إصلاحات في الخدمات الجامعية.. تطويق للتجاوزات وتحسين في مستوى التعليم
23 أبريل 2025
أدرجت الحكومة الجزائرية إصلاح الخدمات الجامعية في خانة الملفات ذات الأولوية في قطاع التعليم العالي، بالنظر إلى أن التحقيقات القضائية التي جرت في السنوات الأخيرة كشفت وجود فساد في عدة فروع من هذه الخدمات، وهو ما يستلزم القيام بإجراءات تغير الصورة التي رسمت عنها، وذلك بالحد من التبذير وإرساء مزيدا من الشفافية والمراقبة في مختلف الخدمات المقدمة للطلبة، فما هي التدابير الواجب اتخاذها لتحقيق هذا الهدف؟.
تشكل الخدمات الجامعية عاملا أساسيا في تحسين مستوى التعليم الجامعي، بالنظر إلى العدد الكبير للطلبة المستفيدين منها، وهو ما يستدعي اليوم القيام بإصلاحات جريئة لتطويرها مع الإبقاء على الطابع الاجتماعي لهذه الخدمات
وتشكل الخدمات الجامعية عاملا أساسيا في تحسين مستوى التعليم الجامعي، بالنظر إلى العدد الكبير للطلبة المستفيدين منها، وهو ما يستدعي اليوم القيام بإصلاحات جريئة لتطويرها مع الإبقاء على الطابع الاجتماعي لهذه الخدمات الذي تتصف به والذي تقع تكلفته على الخزينة العمومية.
إصلاحات جديدة
استمعت الحكومة الجزائرية في اجتماعها المنعقد الأربعاء 16 أفريل المصادف ليوم العلم برئاسة الوزير الأول نذير العرباوي إلى عرض حول إصلاح وترقية الخدمات الجامعية، تضمن عدة محاور ضمن مسعى شامل يهدف إلى ضمان نوعية أفضل للخدمات المقدمة للطلبة وعصرنة وتطوير حوكمتها.
ويأتي هذا الاجتماع عقب التوجيهات التي أمر بها الرئيس عبد المجيد تبون في شهر كانون الأول جانفي الماضي خلال اجتماع لمجلس الوزراء الذي تناول عرضا حول المنحة الجامعية، ومخطط الإصلاح الشامل للخدمات الجامعية أيضا، ومراجعة نظامي المنح وإقامة الطلبة الجامعيين.
وشدد الرئيس تبون خلال لقاء مع الطلبة في احتفالات عيد الطلبة الماضي المصادف لـ19 ماي على ضرورة إعادة النظر في الخدمات الجامعية والتسيير، مؤكدا أن هذه المراجعة لن تكون عبر قرارات إدارية من القمة بل نتاج مشاورات ومناقشات بين المعنيين من طلبة ووزارة وغيرهم.
وكان الديوان الوطني للخدمات الجامعية قد أطلق جلسات وطنية لإصلاح الخدمات الجامعية التي بنيت على 4 محاور أساسية هي رقمنة الخدمات، وإثراء الهيكل التنظيمي للخدمات الجامعية، ومراجعة تكاليف الوجبات الغذائية وتبسيط ملف المنحة.
وتضمنت المقترحات التي توجت أشغال هذه الجلسات مراجعة التسعيرة الحالية للوجبات، وتوحيد رزنامة الوجبات وطنيا، والذي تم بناء على آراء أطباء ومختصين لتقديم وجبة متزنة للطالب على مدار الأسبوع، ورقمنة نظام تذاكر الإطعام عن طريق إرفاقها بتذاكر إلكترونية، واعتماد المنصة الرقمية للإطعام لمتابعة التسيير، وكذا استعمال البصمة والتعرف على ملامح الوجه في مداخل المطاعم، واستحداث بطاقة رقمية موحدة للطالب تضم مختلف الخدمات، وكذا إدراج خدمة الدفع الإلكتروني المسبق لحقوق النقل والإيواء.
كان الديوان الوطني للخدمات الجامعية قد أطلق جلسات وطنية لإصلاح الخدمات الجامعية التي بنيت على 4 محاور أساسية هي رقمنة الخدمات، وإثراء الهيكل التنظيمي للخدمات الجامعية، ومراجعة تكاليف الوجبات الغذائية وتبسيط ملف المنحة
وبخصوص الإيواء، خرجت الجلسات بتوصيات تدعو إلى وضع نظام رقمي على مستوى مداخل الإقامات الجامعية يعتمد الكشف عن الهوية للسماح بولوج الأشخاص إلى الإقامات باستعمال البصمة وملامح الوجه، وكذا اعتماد تطبيق التبليغ عن الأعطاب وطرح انشغالات الطلبة فيما يخص الصيانة.
