في عام 1959، حلّت عائلة جزائرية مهاجرة في ضاحية سارسيل شمال باريس، جاء ربّ تلك العائلة للعاصمة الفرنسية، عساه ينال القليل من أنوارها، باحثًا عن لقمة عيش لأفراد عائلته الصغيرة، في ذلك العام استقبلت العائلة مولودًا أسمته أحمد، لم تكن العائلة الجزائرية تعلم أن هذا المولود الذي نشأ في الضاحية الفرنسية، سيدخل قصر الإليزيه يومًا ما ويعاشر كبار القوم، بل ويصبح طرفًا في صناعة رؤساء فرنسا، ويرافق جاك شيراك وساركوزي. خلع الفتى ثوب أحمد وارتدى قناع "أليكس"، ومضى في رحلته من شقّة ضيّقة في عمارات سارسيل إلى قصر الإليزيه.
عاد رجل الأعمال الفرانكو جزائري ألكسندر جوهري ليتصدّر المشهد الإعلامي والسياسي في فرنسا
معمر القذافي.. نهاية القصّة؟
عاد رجل الأعمال الفرانكو جزائري ليتصدّر المشهد الإعلامي والسياسي في فرنسا، بعد أن تسلّمته السلطات الفرنسية من لندن، ووضعته في سجن "فريسن" بباريس، موجّهة له تهمة التمويل الليبي للحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، وكانت السلطات البريطانية وضعته تحت الإقامة الجبرية بدل السجن، بعد أن دفع كفالة تناهز مليون يورو.
اقرأ/ي أيضًا: القضاء الجزائري يبرّئ جمال بغال بعد أن طردته فرنسا بتهمة الإرهاب
في نيسان/أفريل العام 2013، فتحت السلطات الفرنسية تحقيقًا قضائيًا في قضية التمويل الليبي لحملة ساركوزي، بعد أن توفّرت دلائلٌ تُثبت حدوث عملية تمويل غير شرعي، يعاقب عليه القانون في فرنسا. وقد أصدر القضاء الفرنسي، مذكّرة تفتيش لمنزل جوهري في 2015. شعر جوهري أنّ رأسه بات مطلوبًا في فرنسا فاختار الانتقال إلى سويسرا مواصلًا من هناك وساطته مع الأنظمة والشركات العالمية، وهي هوايته المفضّلة، حيث اشتهر خاصّة في أفريقيا التي يمتلك فيها الجنسية الغابونية أيضًا.
جوهري وُلدت معه مهارة التفاوض واقتناص الفرص، وتقرّب بفضلها من عدّة أنظمة، وربط معها علاقات متينة جعلته في بعض الأحيان في مرتبة الرؤساء أو أكثر.
تقرّب جوهري في عام 2006، من فريق حملة ساركوزي، وبات مرافقًا له في عدّة زيارات، خاصّة للدول الأفريقية، وتقول عدّة روايات أنّ جوهري، توسّط لدى مقربين من العقيد الليبي معمر القذافي لتمويل حملة ساركوزي، بل إنّ الكثير من التحليلات تربط مقتل القذافي بعد أن عُثر عليه حيًا بهذه القّصة، فهل حقا قتل النظام الفرنسي معمر القذافي، من أجل إخفاء "الغسيل الوسخ" للإليزيه؟ سؤال قد يجيب عليه جوهري أثناء محاكمته.
صديق علي حدّاد وحاشية بوتفليقة
في صبيحة الرابع عشر من فيفري/شباط 2014، كان فندق الأوراسي بالعاصمة مكانًا للقاء المرشّح الرئاسي آنذاك إيمانويل ماكرون، مع رجل الأعمال الجزائري علي حدّاد، لقد التقى الرجلان مرّتين في ظرف يوم واحد، مهندس اللقاء لم يكن غريبًا على الفندق الفاخر، بل يُعتبر أحد زبائنه الأوفياء، إنه ألكسندر الجوهري، صديق علّي حداد والمقرّب من محيط الرئاسة الجزائرية، فحسب المعلومات التي وردت في كتاب "ماكرون المتحايل الكبير" لمارك إندويلد، فإن جوهري كان وسيطًا في صفقة لتمويل حملة ماكرون بأموال جزائرية، حيث نقل الصحافي الاستقصائي عن مصادره، أنّ سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ومستشاره، أمر علي حدّاد بضخّ أموال لفائدة إيمانويل ماكرون.
