04-سبتمبر-2019

بعض العائلات تُطلق أسماء دميمة على مواليدها الجدد لدرء الشرّ والبلاء (Getty)

" لقد فقدتُ الأمل في إنجاب الأطفال. كنتُ أفقد أولادي بعد أربعة أشهر أو أقلّ من الحمل. فقدتُ طفلًا بعد أن عشتُ فرحة إنجابه ليوم واحد، ذات يوم جاءتني امرأة من بني عدّاس (غجر الجزائر)، تطلبُ مني زيتًا ودقيقًا، أعطيتها وجلستُ أحادثها، فلما سَمِعت منّي قصّتي، نصحتني بتناول لحم جروٍ من أجل الإنجاب. قد تعتبرها قصّة من وحي الخيال، لكنّها حقيقة دفعني إليها اليأس ونظرة المجتمع وعائلة زوجي. أنجبت ولدًا بعد عام وأسميته العيفة، لقد أردت أن تعافه الموت وتبتعد عنه". كانت هذه قصّة الجدّة حدًة، التي أنجبت ولدها بعد قصّة طويلة مع الحرمان والمعاناة والضغوطات الاجتماعية.

قد يكون أمرًا مثيرًا للاستغراب أن تطلق عائلة في منطق القبائل إسم "أكلي" على مولودها

أسماءٌ تُبعد الموت وتجلب الرزق

قد يكون أمرًا مثيرًا للاستغراب أن تطلق عائلة في منطق القبائل إسم "أكلي" على مولودها، ومصدر الغرابة في ذلك، أنّ هذا الاسم يحمل معنى "العبد الأسود" باللغة الأمازيغية، وحسب الروايات التي يتمّ تداولها في المنطقة حول هذا الاسم؛ فإن العائلات تجنح لهذا الخيار اعتقادًا منها أنّ هذا الاسم، يُذهب العين والحسد عن ولدها ويحميه من أيّ مكروه، فأيّ عين هذه التي ستصيب عبدًا أسودًا، ومن ذا الذي سيهتم لأمر عبد مملوك.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائريون في "حملة فيسبوكية".. نريد مستشفى لسرطان الأطفال

وإن زال هذا المعتقد القديم، فإن الاسم لازال يُطلق على المواليد الجدد، ليس درءًا للعين وإنّما تيمّنا ببركات الآباء والأجداد والأقارب الذين حملوا هذا الاسم من قبل. فأثناء اشتغالي على هذا الموضوع سألت والدي الذي يبلغ من العمر 55 عامًا، ويحمل هذا الاسم، فكانت إجابته أنّه لم يسأل يومًا عن سبب تسميته، ولم يسأله أحد عن ذلك، فهو يعتبر اسمه عاديًا كباقي الأسماء الأخرى، لم يشعر يومًا بالخجل أو التذمّر حيال ذلك رغم علمه بمعناه.

ترسّخ قديمًا في المخيال الشعبي، أنّ الأم حين تفقد الكثير من الأولاد، فما عليها إلّا أن تختار اسمًا دميمًا لمولودها الجديد، حتّى تُبعد عنه الموت والغيرة والعين والحسد؛ فالمجتمع كان يعتقد أن سبب الوفيات المتكرّرة ليس بسبب المرض أو انعدام التشخيص الطبّي، وإنّما يرجع ذلك لعين سوءٍ أصابت الأمّ أو المولود.

في هذا السياق، تُطلق عائلات جزائرية اسميْ العيفة ومعيوف، وفي بعض المناطق اسم معيوفة كي تعاف الموت هذا المولود الجديد، ولا تخطفه من حضن الأم التي انتظرته كثيرًا.

في مقابل ذلك ظهرت أسماء تحمل معنى الحياة وطول العمر، فانتشرت أسماء من قبيل: العيّاشي، عيّاش، عويشة، عيشة وعيشوش، وتُطلق على المواليد الجدد، تأمّلًا في حصول المولود على فرصة للحياة وألا يكون مصيره الموت كباقي إخوته.

