إصلاح نمط تكوين الدكتوراه.. هل هي خُطوة لتصحيح المسار الأكاديمي؟

تنجه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على إحداث تغيير جوهري في نمط التكوين في طور الدكتوراه، من خلال اعتماد نموذج "مضاف الدكتوراه"، الذي يهدف إلى ربط التكوين بالاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية.

هل يُشير هذا التوجّه الجديد إلى اعتراف ضِمني بأنّ النموذج الأكاديمي المعتمد سابقًا لم يكن يُوفّر للطلبة المهارات العملية اللازمة؟

وأعلن المدير العام للتعليم والتكوين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، البروفيسور علي شكري، عن توجه الوزارة لإعادة النظر في نمط التكوين في الطور الثالث (الدكتوراه). حيث تمّ هذا العام اعتماد "مضاف الدكتوراه"، وهو نموذج يدمج بين مؤسسات التعليم العالي، المراكز الجامعية، المدارس العليا، ومراكز البحث، بهدف كسر العزلة الأكاديمية وربط مؤسسات التكوين بالاحتياجات الفعلية لسوق العمل.

وفي تصريحات له اليوم الإثنين، بمناسبة اليوم الوطني للطالب المصادف ليوم 19 أيار/ ماي من كل سنة،قال شكري للإذاعة الرسمية، إنّ الهدف من هذه المبادرة هو تجسيد التوجه الجديد الذي يهدف إلى إشراك الفاعلين في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي، وربط مؤسسة التكوين في الدكتوراه بالاحتياجات المعبر عنها من القطاعين.

هذا التوجه يندرج ضمن استراتيجية شاملة لتحويل الجامعة الجزائرية من مؤسسة تقليدية إلى فاعل أساسي في التنمية، وهو ما تجسده - حسب المسؤول ذاته- أرقام عن الجامعة.

وأشار إلى  أكثر من 300 ألف خريج سنويًا، 124 حاضنة أعمال، 117 مركزًا لتطوير المقاولاتية، و69 منصة رقمية، فضلًا عن 1175 مشروعًا مبتكرًا و1200 مشروعًا مصغرًا ممولًا.

فمن خلال تعزيز البعد المقاولاتي والرقمي وربط التكوين بالطلب الاجتماعي والاقتصادي، ترسم الجامعة الجزائرية ملامح تحول نوعي نحو نموذج دكتوراه فعال، مدمج، وموجه نحو الابتكار والتنمية.

ويطرح هذا التوجه الجديد – حسب الخبراء- اعترافاً  ضمنيا أن النموذج الأكاديمي المعتمد سابقًا لم يوفر للطلبة المهارات العملية.

وأكد على أنّ ذلك يأتي استجابةً للتحديات التي فرضها الواقع، ويهدف إلى تمكين الباحثين من إتمام دراساتهم في بيئة تدمج بين المعرفة الأكاديمية والممارسات العملية، مما يعزز من قيمة البحث العلمي.

كما أنّ إعادة النّظر في نمط التكوين في هذا الطور؛ يبرز كخطوة ضرورية نحو تحسين جودة التعليم العالي، وجعل الجامعات محركات فعلية للابتكار والمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني.

 أوضح إنّه تمّ إنشاء 124 حاضنة أعمال و117  مركزًا لتطوير المقاولاتية و99  مركز دعم تكنولوجي وابتكار، بهدف تمكين الطلبة من خلق الثروة والمساهمة في التنمية الاقتصادية للبلاد. 

وأعلن عن تسارع وتيرة الرقمنة داخل المؤسسات الجامعية، حيث تم إطلاق 69 منصة رقمية وانتقال 24  مؤسسة جامعية إلى منظومة الجيل الرابع، مما يرسّخ مكانة الجامعة الذكية كمحرك فعّال للنمو والابتكار.

وأضاف أنّه مع وجود 124 حاضنة أعمال و 340 مؤسسة فرعية، يتّضح التركيز القوي على دعم ريادة الأعمال وتنمية ثقافة المقاولاتية لدى الطلاب. 

