31-أكتوبر-2022
مجسمات

مجسمات تذكارية بمناسبة انعقاد القمة العربية في الجزار (الصورة: Getty)

شكل موضوع إصلاح الجامعة العربية على الدوام أحد الملفات التي تعمل الجزائر على تحقيقها منذ انعقاد آخر قمة عربية احتضنتها في 2005، وكان قبل أشهر أبرز الأهداف التي تسعى إلى الوصول إليها في القمة المنتظرة بأراضيها في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، فهل تحقيق هذا الهدف مازال قائمًا أم أن الظروف الحالية تستدعي تأجيلها إلى قمم أخرى؟.

الخطابات الأخيرة للمسؤولين الجزائريين لم تركز كثيرًا على مشروع إصلاح الجامعة العربية

وانتقدت الجزائر في أكثر من مرة طرق تسيير الجامعة العربية وآليات اتخاذ القرار فيها، غير أن الحديث عن هذه النقطة تراجع في المدة الأخيرة مع اقتراب انعقاد الدورة المقبلة، ولم يعد يتصدر المواضيع المطروحة للنقاش في ظل استمرار الشرخ داخل البيت العربي، فما الذي قلب مراتب المواضيع المعنية بالنقاش في قمة الجزائر المنتظرة غرة الشهر الداخل؟.

مطالبات مستمرة

برزت مطالبة الجزائر بإصلاح عميق للجامعة العربية بداية من 2004 قبل عام من انعقاد قمة الجزائر سنة 2005، وهو الملف الذي كلف به وقتها وزير الخارجية السابق عبد العزيز بلخادم الذي انتقد بقاء الجامعة العربية كملحقة تابعة للخارجية المصرية.

وقال بلخادم في تصريح للإذاعة الجزائرية الحكومية في يناير 2005 إن "الجزائر ترفض أن تكون الجامعة العربية جهازًا تابعًا إلى وزارة الخارجية المصرية، وتتمسك باقتراح تداول رئاسة الأمانة العامة للجامعة العربية التي تحتكرها مصر منذ فترة طويلة".

وأضاف بلخادم  وقتها أن "الكثير من القادة العرب يشاطرون الجزائر هذا الموقف لكن لا يقولون ذلك صراحة".

واقترحت الجزائر اختيار الأمين العام عن طريق الانتخاب، وإصلاح هياكل الجامعة وإعادة النظر في ميثاقها الذي يعود إلى سنة 1945 تاريخ تأسيسها للتخلص مما أسمته "دكتاتورية القرارات الأحادية التي تتخذ في الجامعة".

وكان مقترح بلخادم  يعتبر أن إصلاح الجامعة ينطلق من تغيير كيفية التصويت، وذلك بالتخلي عن طريقة الإجماع وتغييرها إلى طريقة الغالبية.

وقدمت الجزائر وقتها مقترحها لإصلاح الجامعة العربية، كما تقدمت أيضًا مصر والسعودية وليبيا هي الأخرى بمقترحات للإصلاح، لكن لم تأخذ هذه المقترحات حيزا كبيرا من التنفيذ سوى إقامة برلمان عربي أثبتت الأيام فشه مثل فشل أداء الجامعة العربية، وبالخصوص بعد الأحداث التي عرفتها عدة دول عربية مع موجة "الربيع العربي" والتي زادت من  حجم الشرخ  الموجود بين الدول العربية.

ورغم إخفاق الأداء العربي في العقد الأخير، إلا أن الجزائر ظلت متمسكة بضرورة إصلاح الجامعة العربية، فقد قال وزير للشؤون المغاربية والإفريقية عبد القادر مساهل في 2014 "قدمنا مساهمة كبيرة في إطار مشروع إصلاح الجامعة العربية؛ لأننا بلد عايش تحولات كبرى داخل الاتحاد الإفريقي، الذي شهد تغييرات عميقة في عمله وإعادة تأسيس للعمل الإفريقي المشترك والتي أعطت نتائجها".

وفي أيلول/سبتمبر 2020، قال وزير الخارجية السابق صبري بوقدوم في أشغال الدورة الـ154 لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري التي تقدمت فيها الجزائر بطلب احتضان القمة العربية المقبلة، إن ملف إصلاح العمل العربي المشترك يبقى من "أهم الورشات التي نتفق جميعًا على ضرورتها وأولويتها، وهو ملف يفرض نفسه اليوم أكثر من أي وقت مضى، بالنظر إلى العلاقة العضوية بين دور الجامعة العربية و إصلاح هياكلها وأساليب تسييرها بما يمكنها من الاستجابة للتحديات الإقليمية والدولية".