وقال القيادي في الاتحاد العام الطلابي الحر عقبة بونقطة لـ"الترا جزائر" إن التنظيم المنتمي إليه "لطالما نادى بضرورة إصلاح منظومة الخدمات الجامعية، وتحسينها وتجويدها، نظراً لما تشكله من أهمية بالغة في توفير البيئة المناسبة للتحصيل الدراسي، والرقي بالتعليم العالي والبحث العلمي. فالطالب الذي تتوفر له ظروف خدمية جيدة يكون أكثر قدرة على التركيز، وأكثر عطاءً أكاديمياً".
أولوية
وبالنسبة لبونقطة، فإن "إصلاح منظومة الخدمات الجامعية لا يُعد ترفاً، بل هو أولوية وطنية لضمان تكوين جامعي راقٍ، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للتنمية البشرية والعلمية في بلادنا".
وأشار إلى الاتحاد العام الطلابي الحر يطالب بإصلاحات تخص جميع الجوانب المتعلقة بالخدمات الجامعية، حيث "يُعد ملف الإيواء من أبرز الجوانب التي تستحق إصلاحاً جاداً وجذرياً، إذ لا بد أن يحظى الطالب بغرفة جامعية مهيأة تهيئة عصرية، إلى جانب خدمة إطعام متكاملة تحترم المعايير الصحية والذوقية".
وأشار رئيس المكتب الولائي للاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين بجيجل أسامة بومطرق في حديثه مع "الترا جزائر" إلى أن وجود تحسن على مستوى الإيواء، وبالخصوص في تقليص الاكتظاظ، حيث ساهم بناء جامعات وإقامات بعدة ولايات في تقليل الضغط الذي كان سابقا حتى وصل الأمر في ولاية جيجل مثلا إلى إمكانية استفادة كل طالب من غرفة واحدة في إقامات الذكور، بينما في إقامات البنات يرتفع العدد لكن يبقى وفق المعدل المقبول.
ولفت بومطرق إلى أن الجانب الذي ما يزال يحتاج إلى معالجة في ملف الإيواء هو تجديد التجهيزات كالأغطية والأفرشة بالنظر إلى أن بعضها أصبح في حالة متردية، وهو ما يتطلب التخلي عن مركزية التسيير في الخدمات الجامعية، وجعل العملية تنفذ على مستوى ولائي لتسريعها، وتحديد الصفقات الخاصة بها.
رئيس المكتب الولائي للاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين بجيجل أسامة بومطرق: الجانب الذي ما يزال يحتاج إلى معالجة في ملف الإيواء هو تجديد التجهيزات كالأغطية والأفرشة بالنظر إلى أن بعضها أصبح في حالة متردية
غير أن الوضع الحسن المسجل في ولاية جيجل وعدة ولايات أخرى، قد يختلف في الولايات الكبرى التي تضم تخصصات وطنية وتستقبل طلبة من جميع أنحاء البلاد، لذلك نبه القيادي في الاتحاد العام الطلابي الحر عقبة بونقطة إلى "تسجيل ظاهرة الاكتظاظ في العديد من الإقامات الجامعية، حيث تُعبّأ الغرف بأكثر من طاقتها الاستيعابية، وهو ما يؤثر سلباً على راحة الطلبة وحياتهم اليومية."
وأضاف " وفي ظل الارتفاع المستمر في عدد الطلبة سنوياً، تبرز ضرورة ملحة لتسجيل مشاريع جديدة لإنجاز إقامات جامعية، خاصة في الولايات الكبرى، من أجل امتصاص هذا الاكتظاظ وضمان توزيع عادل ومريح للطلبة".
وحسب بونقطة، فإن " الرعاية الصحية تبرز كملف حساس ومهم، لا يزال يعاني من نقائص واضحة، سواء على مستوى الموارد البشرية (من أطباء وممرضين)، أو الموارد المادية (عيادات مجهزة، أدوية، لوازم طبية، سيارات إسعاف...). وقد أدت هذه النقائص إلى تسجيل حالات صحية حرجة لم تحظ بالعناية اللازمة داخل بعض الإقامات الجامعية، ما يستوجب إعداد دراسة معمقة وشاملة لمعالجة هذا الملف الحيوي، بما يضمن صحة وسلامة الطالب".
ويرى بونقطة أن الوصول إلى الجودة في الحياة الجامعية يتطلب تفعيل المرافق داخل الأحياء الجامعية، والاهتمام بالأنشطة الثقافية والرياضية، فعلى الرغم من الميزانيات الضخمة التي تُخصّص لهذا الجانب سنوياً، إلا أن غياب آليات فعّالة للرقابة والمتابعة جعل العديد من هذه المرافق في حالة جمود، وأفرغ الأحياء الجامعية من روحها الطلابية، فتحولت بعض الإقامات إلى مجرد "مراقد" تفتقر للحيوية والمبادرة.
