20-فبراير-2020

الأئمة الجزائريون هدّدوا بالدخول في إضراب (الصورة: النهار)

عاش الإمام وعالم الدّين في الجزائر، عبر القرون، حاملًا لهالة من الاحترام الشّعبيّ، فهو "سيدي الشّيخ" الذّي تُقبّل يدُه وتوضع فيها الهدايا والعطايا، لكونه يمثّل الضّمير الدّينيّ في المخيال الشّعبي العامّ الذّي قد يتفهّم ارتكاب المعاصي بالمفهوم المتداول، لكنّه لا يتفهّم الإساءة إلى الرّموز الدّينيّة، منها الجامع والإمام المشرف عليه، كما قال الباحث في التصوّف الإسلاميّ سعيد جاب الخير.

هذه النّظرة إلى الإمام، جعلت الجزائريّين ينسون كونه موظّفًا لدى الحكومة مثله مثل المنتسبين إلى القطاعات الأخرى

هذه النّظرة إلى الإمام، جعلت الجزائريّين ينسون كونه موظّفًا لدى الحكومة مثله مثل المنتسبين إلى القطاعات الأخرى، وله حقوق ماديّة ومعنويّة عليه أن يناضل من أجل تحصيلها، فأبدوا اندهاشهم حين أقدم الأئمّة على الانتظام في نقابة عام 2013، وقد شكّل موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك، يومها، منصّة للتّعبير عن هذا الاستغراب. 

اقرأ/ي أيضًا: الأئمة يراسلون الرئيس لحمايتهم من "الاعتداءات"

في هذا السياق، يقول الإمام عبد العزيز برّاضي، إنّه صدر في الجريدة الرّسميّة يوم 28 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2008، مرسومٌ يقضي بتقسيم موظّفي قطاع الشّؤون الدّينيّة إلى ستّ فئات، تتضمّن 15 رتبةً مصنّفة بين الدّرجات 5 و16، بحسب تصنيف قانون الوظيف العموميّ، "فلماذا يستكثرون علينا المطالبة بحقوقنا وفق هذا القانون؟ ألسنا فئة من فئات المجتمع والدّولة والوظيف؟".

عادت نبرة الاندهاش لدى الجزائريّين، هذه الأيّام، من الأئمّة والمؤذّنين والقيّمين على المساجد التّي يبلغ عددها في الجزائر 15 ألف مسجد، ولكنّها كانت ممزوجة بالسّخرية، لأنّهم خرجوا في مسيرة حاشدة رفعوا فيها مطالب تتعلّق بالزّيادة في الرّواتب، واحترام شروط التّرقية والعمل على توفير الحماية للإمام ومساعديه. ولوّحوا بإضراب عن العمل قريبًا أو بالاستقالة الجماعيّة، إن هم لمسوا استمرار وزارة الشّؤون الدّينيّة والأوقاف، التّي وصفها أحد شعارات المسيرة بـ "الظّلومة" في الإعراض عن التّفاعل مع مطالبهم.

هنا، يقول الطّالب الجامعيّ بوبكّر حساني لـ "الترا جزائر"، إنّه لا يستنكر احتجاج الأئمّة ومطالبتهم بتحسين ظروف عملهم ومعيشهم، "لكنّني لا أتفهّم أن يُلوّحوا بالإضراب عن العمل الذّي يعني توقفهم عن إمامة النّاس في الصّلوات". يسأل: "هل الصّلاة عقد مع الله أم مع الحكومة؟ عليهم أن يدركوا أنّ في وظيفتهم هامشًا من الارتباط بحكومة السّماء، لذلك عليهم أن يكتفوا بطرق معينة من الاحتجاج، مثل المسيرات والاعتصامات والبيانات، من غير الوصول إلى ممارسة الإضراب لأنّه يخلّ بهذا الهامش السّماويّ المقدّس".

كيف ستصبح نظرة الجزائريّ، يضيف بوبكّر حساني، إلى الإمام إن هو أضرب عن إمامته؟ سيراه مجرّد موظّف مثل الآخرين. وسوف لن يصدّقه مستقبلًا وهو يدعوه إلى عمل صالح أو ينهاه عن مسعًى من المساعي.

وبنبرة ساخرة كتب الباحث حميد زنّاز، المعروف بتحرّره الدّينيّ إنّه حين سمع بأنّ شيوخ الجوامع يفكّرون في شنّ إضراب عن العمل جاءته الرّغبة في أن يصلّي نكايةً فيهم. وبالنّبرة نفسها كتب النّاشط عبد الرزاق نايت الصّغير أنّ الأئمة هم القطاع الوحيد الذّي إن أضرب، فسوف لن يكون له تأثير اقتصاديّي واجتماعيّ.

من جهته لمّح المسرحيّ سيد أحمد قارة إلى سلاح يمكن للأمّة أن يستعملوه في خلافهم مع الحكومة هو قول الحقيقة للمصّلّين، "إمّا أن تحسّنوا رواتبنا وإمّا أن نقول الحقيقة في الجوامع. لقد أعذر من أنذر".

حملة السخرية طالت أيضًا الأئمة الذين حرّموا المسيرات الشعبية في بداية الحراك

في تدوينة سيد أحمد قارة، إشارة إلى أنّ قطاعًا واسعًا من الأئمّة ساير خطاب السّلطة بخصوص الحراك الشّعبيّ والسّلمي، على مدار عام كامل، بل إنّ البعض ذهب إلى تحريم المسيرات الشّعبيّة، وهو المعطى الذّي ساهم في قيام تفاعل نسبة كبيرة من الجزائريّين مع حركتهم الاحتجاجيّة على النّبرة السّاخرة. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

توجيهات الشؤون الدينية.. خطبة الجمعة ضدّ "دعوات التفرقة بين الجزائريين"

المساجد والزوايا.. قواعد التعبئة الشعبية للسلطة؟