ثقافة وفنون

أزمة السيناريو في الدراما الجزائرية.. هل الحلّ في الأدب؟

23 مارس 2025
أزمة السيناريو في الجزائر هل الحلّ في الأدب؟
عبد الحفيظ سجال
عبد الحفيظ سجال صحفي من الجزائر

يظلّ استخدام الأدب وتحوِيل الروايات والقصص إلى أعمال تلفزيونية غائبًا، وهو ما يفسره البعض بالنقص في جودة السيناريوهات. وهو ما يثير جملة من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء ذلك وتأثيرها على المشهد الدرامي الجزائري. 

الدراما تعيش فقرًا في السيناريو ووضعًا مأساويًا في الحبكة، فعند مشاهدة الحلقة الأولى يمكن التكهن بالحلقة الأخيرة

 لماذا تبتعد الدراما الجزائرية عن كنوز الأدب، رغم وفرة الأعمال التلفزيونية، خاصة في رمضان؟ وبالرغم من تزايد الإنتاج الدرامي الرمضاني، لماذا يظلّ الأدب الجزائري غائبًا عن الشاشات؟" وما هي العوامل التي تقف وراء هذا التنافر بين الأدب والدراما في الجزائر؟"

غياب الأدب عن الشاشات 

خِلال السنوات الأخيرة، تمكن العديد من الكتاب الجزائريين من تحقيق جوائز محلية وعربية وأحيانًا عالمية، إلا أنّ أعمالهم الأدبية لم تجد طريقًا للتجسيد في أعمال تلفزيونية أو سينمائية، على عكس ما كان عليه الحال في القرن الماضي. حينها، كان الأدب يشكل رافدًا هامًا للعمل الفني، مما ساهم في ازدهار السينما الجزائرية وعيشها لزمنها الجميل.

ما يزال الجزائريون إلى اليوم يستمتعون بمشاهدة مسلسل "الحريق" الذي أخرجه الراحل مصطفى بديع والمقتبس عن روايات محمد ديب، في تجربة مثالية تمثل أحلى تزاوج بين الأدب والدراما، وهي التجربة التي لم تتكرر تلفزيونيًا حتى اليوم. بالرغم من أن الإنتاج الروائي الجزائري يفوق بكثير ما يتم إنتاجه من مسلسلات تلفزيونية أو إذاعية، إلا أن استثمار هذه الأعمال في الدراما لا يزال محدودًا.

 يؤكد الأستاذ الجامعي والسيناريست سي حمدي بركاتي على الأهمية الكبيرة لمسلسل "الحريق" الذي أخرجه الراحل مصطفى بديع ويعتمد على روايات محمد ديب (الدار الكبيرة، الحريق والنول)، في تاريخ الدراما الجزائرية، حيث يعتبره عملًا دراميًا خالدًا،

على الرغم من النّجاح الكبير الذي حققته رواية "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي في نهاية القرن الماضي وبداية الألفية، لم تستثمر الدراما الجزائرية في تحويلها إلى عمل تلفزيوني محلي، رغم أنّه تمّ تقديمه في مسلسل من إخراج الراحل نجدة إسماعيل أنزور.

ولا تقتصر الشراكة بين الأدب والدراما على التلفزيون فقط، بل كانت السينما الجزائرية أيضًا أكثر نجاحًا في هذا المجال، كما يظهر في فيلم "ريح الأوراس" لخضر حمينة، المقتبس من رواية "ريح الجنوب" لعبد الحميد بن هدوقة.و فيلم "نهلة" الذي كتبه الروائي رشيد بوجدرة، كما كتبت الراحلة آسيا جبار سيناريو فيلميها "نوبة نساء جبل شنوة" و"زردة النسيان".

وتُظهر هذه التجارب أنّ الأدب والدراما والسينما في الجزائر لم يكونوا في يوم من الأيام عالمين متنافرين، بل كانوا يشكلون معًا مزيجًا فنيًا ناجحًا، كما تجلى في أعمال مثل "الحريق" و"ريح الأوراس".

إلاّ أنّ الوضع اختلف اليوم، حيث أصبحت الروايات والقصص الجزائرية بعيدة عن التجسيد في الشاشة الكبيرة والصغيرة بشكل ملحوظ، ما يعكس تراجع التعاون بين الأدب والفن السمعي البصري في البلاد.

تراجع المقروئية.. 

يرى الكاتب والمُترجم محمد ساري أنّ السبب وراء قلة اهتمام صناع الدراما الحالية بتجسيد الروايات الجزائرية في أعمال تلفزيونية يعود إلى تراجع المقروئية بين هذه الفئة. 

وقال ساري لـ"الترا جزائر" إنّ "هؤلاء لا يقرأون الرواية الجزائرية ولا يرون فائدة في تحويلها إلى فيلم"، مشيرًا إلى أن الجيل السابق كان يقرأ بالفرنسية، ما أدى إلى تحويل العديد من الروايات إلى أفلام مثل "الحريق" لمحمد ديب و"ريح الجنوب" لعبد الحميد بن هدوقة و"الأفيون والعصا" و"الربوة المنسية" لمولود معمري و"شرف القبيلة" لرشيد ميموني. 

وفي المقابل، أضاف الكاتب والمُترجم ساري أنّ الجيل الجديد  لا يولي اهتمامًا كبيرًا للقراءة.

مسلسل "الحريق" الذي أخرجه الراحل مصطفى بديع، ويعتمد على روايات محمد ديب، يبقى عملًا دراميًا خالدًا إلى اليوم

ولكن عند النّظر إلى خلفية المخرجين التلفزيونيين، نجد أن أغلبهم فرانكفونيين، ما يعني أن المسألة لا تتعلق باللغة فقط، بل بتراجع القراءة لدى الطرفين، مما يساهم في إبعاد الأدب الجزائري عن الشاشة.

أضاف ساري أنّ موضوعات الدراما الجزائرية الحالية تنحصر بشكل كبير في القضايا العائلية والانحرافات مثل تعاطي المخدرات والمتاجرة بها، مما يجعل أحداثها غير مرتبطة بمكان أو زمان معين. 

وقد تميل هذه المواضيع إلى أن تكون عامة بحيث يمكن تطبيقها على أي بلد وأي تاريخ، وذلك لتفادي الرقابة والمنع من البث. 

محمد ساري: السبب وراء قلة اهتمام صناع الدراما الحالية بتجسيد الروايات الجزائرية في أعمال تلفزيونية يعود إلى تراجع المقروئية بين هذه الفئة

 أشار ساري في تصريح لـ" الترا جزائر" إلى أن الروايات الجزائرية غالبًا ما تحتوي على موضوعات سياسية وانتقادية قد لا تكون ملائمة لتحويلها إلى أفلام توجه للجمهور الواسع، وبالتالي تظل حبيسة في طيات الكتب التي يطالعها فقط قلة من النخبة.

كما انتقد ساري بعض الروايات بالقول إنّها لا تتضمن قصصًا محكمة أو شخصيات معقّدة أو تطورًا في الأحداث يصلح للتحويل إلى دراما أو فيلم. 

واعتبر أنّ العديد من الروايات لا تقدم سوى أحداث منفصلة أو خواطر ذاتية حول الحياة، أو حتى مغامرات عشقية وجنسية، وهي مواضيع يصعب تحويلها إلى أعمال تلفزيونية أو سينمائية.

وأشار المترجم ذاته إلى إشكالية المسموح به من مضمون للمعالجة الدرامية، حيث بيّن أنّ "هناك روايات مثل التي كتبتها (الورم وحرب القبور وحصاد الرمال والقلاع المتآكلة) قصص محبوكة تصلُح لأن تحول إلى أفلام أو مسلسلات تلفزيون ولكنّها تعالج موضوع العشرية السوداء والإرهاب وأظن أن مثل هذه الموضوعات لم يحن بعد وقت تحويلها إلى أفلام للعامة، عليها رقابة كبيرة وخوف من عدم التمويل ورخصة البث".

مسلسل بنات المحروسة

 

تحويل الروايات إلى أعمال درامية

يرى الأستاذ الجامعي سي حمدي بركاتي في تصريح لـ " الترا جزائر" أنّ كاتب السيناريو الجيد يمكنه إيجاد السياق المناسب لمعالجة الروايات الجزائرية، مشيرًا إلى أنّ قانون المصالحة الوطنية لا يمنع التطرق لهذه الفترة التاريخية بطريقة فنية. 

سي حمدي بركاتي: كاتب السيناريو الجيّد يمكنه إيجاد السياق المناسب لمعالجة الروايات الجزائرية

ففي عام 2018، حاولت قناة "الشروق" الخاصة إنتاج مسلسل "تلك الأيام" الذي يتناول هذه الفترة، إلا أن العمل لم يكتمل ولم يُعرض لأسباب يربطها البعض بالجانب الإنتاجي.