القيادي في الاتحاد العام الطلابي الحر عقبة بونقطة: الوصول إلى الجودة في الحياة الجامعية يتطلب تفعيل المرافق داخل الأحياء الجامعية، والاهتمام بالأنشطة الثقافية والرياضية
وبيّن بونقطة أن " تنشيط هذه الفضاءات وإحياء الحياة الثقافية والرياضية داخل الأحياء الجامعية يُعد ضرورة لإبراز طاقات الطلبة، وصقل مهاراتهم، وتحصينهم من الظواهر السلبية ومن الآفات الاجتماعية، كما يعزز من انتمائهم للمؤسسة الجامعية ويمنحهم متنفساً نفسياً واجتماعياً ينعكس إيجاباً على تحصيلهم العلمي".
مكافحة
لا ترتبط الإصلاحات التي تنوي الحكومة إجراءها على قطاع الخدمات الجامعية بتحسين التكفل بالطلبة لرفع مستوى التعليم الجامعي، إنما يتعلق الأمر أيضا بتطويق التجاوزات والفساد الذي مس هذا الجانب من قطاع التعليم العالي.
وذكرت صحيفة "الشروق اليومي" قبل أيام أن القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أحمد، سيفتح خلال الأيام القليلة المقبلة، ملف فساد ثقيل يتعلق بفضائح الخدمات الجامعية والصفقات المشبوهة والمتابع فيها أزيد من 20 شخصا، بينهم مديرون وموظفون بمديريات الخدمات الجامعية الولائية ومستوردون ومتعاملون خواص، تسببوا في تبديد الملايير من الدينارات.
ويتعلق هذا الملف الذي حققت فيه مديرية التحريات التابعة للديوان الـمركزي لقمع الفساد، شهر ماي 2024، بتسجيل تجاوزات وخروقات في الـمديريات الولائية للخدمات الجامعية بكل من الجلفة، وهران، ومستغانم، من خلال التلاعب في دفاتر الشروط ومخالفة مبادئ الـمنافسة النزيهة لقانون الصفقات العمومية، بغرض منح امتيازات غير مبررة للغير.
القيادي في الاتحاد العام الطلابي الحر عقبة بونقطة: غياب آليات فعّالة للرقابة والمتابعة جعل العديد من هذه المرافق في حالة جمود، وأفرغ الأحياء الجامعية من روحها الطلابية، فتحولت بعض الإقامات إلى مجرد "مراقد" تفتقر للحيوية والمبادرة.
وقال القيادي في الاتحاد العام الطلابي الحر أنه "ورغم الجهود والمصاريف الكبيرة التي تبذلها الدولة في هذا المجال، إلا أننا لا نزال نسجل أحياناً مظاهر سوء التسيير لدى بعض المسؤولين، بل ونتلمّس في حالات أخرى مظاهر فساد أو تواطؤ فيه، ما يدفعنا إلى دق ناقوس الخطر والدعوة إلى إعادة النظر في تأهيل هؤلاء المسؤولين وتعزيز آليات مراقبتهم ومحاسبتهم".
لكن بونقطة يقر في الوقت ذاته أن " السنوات الأخيرة شهدت انطلاقة نحو رقمنة الخدمات الجامعية، من خلال استحداث تقنيات معاصرة لتعزيز الرقابة المركزية على مختلف الخدمات، خاصة الإيواء، الإطعام، النقل، والمنح. وقد ساهمت هذه الخطوة في تقليص فجوات التسيير وسد منافذ الفساد، وهي مبادرة نثمّنها عالياً، وندعو إلى مواصلة تطويرها في إطار برنامج الرقمنة الذي أقره رئيس الجمهورية."
وبدوره أشار أسامة بومطرق إلى أن إدخال الرقمنة في الخدمات الجامعية هو الكفيل بتطويق كل مظاهر التبذير والفساد، فرقمنة عملية الإطعام وتحديد قائمة الوجبات المقدمة مسبقا بنشرها في منصة الخدمات الجامعية ساهم في تقليص التبذير، من خلال إمكانية مراقبة مخرجات ومدخلات أي إقامة جامعية أو مطعم جامعي، وهو ما منع استفادة غرباء من الوجبات المقدمة للطلبة أو الإقامة بطرق غير قانونية داخل الأحياء الجامعية.
وساهمت عملية الرقمنة التي مست الخدمات الجامعية في اقتصاد 14 مليار دينار، وذلك بفضل الحافظة الإلكترونية التي ساهمت في الاقتصاد في تكلفة المطاعم الجامعية.
الكلمات المفتاحية