نشرت يومية "لو سوار دالجيري" حوارًا مع ألكسندر جوهري، يومًا واحدًا قبل تسليمه لفرنسا من طرف السلطات البريطانية، التي قبضت عليه في مطار هيثرو بلندن بداية عام 2018، بعد إصدار فرنسا لمذكّرة توقيف أوروبية بشأنه.
الرجل القويّ والعالم بكواليس الشأن الفرنسي، تحدّث مع اليومية الجزائرية عن علاقته مع علي حدّاد قائلًا: "أنا لا أمتلك أي نشاطٍ صناعيٍ أو اقتصادي في الجزائر. بالنسبة لي، الجزائر تعني الأصدقاء والعائلة فقط. ومع ذلك، قُمت باستثناءٍ واحدٍ فقط في هذا السياق، حين رافقت علي حداد إلى جيبوتي من أجل مشروع أنابيب تصل جيبوتي بأديس أبابا".
ويضيف جوهري: "في الحقيقة لم يتمكّن علي حداد من الظفر بهذه الصفقة، لأن مصنع الأنابيب الذي يمتلكه، لم يكن في مستوى الطاقة الإنتاجية التي يتطلّبها مشروعٌ مماثل. كان الأمر يتعلّق بمساعدة أحد معارفي الجزائريين، لولوج سوق أفريقية واعدة، لكنّني لم أكن طرفًا في أي صفقة اقتصادية في الجزائر".
انتخاب تبّون خبر سار؟
يُحاول جوهري في كلّ مرّة، التنصل من قرابته من النظام الجزائري في عهد بوتفليقة أو عالم الأعمال في الجزائر، إذ يعتبر علاقته مع الجزائر علاقة روحانية، تربط ابنًا ضالًا بالأرض التي احتضنت قبر والده وأمّه، يقول جوهري في الحوار نفسه مع اليومية الجزائرية "في الجزائر قبر أمي وأبي، وأختان لي. والد أمي استشهد هناك وعمي أيضًا، لكن علاقتي مع الجزائر ليست مجرّد علاقة مع هذه القبور فقط".
وعن علاقته مع نظام بوتفليقة، يقول حافظ أسرار اليمين الفرنسي إنّ "علاقتي مع نظام بوتفليقة لم تكن قويّة أبدًا، كون النظام الجزائري كان قريبًا من محيط الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء مانويل فالس، وهما الرجلان اللذان لم تربطني بهما أيّة علاقة رسمية، بل العكس تمامًا، لقد حاولا إخراجي من المشهد الفرنسي".
وفي سؤال عن مساعي الجزائر، للتدخل لدى السلطات البريطانية من أجل حلّ مشكلته أثناء احتجازه، قال جوهري "لم تكن هناك أي لفتة من الجانب الجزائري، ولا حتّى لطمأنة عائلتي أو إجراء مكالمة هاتفية. لا شيء من الجزائر ولا شيء من فرنسا. هؤلاء الناس جرّدوني رمزيًا من جنسيتي. بينما كنت في لندن مقيَّدًا على مدار الساعة، لمدّة 18 يومًا، لقد تعرّضت لمعاملة قاسية وغير إنسانية".
ألكسندر جوهري: "سأعود إلى الجزائر وأزور قبر أختي التي مُنعت من حضور جنازتها"
وختم جوهري كلامه مع "لوسوار دالجيري" الناطقة بالفرنسية: "سأعود إلى الجزائر بأسرع وقت ممكن. واجبي الأوّل هو الذهاب إلى قبر أختي التي مُنعت من حضور جنازتها. سوف أكتشف جزائر مختلفة. أفضل بكثير. أظن أنّ انتخاب عبد المجيد تبون خبر سارٌ. شخصيًا هذا الخيار يناسبني تمامًا. إنه رجل ذو خبرة ويجب تركه يعمل ودعمه. إنه رجل متمرّس، إذا تمكّن من إكمال 75 في المائة من برنامجه فسيكون الأمر رائعًا. أنا أؤيّده وسأؤيّده".
اقرأ/ي أيضًا:
الجزائريون مهدّدون في فرنسا.. 154 عملًا معاديًا للمسلمين سنة 2019
تصريحات ماكرون تفتح جرح الماضي بين فرنسا والجزائر