لقد كانت تسميّة المواليد تخضع لعدّة معطيات وعوامل، منها ما يزال قائمًا ومنها ما اختفى من الذاكرة الجمعية، إذ كثيرًا ما كانت تتحكّم في تسمية المواليد عوامل كالفرح والحزن ودرء الحسد والتبرّك بالأجداد، فلقد كانت العائلات تظّن أن بعض الأسماء يجلب الخير، والبعض الآخر كان يطرد الشّر والبلاء، فيتحايلون على الحظ التعيس بأسماء تحمل الرزق والفرح والحياة بين حروفها.

هناك اعتقاد آخر كان راسخًا لدى العائلات الجزائرية، وهو أنّها كانت تتحايل على الموت بطريقة أخرى، وتطلق اسم أحد أفراد العائلة المتوفّين على المولود الجديد، كي يظّنه الموت متوفّيًا ولا يتخطّفه، إضافة إلى معتقدات كثيرة في هذا السياق.

كفانا إناثًا..

كانت بعض العائلات سابقا –لا يزال الاعتقاد قائمًا في بعض المناطق- تتشاءم من المواليد الإناث، ونتج عن ذلك عدّة حالات طلاق، أو لجوء الأزواج إلى زيجة ثانية، من أجل إنجاب ذكور يضمنون استمرار شجرة العائلة، وربّما ارتبط ذلك بالمجتمعات البدوية التي تعتمد على الرعي والزراعة و، وهي أعمال تحتاج إلى ذكور العائلة دون إناثها، فكان إنجابهم دليل على القوّة والسند والثراء.

بسبب هذه العادات، كانت العائلات تُطلق أسماء غريبة على الإناث مثل حدّة، بركاهم، حدّهم، برْكة، وغيرها من الأسماء التي تعني التوقّف وعدم الاستزادة في اللهجة الجزائرية، وذلك اعتقادًا منهم أن ذلك من شأنه أن يُساهم في الحدّ من إنجاب البنات.

من جهة أخرى، كانت بعض العائلات قديمًا، تُطلق أسماءً دميمة على المواليد من البنات، كدلالة لرفض العنصر الأنثوي في المجتمع، فنجد بعض الأسماء الغريبة والتي لا تحمل أيّ معنى، بل أزيد من ذلك، فيها ظلمٌ كبير لحامليها الذين راحوا ضحيّة معتقدات خاطئة فنجد من بين أسماء الإناث: الغدفة، العيفة، النخلة، برقلاح، الدايخة، بهيليلة، ومطيشة (المرميّة). بينما تبدو أسماءٌ أخرى أكثر غرابة من قبيل وحشية، زيدومة، الناعس، عبدة، فينينية، زعرة.

كثيرًا ما يتمّ  إقصاء الإناث اجتماعيًا لحظة ولادتهنّ، بمنحهنّ أسماءً تعبّر عن الضجّر والسأم من كثرة إنجاب الإناث 

قدّمت الباحثة في الأنتروبولوجيا هدى جبّاس، بحثًا علميًا معنونًا بـ " هوية وتراث، مقاربة أنثروبولوجية لدلالة الأسماء في قسنطينة 1901-2001"، حاولت فيه دراسة الأسماء وتغيّرها نتيجة مؤثّرات تاريخية وثقافية واجتماعية في قسنطينة غربي الجزائر، وقد عثرت أثناء اشتغالها على أسماء غريبة أطلقتها العائلات القسنطينية على أبنائها ورجّحت الباحثة أنّ العوامل النفسية كانت من أقوى بواعث ظهورها، وترى أنّه كثيرًا ما يتمّ إقصاء الإناث اجتماعيًا لحظة ولادتهنّ، بمنحهنّ أسماءً خارجة عن العرف أو معبّرة عن الضجّر والسأم من كثرة إنجاب الإناث عوضَ الذكور.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جرائم قتل الأطفال.. هل عقوبة الإعدام هي الحل؟

كفالة الأيتام في الجزائر.. أحلام الأطفال المبتورة