06-فبراير-2020

أزمة الحليب مازالت مطروحة في الجزائر رغم إجراءات وزارة التجارة (الصورة: الخبر)

مرّ أكثر من أسبوعين، على تصريح وزير التجارة كمال رزيق، المتعلّقة بمحاربة "عصابة" الحليب، للقضاء على الندرة المسجّلة في هذه المادّة عبر عدّة ولايات، ولكن لم يتغيّر الوضع مطلقًا، فالطوابير الطويلة أمام محلّات بيع المواد الغذائية لازالت ترسم صباح كلّ أحياء الجزائر، فهل يعني هذا أنّ "العصابة" التي تكلّم عنها الوزير الجديد غير عابئة بوعيدهِ، وهل سيكون مصيره خسارة الرهان الذي قرّر خوضه، مثل سابقيه من الوزراء ورؤساء الحكومات الذين سقطوا في امتحان "شكارة حليب"؟ أم أنه سيكشف في الساعات القديمة عن ألغاز هذه الأحجية؟

يبدو أنّ وزير التجارة لا يريد على الأقلّ في الوقت الحالي الاكتفاء بالاستماع لضجيج الموزّعين واحتجاجاتهم

ويدخل حليب الأكياس في الجزائر، ضمن المواد المدعّمة من قبل الدولة، ولا يجب أن يزيد سعر الكيس الواحد، أو "شكارة حليب" كما يسمّيها الجزائريون، عن 25 دينارًا عند بيعها للمواطن من قبل التاجر، غير أن هذا السعر المحدّد يُنتهك في عدة ولايات.

وعيد الوزير

في 25 كانون الثاني/يناير الماضي، صنعت تصريحات وزير التجارة الحدث؛ بعد أن توعّد بقطع الطريق أمام من أسماهم بـ"عصابة تجارة الحليب"، والتزم رزيق وقتها، بأنه لن يتساهل مع كل من يتلاعب بهذه المادة الأساسية في غذاء الجزائريين، وذلك بمحاصرة كل متورّط في توسيع رقعة الأزمة.

وأشار الوزير، إلى أنه يرفض مقترح رفع المعروض من الحليب لامتصاص الندرة، لأنه يعتقد أن الحلّ لا يمكن في ذلك، وإنما يتطلّب تنظيم السوق ومحاربة السمسرة.

وتوعد الوزير، جميع أطراف سلسلة بيع الحليب المخالفين للمهمة، المنوطين بها بعقوبات صارمة بدءًا من الملبنات إلى الموزّعين، فالتجّار المحليين.

ووصف رزيق من يتلاعبون بـ "حليب الجزائريين"، ببقايا العصابة التابعين لنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، معلنًا أن هذه العصابة ستكون أولى ضحايا حربه على من ينهبون المواد المدعّمة من قبل الدولة.

وبين الوزير، أن هذه الإجراءات ستكون مرحلة للمرور بعدها لمعركة الجودة التي تتطلب عملًا جادًا من قبل 45 مخبرًا وطنيًا، مكلّفًا بقياس جودة المنتوجات.

شدّ وجذب

بالنسبة لكثير من المواطنين، لم يتغيّر شيءٌ لحدّ الآن، بعد مرور أكثر من أسبوعين على وعود وزير التجارة، فالموزّعون وأصحاب المحلّات استطاعوا أن يفرضوا منطقهم، بما أن الندرة لا زالت مستمرّة.

وعلى عكس ما كان ينتظر كمال رزيق، فإن تصريحاته التهديدية لم تأتِ بنتيجة، وإنما أثارت حفيظة الموزّعين الذين قاطع بعضهم عملية التوزيع، ما أدّى إلى اضطراب في التزويد في عدّة ولايات.

وبولاية وهرن غرب البلاد، احتجّ عددٌ من الموزّعين بشاحناتهم أمام مديرية التجارة الولائية تنديدًا بتصريحات الوزير الذي لم يراع –حسبهم- الأموال الإضافية التي ينفقونها لتوصيل مادة الحليب للمستهلكين، ومن ثمّ فإنّ مطلبه ببيعه بالسعر المقنن 25 دينارًا (0.21 دولار) غير منصفٍ لهم.

وبالبويرة، اشتكى الموزّعون من  تصرّف بعض الملبنات التي تشترط عليهم شراء مواد أخرى، رفقة حليب الكيس المدعّم للحصول على الكميّات التي يطلبونها، ليجدوا نفسهم بين الخضوع لابتزاز أصحاب الملبنات، أو ضحيّة تهديدات الوزير.

ويبدو أنّ الوزير لا يريد على الأقلّ في الوقت الحالي الاكتفاء بالاستماع لضجيج الموزّعين واحتجاجاتهم، بما أن بعضهم مدرجين ضمن خانة المتّهمين بالانتماء لـ"عصابة الحليب"، فقد باشرت مديريات التجارة جملة من التحقيقات حول نشاط عديد الملبنات عبر مختلف الولايات.

وذكرت الإذاعة الجزائرية الحكومية، أن المديرية الجهوية للتجارة لولاية سعيدة، باشرت تحقيقات على مستوى 11 وحدة إنتاج حليب مبستر، مباع في أكياس بلاستيكية عبر ست ولايات، هي سعيدة، وتيسمسيلت، وتيارت، والشلف، ومعسكر وغليزان، للتأكد من احترامها للأسعار القانونية في عملية البيع.

وتشمل هذه التحقيقات، التي تمسّ الوحدات الإنتاجية العمومية والخاصّة على حد سواء، فحص فواتير بيع حليب الأكياس، والتأكّد من احترام تطبيق الأسعار القانونية.

وستتولّى فرق مراقبة الممارسات التجارية وقمع الغش، إنجاز محاضر مخالفات يتمّ توجيهها إلى الجهات القضائية في حقّ أيّة مؤسسة إنتاجية للحليب المدعم، عبر الولايات المذكورة تقوم بتحرير فواتير غير شرعية.

محاولات فاشلة

ربّما لا يتأمل الكثير من الجزائريين كثيرًا من وعود وزير التجارة في القضاء على أزمة الحليب، على الأقل في الوقت الحالي، بالنظر إلى التجارب الفاشلة التي قام بها وزراء سابقون.

ولعل أبرز مثال على ذلك سلفه الوزير السابق السعيد جلاب، الذي غادر الحكومة منذ أقل من شهرين، وكان وقتها قرّر في نيسان/أفريل 2018، اللجوء إلى مضاعفة الإنتاج للقضاء على طوابير الانتظار للظفر بكيس حليب، وذلك برفع كميّة مسحوق الحليب الموجّه للملبنات، لرفع الإنتاج من مليوني لتر يوميًا إلى 4 ملايين وقتها، حيث أصبح يقدّر اليوم بأكثر من 4.5 مليون لتر يوميًا.

لم يساهم هذا الرفع المضاعف للإنتاج، في القضاء على مشكل الندرة التي أقرّ وقتها جلاب أنها "مفتعلة"، لكن دون أن يستطيع القضاء عليها رغم بقائه على رأس وزارة التجارة لفترة طويلة.

حتّى وزير التجارة الراحل بختي بلعايب، أخفق في معالجة ملف حليب الأكياس رغم التنازلات والتحفيزات التي قدّمها للموزّعين، قصد القضاء على هذه الندرة التي أصبحت ظاهرة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقية، والتي لم تعشها البلاد حتى خلال السنوات العجاف في تسعينات القرن الماضي.

رغم الإجراءات الجديدة المتّخذة من وزارة التجارة، إلا أنها تبدو  غير مجدية حتى الآن

رغم الإجراءات الجديدة المتّخذة من وزارة التجارة، إلا أن جهود الوزير تبدو غير مجدية، لإنهاء مشكل ندرة حليب الأكياس، ما لم تتّجه الحكومة نحو مشروع إنتاج مسحوق الحليب محليًا الذي قُبر لأسباب  تبقى مجهولة، وهو المشروع الكفيل بالتقليل من فاتورة استيراد هذه المادّة، كما أن عمل الوزارة سيكون منقوصًا في حال ما لم يُصاحبه تنسيق مع وزارة الفلاحة، لتجميع الحليب الطازج، الذي تبقى كمياته المُعلن عنها لا تعبّر عن عدد الأبقار التي تتوفّر عليها الجزائر، والتي تقارب مليوني بقرة حلوب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وزير التجارة مهدّدًا "مافيا الحليب": لن أرحمكم

من يربح كيس الحليب في الجزائر؟