الترا صوت - فريق التحرير
ما عدا مرّات قليلة تعلّقت بشخصيات سياسيّة معارضة للنّظام القائم، لم تشهد الجامعات الجزائريّة منع محاضرات ونشاطات فكرية وثقافيّة. لذلك كان منع رئاسة جامعة باتنة، 600 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، لمحاضرة عن الحركات الأمازيغيّة كان سيلقيها الباحث في علم الاجتماع السياسي والأكاديميّ ناصر جابي، لافتًا للانتباه ومثيرًا للتّضامن في المنابر الإعلامية ومواقع التّواصل الاجتماعي.
يبدو أنّ المشهد الجامعيّ في الجزائر، لم يستطع أن ينأى بنفسه عن فخاخ المشهد السّياسي، الذي يكتنفه الغموض أسابيع قليلة قبل انتهاء العهدة الرّابعة للرّئيس بوتفليقة
حدث ذلك بمناسبة الاحتفال برأس السّنة الأمازيغية 2969، حيث دعت جمعية "ثامزغا" الثّقافيّة الأكاديميّ والباحث في علم الاجتماع السّياسيّ ناصر جابي لتقديم كتاب أشرف عليه عنوانه "الحركة الأمازيغيّة في شمال أفريقيا"، ضمن سلسلة محاضرات أخرى.
اقرأ/ي أيضًا: المكتبات الجامعية في الجزائر.. منتهية الصلاحية
يقول ناصر جابي في رسالة وجّهها إلى الرّأي العام: "قبل أن يأتي دوري بعد زميلين آخرين لإلقاء محاضرتي أخبرني أحد المنظّمين أنّ رئيس الجامعة يريد أن يحدّثني خارج المدرج، فتعجبت للأمر لأنني كنت على وشك الانطلاق في تدخلي، كما تبيّن ذلك الصّور الملتقطة. لأجد خارج القاعة نائب رئيس الجامعة المكلّف بالعلاقات الخارجية، والذي أخبرني وهو يتأسّف بصدق أنّ رئيس الجامعة قد قرّر منعي من إلقاء محاضرتي".
يواصل جابي: "وبسؤاله عن السّبب قال، بحضور مسؤولي الجمعية وبعض أساتذة الجامعة إنّ الأمر تمّ بتدخل من أجهزة أمنية، من دون أن يحدّدها".
تمّ تفسير الموقف من طرف البعض بكون جابي كان ضمن النّخبة الجامعيّة، التّي عارضت العهدة الرّابعة للرّئيس بوتفليقة، وبكونه أقدم عام 2017 على الاستقالة من التّعليم العالي مبرّرًا ذلك بأنّ الجامعة الجزائرية في خطر، غير أنّه هو نفسه قال في الرّسالة المذكورة: "معلوماتي تقول ألا دخل للوزارة ولا للأجهزة الأمنية، التي أقحمت في هذا المنع. وإنّ الأمر يتعلّق بقرار أحمق اتخذه رئيس الجامعة، الذي يفترض أن يُسأل عنه من قبل الأسرة الجامعية ومسؤولي القطاع".
اقرأ/ي أيضًا: نظام LMD في الجامعات الجزائرية.. 10 سنوات من الجدل
في السّياق عينه، كتب الإعلامي عثمان لحياني: "البلد الذي يتلقّى فيه مدير الجامعة أوامر من مخبر في الاستعلامات لمنع عرض كتاب ومحاضرة باحث، اقرأ عليه ما تيسّر من كتاب الجهل المقدّس". وكتبت الإعلاميّة حدّة حزّام في عمودها اليوميّ "أساطير": "عار على الجامعة أن تمنع أستاذًا من مجرّد الحديث. فهو لم يأت حاملًا السّلاح ، ولم يدعُ إلى الثّورة وزرع التّفرقة والأحقاد، مثلما يفعل بعض الإعلاميين وأشباه وشبيهات السّياسيين". ثمّ تسأل: "أم أنّ الهوّية الأمازيغيّة هي مجرّد فلكلور ورقصات ولباس مزركش وكسكسي، والباقي ممنوع الحديث عنه؟".
أمام الكثافة التي انتشر بها خبر المنع في المنابر الإعلاميّة ومواقع التّواصل الاجتماعيّ، صرّح رئيس جامعة باتنة ضيف عبد السّلام لجريدة "الشّروق اليوميّ"، أنّ المنع لم يكن ثمرة لتدخل أمنيّ، "بل هو ثمرة للحفاظ على الطّابع التّنظيميّ، ذلك أنّ ناصر جابي لم يكن مدرجًا في البرنامج أصلًا".
يبدو أنّ المشهد الجامعيّ في الجزائر، لم يستطع أن ينأى بنفسه عن فخاخ المشهد السّياسي، الذي يكتنفه الغموض أسابيع قليلة قبل انتهاء العهدة الرّابعة للرّئيس بوتفليقة، الذي بدأ محيطه يعدّ لعهدة خامسة له، في ظلّ رفض قطاع واسع من النّخب، منها النّخبة الجامعيّة.
اقرأ/ي أيضًا: