22-مايو-2022

(صورة أرشيفية/ رياض كرامدي/أ.ف.ب)

قبل أيام وجّه وزير الاتصال الحالي محمد بوسليماني دعوته لمكوّنات القطاع الإعلامي في البلاد إلى ضرورة تسليط الضوء على إنجازات الدّولة محليًا ودوليًا، في سياق تحدث فيه عن " التهديدات والهجوم الإعلامي الخارجي، أو كما وصفه بـ"المؤامرات الخارجية"، لافتًا إلى أهمية التناول الإعلامي لـ "القرارات التاريخية التي اتخذها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لتحسين القدرة الشرائية وسياساته الرشيدة في إنجاح تسيير أزمة كورونا".

ما تعلنه الوزارة والحكومة حول الإعلام يظلّ بعيدًا كلّ البعد عن مطالب الصحافيين، لتركيزها على مسائل لازالت غير ممكنة حاليًا

هذه التّصريحات تقترب كثيرًا من رؤية الوزارة الوصية على الإعلام ورؤية مختلف القطاعات الحكومية التي تنظر بعين الريبة للصحافي، وتعتقد أن الصحافة هي إعادة إنتاج خطاب السلطة، أو إخفاء عيوبها والتغاضي عنها، وملتزمة بشكل دوري بإصدار بيانات تتحدث عن واجبات الصحفي وتتوعده بالعقوبات، بينما في المقابل من ذلك هي تبتعد عن حقوقه المهنية والاجتماعية والاقتصادية.

ماذا نكتب كإعلاميين؟ سؤال من الأسئلة الصّعبة التي يطرحها الصحفي فور ولوجه قاعة التّحرير بعد عودته من تغطياته الصحافية، وتأتي الاستفهامات تباعًا. هل نعيد صياغة التصريحات أو نلجأ لصياغة بيان من جهة رسمية؟ أم نحضُر ندوة صحفية ونعيد قولبة ما قيل فيها في سطور لا تتعدّى مئات الكلمات، أو نقوم بجمع تصريحات بالصوت والصورة وكتابة تقرير لا يتعدّى عدّة فقرات؟

أسئلة تأخذ الصحفيين في الجزائر إلى قاعدة "لا تجاوز للخطوط الحمراء" أو كما سماها وزير الاتصال السابق الصحفي والأستاذ الجامعي عمار بلحيمر بـ"عدم الاختباء تحت غطاء حرّية التعبير المفرِطة"، فأية حرية تقصدها وزارة الاتصال وماهي حدود التمتع بها؟ أو بعبارة أخرى أيّ صحافة تريدها السّلطة؟ وقبل الإجابة عن ذلك، ماذا يفعل الصحافيون في قاعات التحرير؟ هل يقومون بأرشفة خطاب السلطة أم التعاطي مع الأحداث وصناعة المحتوى وإنتاج أخبار؟

موانع وخُطوط حمراء

التّعريج على حقوق الصحافي المهنية، حسب خبراء الإعلام والسياسية أيضًا يتمثّل في حقّ الحصول على المعلومة أو الولوج إلى مصادر الأخبار، في علاقة بين الأجهزة الإدارية الحكومية والسياسية بالوسائل الإعلامية.

وفي هذا الإطار، ذكرت الباحثة في قضايا الإعلام والسلطة نجاة لخضيري أن "حرية الممارسة الصحافية تتمظهر في الحقّ في الإعلام وحريّة الوصول إلى مصادر المعلومة وحرية معالجة القضايا إعلاميًا في إطار القوانين، مستدركة أن الإعلام لا يقتصر على ما سبق ذكره، بل هناك أدوار يؤديها أهمها كما أفادت لخضيري " الإخبار، بلورة الرأي العام، التّثقيف، والبحث في الحقائق ونشرها".

بالنّظر إلى هذه الحقوق التي تضطلع بشخص الصحفي، فإن ما تعلنه الوزارة والحكومة حول الإعلام يظلّ بعيدًا كلّ البعد عن مطالب الصحافيين، لتركيزها على مسائل لازالت غير ممكنة حاليًا، أو بالأحرى " ثانوية" كما قال الصحافي علي عبدون، موضّحًا أن المسؤول الحكومي يدعو الصحافيين إلى التصدّي للمؤامرات الخارجية ومحاربة التضليل "وهذا ليس دوره الأساسي؛ فيما تبتعد الهيئة الرسمية عن صلب العمل الصحافي المتعلق أساسا بحرية التعبير".

