إرث حيّ القصبة .. هل تُنقِذ مشاريع الترميم التاريخ من الاندثار؟
14 فبراير 2025
يُعبّر الأربعيني أحمد عن قلقه الشّديد تجاه عمليات الترميم الجارية في حي القصبة العتيق بأعالي الجزائر العاصمة، مشيراً إلى أنّ هذه الورشات المفتوحة لم تنجح – حسب رأيه -في إنقاذ عدد من العمارات القديمة.
تتطلب أعمال الترميم وقتًا أطول لتجنب تدمير أي آثار غير مرئية قد تكون موجودة في محيط البناية أو تحت الأرض
على الرّغم من الجُهود المبذولة، شهدت القصبة المُصنّفة ضمن التراث العالمي من قبل اليُونيسكو، في السنوات الأخيرة انتعاشاً في القطاع السياحي، حيث أصبحت مقصدًا للزوار من مختلف الولايات والسياح أيضاً، ممّا أعاد لها الروح، لكن مازال الأمل لدى السكان مُعلّقا أمام لحظة الإفراج عن قوائم الترحيل إلى سكنات أكثر أماناً.
القصبة.. الذاكرة الحيّة
تُشكّل سقوط البنايات الهاجِس الأكبر لدى سكان القصبة، لأنّ عمليات الترميم تسير بخُطى بطيئة لأسباب مختلفة، خاصة وأنّ حي القصبة العتيق يتطلب عملاً دقيقًا ودراسات مُعمّقة، حفاظًا على أصالتها القديمة ومنعًا للمساس بآثارها التاريخية.
بالقُرب من محلّ صغير لأحمد (45 سنة)، تُواصل مجموعة من العمال فحص بناية من أربعة طوابق انهارت بالكامل في 25 كانون الثاني/ يناير الماضي. ولحُسن الحظ، لم تُسجل أي خسائر بشرية، إذ كانت البناية مهجورة ومُصنّفة في الخانة الحمراء من قبل مصالح المراقبة التقنية لولاية الجزائر.
وأثار انهيار البناية خوفًا كبيرًا لدى سكان الحي، خاصة أنّ السلطات تأخّرت في ترميم البناية أو هدمها حتّى وقوع الحادث، كما صرح أحمد لـ"الترا جزائر".
وأضاف أنّ الحادث دفع السلطات المحلية إلى مُعاينة المباني المُجاورة في هذا الشارع بحي "القصبة السُّفلى" لتقييم مدى خطورتها وتهديدها للسكان.
وواصل أنّ هذا المكان شهِد انهيار بناية في أيلول/ سبتمبر الماضي، ووفاة شخص مع إصابة أربعة آخرين.
ذكّرت هذه الفاجعة أهل القصبة بما وقع في عام 2019، عندما توفي خمسة أشخاص من عائلة واحدة، بينهم رضيع وطفل في الثامنة من عمره، إثر انهيار بنايتهم قبالة مسجد كتشاوة التاريخي.
عند الاقتراب من شيخ ستيني يمتلِك محلاً لبيع الأواني النحاسية، وبمجرد سؤاله عن وضعية هذا الحي العتيق؛ اكتفى بالقول: "لا أريد أن أتحدّث، هل بقي ما يمكن الحديث عنه بشأن القصبة؟".
وكان واضحًا عليه الانزعاج من تَحوُّل محلّه إلى ممرّ لعمال الفِرق التقنية المُكلّفة بمُعاينة آثار البناية المُنهارة مُؤخّرًا، بالإضافة إلى تفقُّد المباني الأخرى لتقييم أضرارها أو ترميمها.
انزعاج بعض السكان حسب حديث أحمد في حديثه لـ"الترا جزائر" راجع إلى استثناء بعضهم من عمليات الترحيل التي تلت عملية تصنيف البنايات في الخانة الحمراء وهدم بعضها، وهو ما ينطبق عليه شخصيًا. فقد انهارت البناية التي كان يسكنها مع عائلته منذ سنوات، ولكن عائلته المكونة من سبعة أشخاص استفادت من شقة من ثلاث غرف، لا تكفي خاصة وأنّ أحد أفرادها متزوج حديثا.
هذه الوضع اضطره إلى البقاء بالقصبة وعدم الانتقال مع عائلته إلى البيت الجديد، بعد أن أصبح محله الصغير هو مصدر قوته في النهار ومسكنه في الليل.

