21-مايو-2022
الفنان أحمد بن عيسى

الفنان أحمد بن عيسى (فيسبوك/الترا جزائر)

بصمتِه ونظراته وهدوئه، دون أن يقوم بأي حركة يملأ الشاشة، محترف، يدرك ما معنى النظرة الإخراجية وما معنى إدارة الممثل، ينقل الإحساس للمشاهد دون أن يكلم.. هذه العبارات قالها المخرج الشاب محمد نجيب العمراوي في حق "فارس" السينما الجزائرية وأيقونة المسرح والدراما الفنان أحمد بن عيسى، الذي شارك في فيلم أخرجه العمراوي بعنوان "المسيرة الأخيرة" وعرض في مهرجان إيمدغاسن السينمائي مؤخرًا.

 أحمد بن عيسى فنان تحدّى رصاص الغدر الذي فتك  بزملائه المسرحيين والفنانين في العشرية السوداء 

لم تكن هذه الكلمات التي قالها مخرج شاب مجاملة في حق أحمد بن عيسى الذي وافته المنية، صباح الجمعة بفرنسا عن عمر ناهز 78 عامًا بعد صراع مع المرض بحسب مقربين من الفنان، بل لأنّه يعي مع من تعامل في فيلمه، تعامل مع فنان رصيده حافل في السينما والمسرح والدراما، ولكن دون أن يشكّل له ذلك أي إحراج نظرًا لاحترافية الراحل بن عيسى وتواضعه.

بن عيسى.. "كان" نهاية المحطة

خبر حزين فجع به الجزائريون، صباح الجمعة، برحيل بن عيسى بعد أكثر من نصف قرن من العطاء، وبحسب المعلومات المتوفرة، توفي بن عيسى وهو متواجد في أحد أعرق المهرجانات السينمائية مهرجان كان السينمائي إثر تعرضه لوعكة صحية، على أن ينقل جثمانه إلى باريس، ثم إلى الجزائر ليدفن في مسقط رأسه تلمسان غربي البلاد.

كان الراحل بن عيسى من الممثلين الذين قدّموا أعمالًا جدّية واحترافية ومهنية سواء المسرحية أو السينمائية أو التلفزيونية خلال العشرية السوداء التي مرّت بها الجزائر، فلم يخفه الإرهاب ولم يخش رصاص الغدر الذي فتك بوجوه بارزة آنذاك على غرار الراحل عبد القادر علولة، الشاب حسني، عزالدين مجوبي، الشاب عزيز.. وغيرهم.

 

وداعا ... سيد أحمد بن عيسى إنا لله و إنا إليه راجعون ...

Posted by Benabdellah Djellab on Thursday, May 19, 2022

أحمد بن عيسى خريج المعهد الوطني للفنون الدرامية ببرج الكيفان سنوات الستينيات من القرن الماضي، شغل مسؤوليات من بينها مدير المسرح الجهوي لسيدي بلعباس، في فترة التسعينيات، حيث كان لا صوت يعلو على صوت الرصاص، وقبل ذلك درس في الابتدائية والمتوسطة والثانوي بمدينة ندرومة تبلمسان، قبل أن يقرر الانتقال إلى العاصمة، من أجل الالتحاق بالمسرح، وحقق هدفه بانضمامه إلى تربص نظمه المسرح الوطني، ثم درس بمعهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان عام 1965.

 ولد كبيرًا

انطلقت مسيرة بن عيسى بأعمال كبيرة لا تزال راسخة في أذهان الجمهور الجزائري وأبرزها مشاركته بدعوة من الراحل كاتب ياسين في مسرحيتي "الخالدون" و"ما ينفع غير الصح". كما لم انتقال بن عيسى إل باريس نهاية الستينيات، أين التحق بالجامعة الدولية للمسرح بباريس، وتألق هناك بنيله جائزة أحسن ممثل في مسرحية المطرقة للمخرج رامون لاميدا.  

عزّت وزيرة الثقافة صورية مولوجي عائلة الراحل قائلة: "تلقيت بحزن كبير، خبر وفاة الفنان الجزائري الشامل أحمد بن عيسى، الذي توفي بعد مسيرة امتدت لأكثر من 50 عامًا، أعطى خلالها الكثير للسينما والتلفزيون والمسرح".

 

⚫تعزية "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ...