وأمام الكم يصبح الاستثمار في تكوينهم المزدوج، الذي يجمع بين المعرفة الأكاديمية ومهارات ريادة الأعمال، أكد على أنه من الضروري المساهمة الفعالة في بناء الثروة الاقتصادية للبلاد. أما قفزة التحول الرقمي، والتي تجسدت في الانتقال من 5 إلى 69 منصة رقمية ووصول 24 مؤسسة جامعية إلى جيل الجامعات الذكية.

كما لفت إلى احتضان الجامعات الجزائرية لأكثر من 1175 مشروعًا مبتكرًا وتمويل 1200 مشروعًا صغيرًا، وهو ما يبرز –حسب المسؤول-النتائج الملموسة لهذه الاستراتيجية الطموحة في تحويل الجامعة الجزائرية إلى محرك حقيقي للتنمية والابتكار."

وفي السياق، أشار المسؤول إلى أنّ الوزارة وضعت نظامًا بيئيًا رياديًا ومقاولاتيًا داخل مختلف المؤسسات الجامعية التعليمية والبحثية، إذ يشمُل هذا النظام إنشاء الحاضنات، مراكز تطوير المقاولاتية، دور الذكاء الاصطناعي، ومراكز الدعم التكنولوجي والابتكار.

وأضاف قائلاً: "لقد لمسنا توجهًا قويًا لدى الطلبة نحو الابتكار والمقاولاتية، بما يتماشى مع استراتيجية القطاع وأهداف برنامج رئيس الجمهورية التنموية. 

وفي الإطار ذاته توجهت المراكز التعليمية إلى "تعزيز الاستثمار في البحث العلمي من خلال ربط التكوين بالواقعين الاقتصادي والاجتماعي"، يؤدي بدوره إلى الانسجام بين "التخصصات الجامعية مع حاجيات سوق الشّغل."

وأضاف: "نحن بصدد الانتقال بالجامعة إلى الجيل الرابع، حيث انتقلت 24 مؤسسة جامعية ومدرسة عليا إلى العمل بهذا النظام، وهو عبارة عن منصات مرتبطة ومندمجة في النظام الرقمي المستخدم في مؤسسات القطاع والإدارة المركزية، والمعروف بنظام "بروغراس" (Progress)."

وتابع قائلاً: "نهدف في إطار هذا الانتقال من الجامعة الكلاسيكية إلى الجامعة من الجيل الرابع إلى تحضير عروض تكوين مشتركة بين المؤسسات والمدارس العليا الـ 24 التي انتقلت إلى الجيل الرابع ونظيراتها الأجنبية. كما سنعمل على توسيع هذه الشبكة لتشمل تخصصات أخرى، حيث ركزت القائمة الأولية بشكل أساسي على التخصصات التكنولوجية."

إصلاح برامج التكوين

كشف المدير العام للتعليم والتكوين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، عن تعديل الأنماط التكوينية التعليمية الرقمية والبيداغوجية بشكل مستمر، بما في ذلك مراجعة برامج التكوين وإدراج مواد جديدة مثل الذكاء الاصطناعي، البرمجة في الإعلام الآلي، الهندسة العكسية، البرمجيات الحرة، والثقافة المقاولاتية.

وقال في هذا السياق: "نخطط لتعميم وتعزيز مكانة التعليم عن بعد، حيث يعمل عدد من الأساتذة الباحثين على إعداد الأعمال التطبيقية عن بعد في المدارس العليا."

التكوين الجامعي عن بعد

وأوضح المدير العام للتعليم والتكوين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، قائلاً: "بدءًا من الموسم الجامعي المقبل 2025-2026، سيكون بإمكان الطلبة متابعة الأعمال التطبيقية عن بُعد، مما سيمكنهم من الوصول إليها بسهولة مع الأساتذة. خاصة أن هناك اهتمامًا متزايدًا من قبل الطلبة بهذا النوع من التكوين، الذي سيحل في المستقبل مشكلة الاكتظاظ في المؤسسات والمعاهد الجامعية."

وتابع قائلاً: "التكوين الجامعي عن بُعد المزمع اعتماده لن يواجه أي مشاكل في مجال التأطير، حيث يمكن أن يكون التعليم حضوريًا أو عن بُعد أو هجينيًا. وقد استخدم هذا النظام بنجاح خلال جائحة كورونا. كما يمتلك القطاع منصات خاصة ذات طابع وطني تديرها لجنة وطنية لمتابعة وتقييم التكوين عن بُعد."