جهود للحفاظ على الحي العتيق
عجّل حادث الانهيار الأخير بالقصبة بتنفيذ خطة إعادة تأهيل القصبة وأزقتها وبناياتها، إذ عقد وزير الثقافة زهير بللو في 28 كانون الثاني/ يناير الماضي اجتماعًا مع والي العاصمة الجزائر لمناقشة "المخطط الأبيض" المتعلق بتطوير المدينة، والذي يشمل التهيئة الحضرية وإعادة تأهيل الأحياء والبنايات وإيجاد حلول للمباني المُتضرّرة أو المهجورة بالقصبة العتيقة.
يُعدّ الاهتمام بقصبة الجزائر من أولويات برنامج الرئيس عبد المجيد تبون، وفقًا لوزير الثقافة، خاصة أنّ الجزائر ملتزمة مع اليونسكو في تعزيز التراث الثقافي، بما في ذلك ترميم القصبة. وأشار إلى أن لجنة التراث التابعة لليونسكو ستقوم بدراسة ملف القصبة العتيقة خلال دورتها المقبلة.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تبدأ فيها الحكومة عملية ترميم المعلم التاريخي، إذ تعود أكبر عملية إلى عهد وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، التي واجهت انتقادات بسبب فشلها شبه الكامل بخصوص هذه العملية، وذلك نظرًا لاستمرار الانهيارات في القصبة رغم الأموال التي تمّ تخصيصها لهذا المشروع.
وفي عام 2008، أطلقت الحكومة برنامجًا جديدًا لترميم القصبة بهدف تصحيح الأخطاء السابقة، وشمل البرنامج تدخلات سريعة لتحديد المنازل ذات الأولوية للتعامل معها، كما استدعى الترميم أحيانًا إخلاء الأماكن لضمان أفضل النتائج. لكن هذا البرنامج لم يُحقق أهدافه، حيث أشارت صحيفة "المساء" الحكومية في تحقيق نشر في شباط/ فبراير 2017 إلى أنّه رغم رصد 24 مليار دينار لهذا المشروع، إلا أنّ الوضع لم يتغير كثيراً بعد 10 سنوات من بدء أعمال الترميم.

معركة الترميم
يُعبّر سكان القصبة، في حديثهم لـ"الترا جزائر"، عن قلقهم بشأن ما وصفوه بـ"انتقائية عمليات الترميم التي نفّذتها السلطات المحلية، فقد شملت البرامج غالبًا البنايات التي كانت في حالة جيدة ولا تحتاج إلى جهود كبيرة، بينما تمّ تهميش المباني التي كانت تعاني من أضرار جسيمة."
التحدي الأكبر في ترميم حي القصبة يكمن في غياب الخرائط الخاصة بهذا المعلم التاريخي
من جانبه، لا يتردّد الستيني الحاج علي في تحميل جزء من المسؤولية لبعض السكان، وبالخصوص الجيل الجديد والوافدين الجدد إلى القصبة، في تدهور بعض البنايات.
وفي حديثه لـ"الترا جزائر"، أرجع ذلك إلى فوضى الأشغال التي يقومون بها، خاصة فيما يتعلّق بإعادة توصيل شبكة الماء وتغييرات تمسّ شبكة الصرف الصحي، مما يُؤدي – حسبه- إلى حُدوث بعض الانهيارات وزيادة هشاشة الجُدران.
منذُ عام 2016، أصبحت عملية ترميم القصبة من مسؤولية ولاية الجزائر، بينما يقتصر دور وزارة الثقافة وباقي القطاعات المعنية على تقديم الدعم والمتابعة التقنية لضمان الحفاظ على الجوانب التراثية والثقافية لهذا المعلم الوطني.

غياب بعض خرائط بنايات القصبة
في القصبة السّفلى، وتحديدًا بساحة الشهداء، تقوم حاليًا شركة جزائرية خاصة بعملية ترميم لأحد قصور الداي حسين، آخر دايات الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي.
وتعمل هذه الشركة على إتمام عملية التّرميم في غُضون 12 شهرًا، وفقًا لما ينصّ عليه دفتر الشروط، كما أوضح محمد (اسم مستعار)، مهندس الأشغال العمومية المتخصّص في التراث التابع لهذه الشركة، لـ"الترا جزائر".
أوضح محمد أنّ المؤسسات الجزائرية أصبحت اليوم تتمتع بخبرة كبيرة في ترميم البنايات العتيقة، حيث نفّذت الشركة التي يعمل بها عدة مشاريع في بجاية وقسنطينة، قبل أن تفوز بصفقة ترميم قصر الداي حسين بالقصبة.
وأشار إلى أن التحدي الأكبر في ترميم حي القصبة يكمن في غياب الخرائط الخاصة بهذا المعلم التاريخي، حيث أن الاحتلال الفرنسي قام بتعديل العديد من البنايات وسعى إلى إخفاء بعضها.
واستدل محمد على ذلك بحادثة وقعت أثناء أعمال حفر مترو الجزائر، حيث تمّ العثور على آثار لبناية قديمة في محطة ساحة الشهداء. لذلك، تتطلب أعمال الترميم وقتًا أطول لتجنب تدمير أي آثار غير مرئية قد تكون موجودة في محيط البناية أو تحت الأرض.
وأضاف المتخصص في الأشغال العمومية المتعلقة بالتراث أن العامل الأساسي في نجاح عملية ترميم بنايات القصبة هو قوة الأساس. فكلّما كان الأساس عميقًا ومتيناً، زادت فرصة نجاح الترميم واستدامة البناية لوقت أطول.
وأوضح أنّ معظم بنايات القصبة مبنية من الطين والأعمدة الخشبية التي قد تكون موجودة في السقف أو أرضية الطوابق أو حتى في الجدران. وبالتالي، كلما كانت هذه الأعمدة الخشبية قوية ومحتفظة بصلابتها رغم مرور عدة قرون على تشييدها، كان ذلك عاملاً مساعدًا في نجاح الترميم الذي يتم باستخدام الطين الأحمر.