الخطوة الأولى لبشرة صحية في الربيع.. واقي الشّمس ضرورة
بالرّغم من المخاطر الصحية المترتبة على التعرُّض المُفرِط للأشعة فوق البنفسجية، لا يزال الوعي باستخدام واقي الشمس محدُودًا، ممّا يستدعي تعزيز الثقافة الوقائية لتفادي أضرار الشمس المختلفة.

التبليغ وكسر الصّمت عن التحرّش والاغتصاب.. حِماية لا فضيحة
تُرتكب جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب في الخفاء ويُقابلها في كثير من الأحيان صمت ثقيل ومرعب في الآن نفسه؛ يفرِضه الخوف من الفضيحة أو الوصمة " البصمة التي تلتصق بالضحية مدى الحياة".

حماية الأطفال من الاغتصاب.. من الصدمة إلى التعافي.. من المسؤول؟
في الجزائر، حيث عادت جرائم الاغتصاب لتتصدر المشهد، يُواجه الطفل الضحية تحديًا مضاعفًا: كيف يتعافى من صدمة الاعتداء، وكيف يواجه نظرة مجتمع قد يفضّل الصمت على المواجهة؟

تغييرات مصيرية في مسار كيليا نمور تحضيراً لأولمبياد 2028.. وخط الرياضة يسير مع الفن والتأثير
أعلنت البطلة الأولمبية الجزائرية كيليا نمور عن مرحلة جديدة في مسيرتها الرياضية، تتمثل في تغيير ناديها ومدربها استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية المقررة في لوس أنجلوس عام 2028، حيث ستخوض هذا التحدي الكبير تحت الراية الجزائرية.

قضية منع الصحفي رؤوف حرز الله من السفر تتفاعل.. منظمات حقوقية تندد ووزير الاتصال يلجأ للقضاء
أكدت منظمة شعاع الحقوقية أن قرار منع الصحفي الجزائري عبد الرؤوف حرز الله من السفر، دون إشعار رسمي أو إجراءات قضائية معلنة، يعدّ انتهاكاً صارخاً للضمانات القانونية والدستورية التي تكفل حرية التنقل وحقوق المواطنين الأساسية.

دومينيك دوفيلبان يهاجم "الخطاب الحربي" لبرونو روتايو ضد الجزائر.. ويشيد بجورجيا ميلوني
انتقد رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، دومينيك دو فيلبان، بشدة الخطاب العدائي تجاه الجزائر الذي تبناه بعض السياسيين الفرنسيين، وعلى رأسهم وزير الداخلية برونو ريتايو، محذرًا من العواقب الخطيرة لهذا النهج الذي وصفه بـ"الخطاب الحربي" وغير الواقعي.

إصلاح نمط تكوين الدكتوراه.. هل هي خُطوة لتصحيح المسار الأكاديمي؟
تنجه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على إحداث تغيير جوهري في نمط التكوين في طور الدكتوراه، من خلال اعتماد نموذج "مضاف الدكتوراه"، الذي يهدف إلى ربط التكوين بالاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية.