20-أكتوبر-2019

تتلقى الجزائر عدّة زيارات رسمية مع اقتراب الرئاسيات (أ.ف.ب)

تشهد الجزائر هذه الأيّام زيارات متتالية لوفود أجنبية غربية، لم تعرفها خلال الأشهر الأولى للحراك الشعبي الذي انطلق في 22 شبّاط/ فبراير الماضي، فهل يعود سبب هذا الإنزال الدبلوماسي إلى قرب الموعد الرئاسي المُزمع تنظيمه في 12 كانون الأوّل/ديسمبر المقبل، أم أن الأمر يتعلّق بزيارات كانت مبرمجة مسبقًا؟

اكتفت الخارجية الجزائرية على غير العادة، بذكر استقبال بوقادوم للوفد الأميركي دون تقديم تفاصيل بشأن ما دار بينهم

رغم التزام الغرب الصمت حيال ما يجري في الجزائر، منذ سقوط مشروع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في خلافة نفسه لعهدة خامسة، نظرًا لحساسية الجزائريين للتدخّل الأجنبي، إلا أنّ هذه التدخّلات تظلّ في الخفاء تحت مجهر الدول الكبرى.

اقرأ/ي أيضًا: الإمارات والحراك الجزائري.. عداء قديم متجدد

الكونغرس أوّل الوافدين

في يومي 7 و8 تشرين الأوّل/ أكتوبر الجاري، زار الجزائر وفد من الكونغرس الأميركي يقوده عضو لجنة الرقابة والإصلاح بمجلس النوّاب الأمريكي ستيفن لينش.

استُقبل الوفد الأميركي من قبل وزير الشؤون الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، حيث ناقش الطرفان الجهود المبذولة لتطوير التعاون الاقتصادي ومكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن في المنطقة وغيرها من مجالات التعاون الثنائي، وفق ما ذكرت السفارة الأميركية بالجزائر.

اكتفت الخارجية الجزائرية على غير العادة، بذكر استقبال بوقادوم للوفد الأميركي دون تقديم تفاصيل بشأن ما دار بينهم، وما تمّ التركيز عليه من قبل مبعوثي الكونغرس. في حين ذهبت عدة صحف جزائرية إلى القول إن الوفد الأميركي جاء ليستطلع الوضع في البلاد، قبل موعد 12 كانون الأوّل/ديسمبر المقبل.

من جهتها تحاشت واشنطن الخوض كثيرًا في الشأن الجزائري، على الأقلّ علانية، خاصّة وأن البلدين يرتبطان بعلاقات تجارية هامّة، إذ تُظهر أرقام الجمارك الجزائرية أن الولايات المتّحدة الأميركية استوردت ما مقداره 1.89 مليار دولار من الجزائر خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2019.

وانحصر التعليق الأميركي على الوضع في الجزائر على  تصريح المتحدّث باسم الخارجية الأميركية، روبرت بالادينو الذي قال نهاية آذار/مارس الماضي إنّ بلاده تحترم حقوق الشعب الجزائري في التجمّع والتعبير السلمي عن آرائه بشأن تحقيق تطلعاته الاقتصادية والسياسية.

وأضاف "نحترم حقوق الجزائريين في التعبير عن آرائهم بسلام، وسنستمرّ في ذلك ونرحّب بالتزام الحكومة الجزائرية بضمان سلامة جميع المتظاهرين".

وكان متابعون قد اعتبروا الزيارة التي قام وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري للجزائر عام 2014 إعلانًا رسميًا لدعم واشنطن ترشّح بوتفليقة لولاية رابعة، رغم الاحتجاجات الرافضة لترشّحه التي كانت تعرفها بعض شوارع الجزائر.

أوروبا تراقب

لم تقدّم  الخارجية الجزائرية تفاصيل كثيرة، حول المحادثات التي جمعت وزير الشؤون الخارجية صبري بوقادوم، مع نظيره الإسباني فرناندو فالانثويلا مارثو الذي زار الجزائر الأسبوع الماضي.

وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية، أن زيارة فالانثويلا، التي تندرج في إطار المشاورات السياسية المنتظمة بين الجزائر وإسبانيا، شكّلت فرصة "لتقييم تطبيق نتائج وقرارات  الاجتماع السابع رفيع المستوى الجزائري الإسباني المنعقد بالجزائر العاصمة في 3 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، و بحث الاستحقاقات الثنائية القادمة، لا سيما الاجتماع الثامن رفيع المستوى المزمع عقده بمدريد في 2020، وكذا تبادل وجهات النظر بخصوص المسائل الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وبخاصّة الوضع في الساحل وليبيا والشرق الأوسط وكذا المسائل الخاصّة بالهجرة ومكافحة الإرهاب". 

وخلال يوم الزيارة، ذكرت وزارة الخارجية أنّ الحكومة الإسبانية أعطت موافقتها على تعيين توفيق ميلاط بصفته سفيرًا مفوّضًا فوق العادة للجزائر الديمقراطية الشعبية لدى مملكة إسبانيا، والتي تعتبر زبونًا أساسيًا للجزائر، بالنظر إلى أن أنبوب نقل الغاز البحري "ميد غاز"، يزوّد مدريد بهذا العنصر الطاقوي المهمّ.

وتُشير إحصاءات الجمارك الجزائرية، إلى أنّ الإسبانيين يحتلّون المرتبة الثالثة ضمن زبائن الجزائر باستيرادهم منها ما قيمته 2.76 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2019، وصدروا إليها في الفترة ذاتها ما قيمته 2.11 مليار دولار، محتلين بذلك المرتبة الرابعة في قائمة مموني الجزائر.

قد يكون اهتمام إسبانيا بالشأن الجزائري اقتصاديًا أكثر منه سياسيًا، رغم تأثّرها بالوضع في الجزائر بسبب قوارب الهجرة السرّية التي تصل إليها تباعًا منذ أن طبعت الضبابية عملية تحقيق مطالب الحراك الشعبي، إلا أنها تظل تمثّل قطبًا أوروبيًا وجه أعينه نحو الجزائر منذ انطلاق هذا الحراك، بالنظر إلى أهميّة الجزائر كممول طاقوي أساسي للقارة العجوز، وشريك مهمّ في محاربة الإرهاب والهجرة السريّة، في حوض البحر الأبيض المتوسط.

وجاءت زيارة الوزير الإسباني عقب تصريحات لرئيسة اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي ماري إرينا، أثارت غضب الجزائر عندما أعلنت دعمها للرأي الرافض لتنظيم الرئاسيات في كانون الأوّل/ديسمبر المقبل.

اهتمام تركي

لم يقتصر هذا الاهتمام على الأوروبيين والأمريكيين فقط، بل حتى تركيا أرسلت وزيرها مولود جاويش أوغلو إلى الجزائر هذا الشهر، بالنظر إلى أنّها البلد الأكثر استثمارًا لأنقرة فيه بإفريقيا بقيمة تتّجه في القريب العاجل إلى 5 ملايير دولار، لتحقيق الهدف الذي رسمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمتمثّل في وصول الاستثمارات التركية في الجزائر، إلى 10 ملايير دولار.

وقال جاويش أوغلو إنّ "الجزائر دولة هامّة للغاية للمنطقة والعالم الإسلامي، واستقرارها هام للغاية بالنسبة لتركيا أيضًا".

وأكدّ  المتحدّث "التطابق التام في وجهات النظر" بين تركيا والجزائر بخصوص القضايا الإقليمية، مبيّنًا أن بلاده "لا تؤمن بالحلّ العسكري" وعازمة على التنسيق الثنائي من أجل الوصول إلى حلّ سلمي في ليبيا".

التساؤل حول موقف الغرب من حراك الجزائر يُطرح حتّى في المجالس الشعبية للدول الأروربية

مع اقتراب موعد الرئاسيات، وتواصل الحراك الشعبي، يبقى السؤال مطروحًا بشأن موقف الدول الغربية ممّا يحدث في الجزائر، هل هو داعم للسلطة أم لخيار الشعب؟ أم يصبّ في صالح الحياد وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للبلاد؟ وهو الأمر الذي يبقى مستبعدًا، لأنّ التساؤل حول موقف الغرب من حراك الجزائر، وخصوصًا فرنسا لاعتبارات جغرافية وتاريخية واقتصادية، يُطرح حتى في برلمانات الدول الأوروبية، إن كانت هذه الأخيرة متواطئة أم متضامنة مع ما يحدث في الجزائر.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بعد الجمعة الـ13.. هل يضم الحراك الشعبي قايد صالح لـ"العصابة"؟

الانتخابات التشريعية الجزائرية.. تأمّلات من الواقع