إعادة التأهيل .. عملية معقدة
ورغم صعوبة ترميم قصر الداي حسين، تبقى هذه المهمة أسهل بالنّسبة للفرق التقنية والحكومة مقارنة بالبنايات المملوكة لأشخاص عاديين، حيث يمكن تسهيل الوثائق والأشغال المتعلقة بهذه المباني على عكس المنازل الخاصة، خاصة أن بعض الملفات معقدة بسبب تعدد الورثة الذين يملكونها.
محاولة ترميم القصبة تتطلب توحيد الجهود مع وزارتي التعليم العالي والتعليم والتكوين المهني لتحقيق النجاح. ويشمُل التعاون مجالات مثل تقنيات الترميم المتقدّمة وفحص الخشب والتخلص من الطفيليات لضمان الحفاظ على التراث الثقافي
الكلمات المفتاحية

المخرج عباس فيصل: تمثيل الجزائر في مهرجان "العودة" الفلسطيني شرف لا يقدّر بثمن
عباس فيصل ممثل مسرحي ومخرج سينمائي صاعد متخصص في صناعة الأفلام الوثائقية، حاصل على شهادتي تقني سامي في المحاسبة والتسيير، وليسانس في علم المكتبات والمعلومات، يترأس نادي الفن السابع بالجزائر العاصمة، شارك في عدد من المهرجانات الدولية وسيكون له حضور في مهرجان فلسطيني قريبا، سيتحدث عنه وعن تيمته وعن فيلمه الذي سيعرض ضمن هذه الفعالية، كما سيتطرق عبر حواره مع "الترا جزائر" إلى السينما…

مشاهد العنف والمخدرات في الدراما.. جدلٌ يعود كل رمضان في الجزائر
يتكرر مع كل رمضان جدلٌ بشأن المحتوى الذي يجب أن تقدّمه الدراما عند تناولها لحياة مختلف الفئات الاجتماعية إمّا بنقل تفاصيلها كما هي في الواقع حتى بآفاتها وطِباعِها السيئة أو إظهار الجوانب الإيجابية لها أكثر لتكون قدوة للمتلقي خلف الشاشة.

من بينها "كَارَاكَالا ".. 3 مواقع أثرية مرشّحة للانضمام لقائمة التراث العالمي
شرعت وزارة الثقافة والفنون في إدراج مجموعة من المواقع الأثرية المهمة في البلاد ضمن القائمة الإرشادية للتراث العالمي، في خطوة تهدف إلى الحفاظ عل التراث الثقافي الجزائري.

الممثل مجرام مراد: لا يجب أن تقتصر الكوميديا على رمضان فقط
مجرام مراد ممثل جزائري بدأ ممارسة الفن من خشبة المسرح، وشق طريقه بثبات نحو الشاشة، فأبدع في تقديم أدوار كوميدية ودرامية، وعرفه الجزائريون في أعمال تلفزيونية مثل "عاشور العاشر" و"دار البهجة" و"بوبالطو".. وأعمال أخرى، وفي رمضان 2025 يواصل رحلة الكوميديا، حيث يطّل على الجمهور من خلال سلسلة "المرحي".

المخرج عباس فيصل: تمثيل الجزائر في مهرجان "العودة" الفلسطيني شرف لا يقدّر بثمن
عباس فيصل ممثل مسرحي ومخرج سينمائي صاعد متخصص في صناعة الأفلام الوثائقية، حاصل على شهادتي تقني سامي في المحاسبة والتسيير، وليسانس في علم المكتبات والمعلومات، يترأس نادي الفن السابع بالجزائر العاصمة، شارك في عدد من المهرجانات الدولية وسيكون له حضور في مهرجان فلسطيني قريبا، سيتحدث عنه وعن تيمته وعن فيلمه الذي سيعرض ضمن هذه الفعالية، كما سيتطرق عبر حواره مع "الترا جزائر" إلى السينما…

حساني: لن نتخلى كجزائريين على دعم ومساندة فلسطين
أكد رئيس حركة مجتمع السلم "حمس"، عبد العالي حساني شريف، اليوم الجمعة، أن الجزائريين لن يتوقفوا ولن يتخلوا عن دعم ومساندة القضية الفلسطينية، بكل الوسائل المتاحة والممكنة.

الجزائر تدعو إلى العودة لقرار وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ جميع مراحله
دعت الجزائر، اليوم الجمعة، إلى العودة لوقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ جميع مراحل الاتفاق الذي خرقه الكيان الصهيوني.

بيتكوفيتش: حققنا فوزًا مهمًا في ظروف قاسية وصعبة
قال مدرّب منتخب الجزائر لكرة القدم، اليوم الجمعة، إنّ المقابلة التي واجه فيها أشباله منتخب بوتسوانا، بملعب بملعب "أوبيد إيتاني تشيلومي" بمدينة فرنسيس تاون، جرت في ظروف "صعبة وقاسية".