رغم ذلك، قامت عدة أفلام سينمائية جزائرية بالتطرق لفترة التسعينات، مثل فيلم "رشيدة" الذي أخرجته يمينة بشير شويخ وفيلم "بابيشا" الذي أخرجته مونية مدور. لكن بركاتي يرى أن هذه الأفلام تظل محل نظر، حيث إنها غالبًا ما تنقل وجهات نظر شخصية قد لا تعبر بشكل دقيق عن الواقع الجزائري، مما يحد من قدرتها على تقديم صورة شاملة لهذه الحقبة.

ممسلسل الفراق

هيمنة الثقافة التجارية

ينتقد بركاتي النزعة التجارية التي تؤثر بشكل كبير على صناعة الدراما والسينما الجزائرية، مما يساهم في تخلي الكثير من الأعمال الفنية عن الروايات الجزائرية رغم وجود كتاب مميزين في الرواية التاريخية، التي يمكن أن تتحول بسهولة إلى مسلسلات أو أفلام سينمائية. 

ويقول بركاتي: "الدراما تعيش فقراً في السيناريو ووضعاً مأساويا في الحبكة، فعند مشاهدة الحلقة الأولى يمكن التكهن بالحلقة الأخيرة"، مشيرًا إلى أن زيادة الكم في الإنتاج لم يُرافقه تحسُّن في النّوع.

ويُضيف بركاتي أنّ الموضوعات التي تركز عليها الدراما، مثل الخيانة الزوجية، المخدرات، والمافيا، هي قضايا هامشية لا تعكس الواقع الحقيقي للمجتمع الجزائري. 

موضوعات الدراما الجزائرية الحالية تنحصر بشكل كبير في القضايا العائلية والانحراف ممّا يجعل أحداثها غير مرتبطة بمكان أو زمان معين

ويُرجع هذا الخلل إلى النزعة التجارية لدى صناع الدراما الذين يسعون وراء الإثارة والدهشة، ويعتبرون مواضيع مثل العنف والغدر والخيانة هي الوسيلة المثلى لصناعة هذه الإثارة. وهذا يجعل المعالجة الدرامية سطحية، في حين أنّ المعالجة الروائية تتمتع بعمق، حيث أن الروائي يتعامل مع الشخصيات في أبعادها الاجتماعية والجسدية والنفسية.

 

أكد المخرج بشير درايس في تصريح لـ"الترا جزائر" أنّ الثقافة التجارية أصبحت السائدة حاليًا في صناعة التلفزيون الجزائري، حيث يتفوق الجانب المالي على الأبعاد الإبدّاعية. 

وأوضح أنّ المنتجين يميلون إلى إهمال الأعمال الأدبية، مفضلين المشاريع التي تحقق عوائد سريعة، لافتا إلى أنّ تحويل الروايات إلى أعمال تلفزيونية يتطلب معرفة عميقة بالأدب الحديث، وهي معرفة قد تفتقر إليها العديد من الجهات الإنتاجية. 

كما أشار إلى أنّ الحصول على حقوق الأعمال الأدبية يعتبر استثمارًا ضخمًا، يتطلب غالبًا توظيف كُتاب سيناريو لهم كفاءة وسمعة عالية، مما يزيد التكاليف بشكل كبير. 

ولهذا السبب، يُفضّل العديد من المنتجين توجيه مواردهم إلى استثمارات شخصية مثل شراء سيارات فاخرة بدلاً من تخصيص مبالغ مالية معتبرة من أجل تأمين حقوق الكتب وتعويضات الكتاب المحترفين.

بشير درايس: الثقافة التجارية أصبحت السائدة حاليًا في صناعة التلفزيون حيث يتفوق الجانب المالي على الأبعاد الإبدّاعية

من جانبه، يرى الأستاذ سي حمدي بركاتي أنّ مشكلة مضمون الدراما الجزائرية لا تقتصِر فقط على ضُعف السيناريو، بل هي جزء من منظومة ثقافية تعاني من الفوضى. 

وأكد على أهمية وجود خلية عمل تجمع بين كُتاب الروايات وصناع الدراما وكُتاب السيناريو الذين يحولون الروايات إلى أعمال تلفزيونية.

 

 

فوضى الإنتاج

حلّ مشكلة نقص التكوين الفني، يمكن تداركه حسب بركاتي، عبر إنشاء مؤسسات تعليمية مثل "ثانوية الفنون"، بالإضافة إلى أهمية تنظيم ورشات كتابة السيناريو بدلاً من الاكتفاء بالاعتماد على كاتب واحد.