وأضاف في إفادته لـ"الترا جزائر" حول الموضوع، أنه يتطلب تخليص الصحافة الجزائرية عمومًا من القيود، معتبرًا أنه لا صحافة دون حرية.

التعتيم والتضليل

في سياق متصل، من الجائز أن يختص الصحفي في تغطية الأحداث وحور الندوات وتناول قضايا متعدّدة والتعريف بالمنجزات في شتى القطاعات، لكن في المقابل يتحدث البعض عن طرح جوهري، يتعلّق بوظيفة المسؤول وعمله على تنمية القطاع الذي يشرف عليه ولا يحتاج إلى أيّة إشارة من أحد، فـ"العمل الجيد يبيع نفسه"، كما يقال.

لكن في إطار خدمة عمومية تضمن التّعامل مع المعلومة من مصدرها الأساسي ومعالجتها من مختلف الزوايا، يختلف الصحافي عن غيره من الزملاء في مسك أطراف القصة الإخبارية، إذ لا يمكن أن نذكر تصريحات الرئيس أو الوزير أو أي مسؤول في أي مؤسسة حكومية، دونما التعريج على النقائص كأحد مشاغل المواطن واهتماماته.

وعلى سبيل المثال، فإن الإعلان عن تخصيص "كوطة" سكنات للأساتذة الجامعيين أمر إيجابي، وضروري لكن هذا لا يمنع أن يتطرق الصحفي إلى شواغل الأساتذة عمومًا ومشكلاتهم، إذ أن هناك آلاف الدكاترة البطالين ( أغلبهم يدرسون ساعات إضافية تحت مسمى وظيفي أستاذ مؤقت)،وهناك الآلاف من الأساتذة لم ينالوا حقهم في غرفة بحي جامعي، أو لا تمكنهم أجرتهم الزهيدة بالمبيت في فندق إن كان هناك فندق، عندما يزاولون مهنتهم من جامعة إلى جامعة بسبب نظام التدريس الذي يفرض على "الأستاذ المؤقت" جمع نقاط التدريس ليصلح ملفه لاعتلاء فرصة التسجيل بملف في مسابقة توظيف.

هذا المثال وكثير سواه، فوظيفة الصحافي لا تفرض عليه " تغطية الشمس بالغربال" كما يذكر الكاتب رئيس تحرير سابق عبد العزيز بوباكير، مفيدًا بأن الإعلام عمومًا لا يفرض على الصحافي زاوية التناول بل الحدث هو من يجعل من الكتابة الصحافية قصة، على حدّ قوله.

الخطاب والممارسة 

صناعة المعلومة لا يعني بتاتًا التزييف أو خلق قصة خبرية من العدم، خاصة إن كانت صحافة مستقلة عن التمويل الحكومي، في وقت تعرف الصحافة العمومية نوعًا من التخلي عن "الخدمة العمومية"، وتتغاضى عن تغطية العديد من الأحداث والوقائع والاحتجاجات المطلبية، بسبب تعارضها مع بعض المصالح الضيقة، وفي وقت بات الحجر على مصادر المعلومات وتفضيل العزف على نظرة أحادية الاتجاه ومن أعلى (المسؤول) إلى الأسفل (المحكوم) فيسقط الصحفي والجمهور في فخّ الإشاعات، فعندما تختفي المعلومة الصحيحة تنمو الأكاذيب.

باتت حرية التعبير نسبية بين الخطاب الذي تروجه الحكومة وبين الواقع والممارسة

باتت حرية التعبير نسبية بين الخطاب الذي تروّجه الحكومة وبين الواقع والممارسة، إذ يشتكي كثير من المراسلين من صعوبة الوصول إلى المعلومة والتضييقات الممارسة عليه، رغم أنه من مصلحة المسؤول المحلّي أن يؤدي وظيفته الإدارية بناء على احتياجات المواطن الذي انتخبه، فضلًا على ذلك فإن وظيفة المسؤول المحلّي هي خدمة المواطن وليس محاسبة من نَقَل شَكواه في العَلن.