدعى عليه أحمد أويحيى، بحضور جنازة شقيقه" إذ كان حريًا بها " أن توفر للمواطن أويحيى ظروفًا كريمة للترحّم على روحه".

وأضاف "المشهد محزن، تحوّل المكان إلى حلبة لإعلام دون ٱي مستوى ومتفرجين تافهين.. مشهد لا يشرف السلطات العامة ويعطي صورة غير جديرة بالبلد الذي يُعرف شعبه بقيم التراحم، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالموت، والتسامح في مواجهة الشدائدأشعر بالخجل لتجردنا من قيمنا التي تحفظ الكرامة الإنسانية".

عدالة انتقامية

يعترف كثيرون، أن تصريحات أويحيى السابقة كانت مستفزة ومهينة للجزائريين، غير أن البعض "هالته تلك الصور"، كما قال الناشط نصر الدين قاسم، في تدوينة فيسبوكية، مضيفًا أنه تفاجأ لما نشرته الصحافة وبثته بعض القنوات حول تلك الجنازة، و"إمعان سادي في الإهانة للكرامة الإنسانية لا مبرّر لها البتة ولا مصوغ لها على الإطلاق".

واعتبر قاسم، أن السماح لأويحيى بحضور جنازة أخيه، كان التفاتة إنسانية محمودة وسلوكًا حضاريًا، وممارسة عامّة غير انتقائية ولا إقصائية ولا خبيثة النوايا.. لكن التشهير به إعلاميًا بتلك الطريقة المشينة كان فجًا قاسيًا عاريًا من الأخلاق، وغير إنساني، على حدّ قوله.

من جهتها، عجت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليق على صورة أويحيى وهو يودع أخاه في المقبرة، بفكرة أنّ ما حدث عبرة للمشككين في نزاهة العدالة، مثلما كتب الناشط علاء الدين مقورة، قائلًا: "عبرة لمن كان يقول إنها مسرحية، وعبرة لمن لم يصن أمانة الشهداء، وعبرة لمن اغتر بالسلطة".

ظلّت إشكالية نشر الصور الخاصّة ببعض الأحداث في الإعلام، محل جدل وآراء متباينة

ظلّت إشكالية نشر الصور الخاصّة ببعض الأحداث في الإعلام، محل جدل وآراء متباينة، إذ لطالما لعبت الصور دورًا كبيرًا في إيصال المعلومة، إن كانت مرتبطة بإخبار الجمهور، بينما باتت تحمل معها عدّة قراءات تعيد النظر في أخلاقيات المهنة، وتتحدّث عن تراجع كبير في المسؤولية الاجتماعية، المرتبطة بلغة الإعلام الإنسانية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

العيفا أويحيى: أطراف سجنت شقيقي لحرمانه من الترشّح للرئاسيات

صدمة لأويحيى بعد وفاة شقيقه ومحاميه العيفة