للتغلب على هذه الأزمة، شدد بركاتي على ضرورة إنهاء الفوضى الثقافية التي جعلت الإنتاج الدرامي محصورًا في شهر رمضان فقط، مطالبًا القنوات التلفزيونية بتشكيل لجان قراءة لاختيار السيناريوهات المناسبة التي تضمن إنتاج أعمال درامية ذات قيمة فنية عالية.

الكلمات المفتاحية

التعليم المُقاوم.. كيف واجهت المدارس الحُرّة الاستعمار الفرنسي في الجزائر؟

التعليم المُقاوم.. كيف واجهت المدارس الحُرّة الاستعمار الفرنسي في الجزائر؟

لم يكُن السلاح الوحيد في يد الجزائريين هو البندقية، بل كان للقلم دوره الريادي في المقاومة خلال الفترة الاستعمارية.


فيلم"الطيارة الصفراء"

فاز بجائزة "رؤى أفريقية".. فيلم "الطيّارة الصفراء" يخطِف الأضواء في مونتريال

يُسطّر الفيلم الجزائري "الطيّارة الصفراء" للمخرجة والمنتجة هاجر سباطة، صفحة جديدة في تاريخ السينما الجزائرية، بعد أن فاز بجائزة أحسن فيلم عن فئة الفيلم الروائي القصير والمتوسط، في مهرجان "رؤى أفريقية" الدولي، بمدينة مونتريال الكندية.


أجسن تليلني

أحسن تليلاني: لو أنني طيلة عمري لم أكتب سوى فيلم "زيغود" لكفاني ذلك شرفًا

تليلاني أحسن الأستاذ بجامعة الجزائر، والعميد السابق لكلية الآداب يجامعة سكيكدة، والناقد والمترجم والكاتب المسرحي الذي يملك في رصيده 17 مؤلفًا، خاض تجربة سينمائية فريدة من خلال كتابته لسيناريو فيلم تاريخي يتناول حياة الشهيد البطل زيغود يوسف" مهندس هجومات الشمال القسنطيني إبّان الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962).


الممثل إبراهيم دريس

الممثّل إبراهيم دريس: اكتشفني كوستا غافراس.. وانتظروني في "الصّف الأوّل"

بحيّ باب الواد العريق في أعالي الجزائر العاصمة عام 1982، وُلد إبراهم دريس، مُمثّل شاب يشق طريقه بثبات نحو النجومية في عالمي السينما والدراما رغم بدايته المتأخرة التي كانت في عمر الثلاثين.

vent.jpg
أخبار

طقس الجزائر.. أمطار ورياح عاتية عبر 13 ولاية

حذّر الديوان الوطني للأرصاد الجوية، اليوم الاثنين، من تساقط أمطار رعدية غزيرة ورياح قوية على عدّة ولايات من الوطن.

(الصورة: فيسبوك)
رياضة

رغم الفوز.. شباب قسنطينة يغادر كأس "كاف" من الدور نصف النهائي

أقصي شباب قسنطينة في الدور نصف النهائي لكأس الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم، رغم فوزه يوم الأحد، في مباراة الإياب أمام نهضة بركان بنتيجة 1-0 ، بملعب الشهيد حملاوي بقسنطينة.


كاتب الدولة مع أفراد الجالية
أخبار

أول مشاركة لأبناء الجالية في مسابقة وطنية تربوية

كشف كاتب الدولة المكلف بالجالية الوطنية بالخارج، سفيان شايب، عن مشاركة متميزة لأبناء الجالية الجزائرية بالخارج في أول مسابقة مدرسية من نوعها ينظمها المجلس الشعبي الوطني بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية.

لاروس
أخبار

إدراج كلمة جزائرية في قاموس لاروس الفرنسي الشهير

أدرجت دار النشر الفرنسية الشهيرة "لاروس"، الكلمة الجزائرية "كراكو" (Karakou) ضمن الطبعة الجديدة من قاموسها الشهير، المرتقب صدوره في 21 أيار/ماي 2025، وذلك ضمن قائمة تضم 150 مفردة جديدة.

الأكثر قراءة

1
رياضة

أمين غويري يتحدّث عن سرّ "الهاتريك" أمام بريست.. كيف جاءت الضربة المِقصّية؟


2
أخبار

الحبس المؤقت لمتّهم ببيع لحوم أغنام مذبوحة بطريقة غير شرعية


3
أخبار

حادث انزلاق التربة بوهران.. ترحيل 182 عائلة إلى سكنات جديدة


4
رياضة

إعادة برمجة لقاء الرويسات والحراش السبت المقبل بدون جمهور


5
أخبار

تعليق عددين لبرنامجين رياضيين بقناتين خاصتين بعد بث خطاب يحرض على الكراهية