Posted by ‎وزارة الثقافة والفنون الجزائرية‎ on Friday, May 20, 2022

وأضافت الوزيرة مولوجي: "معروف على الراحل بن عيسى أنّه في الفترة الصعبة التي مرّت بها الجزائر كان من رجالات الذين وقفوا ضد الإرهاب، بحيث نظم في التسعينيات مهرجان المسرح المحترف بسيدي بلعباس يومًا كان مديرًا لمسرحه الجهوي، ومنح الفرصة للعديد من الفرق والجمعيات المسرحية".

حزن على منصات التواصل

العائلة الفنّية والثقافية، رثت الراحل على طريقتها، بصور ومنشورات على منصّات التواصل الاجتماعي وسط حزن خيّم على الجميع، وقالت كاتبة السينارية عبلة بلعمري: "عملاق من عمالقة فن الزمن الجميل فى الجزائر يرحل .. وداعًا الفنان القدير أحمد بن عيسى".

 مضيفة: "وحين يرحل الرائعون، ترحل أجسادهم فقط، لكن تظلّ أعمالهم و عطاءاتهم خالده، غاب الكبير والبارع في فنه وتلقائيته، وجُمله الإرتجاليه وجاذبيته المتألقه وذكائه الحاد، وإطلالته المهيبة أحمد بن عيسى رحمة الله تعالى ورضوانه عليه".

 بدوره، كتب الروائي الحبيب السايح في نعي الفقيد: أحمد بن عيسى فنان مسرحي وسينمائي، في طبعه وسلوكه وصوته وحركته، إنسان جميل الروح والقلب، هادئ، متزن وزاهد، برحيله نفقد جميعا شيئًا ثمينًا من ميراث مسرحنا الجزائري، عليه الرحمة، ولأهله العزاء والصبر".

ونعاه الممثل بوحجر بوتشيش على جداره بالفايسبوك قائلًا: "مفجوع بخبر رحيلك عمي أحمد، الله أكبر ولله الأمر، برحيلك تخسر الجزائر اليوم هرما في مدرسة الأداء، ممثلا قل نظيره ولن يتكرر. "

وكتب الممثل بن عبد الله جلاب في وفاة بن عيسى: وداعا #بان ... كما تعودنا نناديك، إنا لله و إنا إليه راجعون".

120 فيلما..

مسار بن عيسى توجه بـ120 فيلمًا وعشرات الأعمال المسرحية مخرجًا وممثلًا، فاز بالعديد من الجوائز الوطنية والدولية، كما تقلّد المرحوم منصب مدير مسرح سيدي بلعباس الجهوي في فترة عصيبة كانت تمر بها الجزائر (سنة 1995)، واستحدث مهرجان المسرح الممتاز الذي استقطب عدداً كبيرًا من الجمعيات المسرحية. بحسب بيان وزارة الثقافة.

تألق بن عيسى تلفزيونيًا في عدّة المسلسلات الدرامية من بينها "الذكرى الأخيرة"، "أحلام مؤجلة"

رصيد بن عيسى حافل بالإنجازات والأعمال وأبرزها مخرج وممثل في مسرحيات مختلفة من بينها "فاجعة الملك كريستوف"، "132 سنة" لود عبد الرحمان كاكي، "النقود الذهبية" لعبد القادر علولة، "الزيتونة"، "عجاجيبة وعجائب"، "الرتيلة".. وغيرها، أمّا سينمائيًا فأبدع في أدوار وأفلام عديدة مثل "كحلة وبيضا"، "أبواب الشمس: الجزائر للأبد"، "الصوت الخفي".. وأخرى، كما تألق تلفزيونيًا في عدّة المسلسلات الدرامية من بينها "الذكرى الأخيرة"، "أحلام مؤجلة".. إضافة إلى آخر أعماله "أولاد الحلال" عرض في شهر رمضان 2019.

صديق الشباب

كان أحمد بن عيسى قريًبا من الشباب وصديقهم، يحب دعمهم، يدافع عنهم في شتى المواقف، وخير دليل على ذلك إطلاقه مشروع (نجمة) الذي سعى من خلال تقريب الشباب من أعمال كاتب ياسين وفهمها خاصة رائعته "نجمة"، وساهم في تقديم وجوه مسرحية صاعدة، كما كان أحد المدافعين عن حقوق الفنانين في الجزائر، من خلال نداءاته المتكررة لتأسيس نقابة فنانين للدفاع عن حقوقهم وتحسين وضع الفنانين وتطوير المشهد الثقافي والفني بصفة عامة.