وأضاف بوقدوم وقتها أنه "حان الوقت لإيلاء هذا الملف الأهمية التي يستحق... نريد جامعة تجمع وجامعة تُحترم من الجميع وجامعة نتكئ عليها عند الحاجة".

وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قال الرئيس تبون في لقاء مع الصحافة الجزائرية إن الجامعة العربية "لم تتغير منذ 1948، كل المنظمات تغيرت، بما فيها الأمم المتحدة التي كانت عصبة الأمم و الاتحاد الأفريقي، والتي أصبحت تسير حاليًا بقرارات تنظيم داخلي ناجعة، إلا الجامعة العربية".

لكن الخطابات الأخيرة للمسؤولين الجزائرية لم تركز كثيرًا على مشروع إصلاح الجامعة العربيةرغم قرب انعقادها بأراضيها، وهو ما يشير إلى أنها لن تكون ضمن الاهتمامات الكبرى لقمة الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر الداخل.

أولويات القمة

من جهته، يعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأغواط الجزائرية البروفيسور علي بقشيش أن عدم الاهتمام بإصلاح الجامعة العربية في الوقت الحالي تصرف دبلوماسي مفهوم من الجزائر، بالنظر إلى أن طرح هذا الملف في القمة المقبلة لا يستجيب للواقع العربي الحالي.

وقال علي بقشيش في حديث إلى "الترا جزائر"، إن " عقد القمة العربية في الظروف الحالية يعد بحد ذاته إنجازًا، فالمهمة اليوم هي لم الشمل العربي وتقريب وجهات النظر".

ووصف أستاذ العلوم السياسية دورة الجزائر بـ"قمة إعادة ترميم البيت العربي"، بالنظر إلى الشرخ الموجود داخله بسبب عدة قضايا، معتبرا استطاعة الجزائر إقناع الفصائل الفلسطينية بالتوقيع على اتفاق المصالحة ضمن ما سمي "إعلان الجزائر" نجاحًا للبلد المستضيف للموعد العربي، بالنظر إلى أنه استطاع أن يعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة القضايا العربية رغم محاولات تهميشها عبر تيار التطبيع الذي كان يتحجج أحيانًا بالانقسام الفلسطيني.

واعتبر بقشيش أن إعلان الجزائر للمصالحة الفلسطينية من شأنه أن يجعل دولًا عربية تراجع موقفها المتخاذل تجاه قضية العرب الأولى، وهو ما سيسهم في عمل  عربي حقيقي بالنظر إلى أن القضية الفلسطينية هي أساس العمل العربي المشترك.

تأجيل الحديث عن الجامعة

شكل مشروع إصلاح الجامعة العربية على الدوام اهتمام العمل الجزائري على المستوى العربي، لذلك يرى البروفيسور علي بقشيش أن عدم التركيز عليه في القمة المقبلة ليس تخليًا عنه إنما تأجيلًا له إلى قمم لاحقة.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن الحديث عن إصلاح هياكل الجامعة العربية وتدوير منصب الأمين العام، وطريقة التصويت ليست ملفات تطرح في الوفت الراهن،  في ظل استمرار الانقسام العربي بخصوص عدة قضايا.

وأضاف بقشيش أنه بالنظر إلى ما تحقق حتى اليوم يظهر أن الدبلوماسية الجزائرية عملت ليلًا ونهارًا، لتوفير أسباب نجاح القمة المقبلة، وتفادي أي قضايا قد تشكل خلافًا، والتي قد يكون منها مشروع إصلاح الجامعة العربية.

ولا يستبعد علي بقشيش أن تكون قمة الجزائر "قمة المصالحات العربية" الواجب تحقيقها لاستمرار العمل العربي المشترك، ووقف تنفيذ الأجندات الخارجية التي دبرت للوطن العربي، لذلك تفادت الجزائر الحديث عن إصلاح الجامعة العربية رغم إيمانها بأهمية هذا الإصلاح لتطوير العمل العربي المشترك، لأنه لا يمكن تحقيق أي تقدم في حال بقي البيت العربي يسير بالطريقة نفسها في وقت طورت كل التكتلات العربية آليتها كالاتحادين الأوروبي والأفريقي.

وسواءً تم طرح ملف إصلاح الجامعة العربية في قمة الجزائر ، سواءً من البلد المضيف أو من طرف بلد آخر أو تم تأجيله إلى قمم لاحقة، فإنه يظل جسر النجاة الذي لا مفر من المرور عليه إذا كان العرب يريدون بحق لتكتلهم الوحيد الاستمرار وتحقيق الأهداف التي رسمها الأسلاف.