حملت تصريحات عبد المجيد تبون، في لقائه الدوري أمام وسائل الاعلام الوطنية، تناقضًا بين الخطاب الرسمي للسلطة، وسلوكاتها على أرض الواقع تجاه سيرورة الحراك الشعبي، ومطالبه المتمثّلة في إيجاد آليات الانتقال الديمقراطي.
يرى مراقبون أن الثورة المضادة، تحاول دائمًا إيجاد تموقعات جديدة، والبحث عن مكاسب سياسية لا تصنعها الحكومات
وقال الرئيس تبون، إنه وقع مرسومًا يجعل من 22 شباط/ فيفري يومًا وطنيًا تحت تسمية "اليوم الوطني للأخوّة والتلاحم بين الشعب وجيشيه من أجل الديمقراطية". وأضاف أن الحراك ظاهرة صحيّة، محذّرًا في الوقت نفسه من الاختراقات من الداخل والخارج، على حدّ تعبيره.
اقرأ/ي أيضًا: سنة من الحراك الشعبي في الجزائر.. القطيعة الإعلامية مستمرّة؟
الثورة المضادة؟
من جهته تساءل كثير من المتتبّعين، عن فحوى تصريحات تبون ومباركته وتبينه للحراك الشعبي. ثمة سؤال بحاجة إلى إجابة، هل يَعُد الأمر شكلًا من أشكال الثورة المضادة؟ في محاولة لتبني واحتضان الرمزي لذكرى الأولى للحراك الشعبي 22 شباط /فيفري؟ أم إرادة صادقة في التغيير والإصلاح السياسي من داخل منظومة الحكم؟
في هذا السياق، يرى مراقبون أن معالم الثورة المضادة، تحاول دائمًا إيجاد تموقعات جديدة، والبحث عن مكاسب سياسية لا تصنعها الحكومات، بل تستفيد من الظاهرة الثورية، وهذا قصد المحافظة على كيان النظام السياسي، وقد تستجيب السلطة لبعض مطالب المحتجّين، عبر التضحية ببعض رموز النظام الأكثر رفضًا شعبيًا.
مكاسب حملة محاربة الفساد
راهنت سلطة ما بعد بوتفليقة على حملة مكافحة الفساد، واعتقال رجال المال ومسؤولين ساميين وبعض قيادات الجيش، قصد كسب شرعية سياسية، لكن واضح أنها لم تُحقق الكثير من المردودية السياسية ومبتغى ذلك، رغم الترحاب الشعبي، وفي ظل استمرار الحركات الاحتجاجية الاسبوعية، أمست المطلب الجماهير تتعدّى الحملات المرحلية والدعاية الإعلامية.
منع النشاط الحزبي والجمعوي
ما يعزّز الشكوك حول مصداقية خطاب السلطة السياسية، حول القيام بإصلاحات عميقة، هي الممارسات الواقعية التي لاتزال تُضيّق على العمل السياسي والنشاط الحزبي المعارض، حيث رفضت السلطات الترخيص لعقد جلسات قوى البديل الديمقراطي بقصر المعارض، كما منعت الإدارة مبادرة "إعلان 22 شباط/ فيفري"، من عقد ندوة صحافية في فندق بالعاصمة الجزائرية، ولم تتلقَ فعاليات ونشطاء المبادرة الردّ لا سلبًا ولا إيجابًا، فيما يتعلّق بترخيص عقد ندوة وطنية احتفالًا بالذكرى الأولى للحراك الشعبي بقاعة حسن حرشة بالجزائر العاصمة. ولا يزال تعنيف السلطات للتجمعات النقابية قائمًا، على غرار الحركة الاحتجاجية التي خاضها المئات من الأساتذة مؤخّرًا.
هنا، يتساءل كثير من النشطاء، حول ترسيم عيد وطني للحراك من طرف الحكومة، بينما لا تزال الثورة السلمية مستمرّة، لم تتحقّق أدنى مطالب التغيير.
في السياق نفسه، يقول الناشط الحقوقي وعضو مبادرة "إعلان 22 فيفري" سعيد صالحي: "لم تتحقّق أبسط الحقوق السياسية، الحقّ في التنقّل، الحقّ في الاجتماع العمومي. التنقّل لا يزال تحت الحصار الأمني، إضافة إلى وجود معتقلي رأي رهن الحبس والمتابعات القضائية".
النشاط النقابي محاصر
من جهته، استنكر الناشط السياسي والنقابي مسعود بوذيبة، تصريح تبون حول الإضرابات والاحتجاجية الأخيرة، وقال تبّون لدى تطرّقه إلى الاضرابات: "أنّ توقيت هذه الإضرابات غير سليم وغير بريء، وهناك من يسخّن الأجواء".
وقال بوديبة في حديث إلى "الترا جزائر"، أن التعامل مع الحركات الاحتجاجية النقابية والعمالية، من المفروض أن يتمّ وفق احترام القانون، والتعامل كشريك اجتماعي أساسي، وليس التشكيك، أو محاولة ضرب في مصداقية النقابات، على حدّ تعبيره.
وشدّد المتحدّث، أن الحلّ في التعامل مع الإضرابات، هو فتح آليات الحوار الاجتماعي الجاد، وليس المواجهة الكلامية والتعنّت. يُضيف القائل.
وبخصوص تمييع العمل النقابي، كما جاء في تعليق الرئيس تبون حول الإضرابات، قال بوديبة، إنّ التمييع الحقيقي يتمثّل في اعتماد وزارة العمل لـ 23 نقابة في قطاع التربية. ملفتًا الانتباه، إلى حقّ منتسبي قطاع التربية في التنظيم وحقّ في العمل النقابي؛ "لكن ليس على حساب تفكيك التنظيمات النقابية والولاء للوصاية، واستهداف النقابات التمثيلية عبر صناعة نقابات شكلية".
الحراك المخترق .. أسطوانة قديمة
من جهته، قال تبون موجّهًا كلامه إلى المشاركين في المسيرات: "أوصي أبنائي الذين يتظاهرون يوم الجمعة، بالحذر من الاختراق، لأنّ هناك بوادر اختراق من الداخل والخارج".
هنا تساءل كثير من المراقبين، حول المقصود من الاختراق الداخلي أو الخارجي. حيث أنّ الاختراق مصطلح مطاطي توظفه السلطة السياسية، لتشويه كل معارض للنظام السياسي، تمهيدًا لاتهامه بالعمالة للخارج والتخوين.
صراع بين أجنحة السلطة؟
في هذا الشأن، يقول الناشط الجمعوي فارس علاء الدين بولحية، إن موقف تبون، يعكس تناقضات داخل منظومة الحكم، حول كيفية التعامل مع الحراك الشعبي.
وأشار محدثنا، أن الرئيس تبون يشيد بالحراك الشعبي في كل خرجاته الإعلامية، ويعد بالتغيير عن طريق الدستور. واستدرك أن الواقع يعكس تعسفًا كبيرًا من طرف الأجهزة الأمنية، في التعامل مع الحركات الاحتجاجية، على حدّ قوله.
وفي تقدير الناشط، فإن هذا الغموض والتخبّط يكشف عن وجود صراع بين بقايا النظام القديم، تُحاول عرقلة مسار الحوار والاصلاحات وأطراف تريد التغيير الفعلي.
تشكيك في شرعية الحراك
في السياق نفسه، أشار القيادي في حزب "جيل جديد"، أمين غريب، أن هذه التصريحات حول اختراق الحراك، تهدف إلى التشكيك في إرادة الجزائريين في التغيير وكسر شوكة مسيرتهم.
وأفاد المتحدّث، أن تحذيرات تبون تكشف عن وجود صراع أجنحة داخل السلطة، وأن هناك طرفًا يريد التلاعب بالحراك الشعبي، وقد تزداد وتيرة هذا التدخّل وفق الأجندات السياسية، بحسبه.
وأكّد محدّثنا، أن حالات الاختراق ممكنة في حالة مماثلة من الثورة السلمية، لكن هذا لا يمنع الإرادة القوية لدى الجزائريين، في الاجتماع وتقاسم الأهداف المشتركة نحو تحوّل ديمقراطي مشترك.
أمين غريب: الحديث عن اختراق الحراك يهدف إلى التشكيك في إرادة الجزائريين في التغيير وكسر شوكة المسيرات الشعبية
تعني الثورة وفق التعريفات السوسيولوجية، أسلوبًا جديدًا في الحكم، وصعود الطبقة المهمشة أو فئة الظلّ للسلطة، وصناعة واقعٍ سياسيٍ بطابع وثوب جديد مختلف تمامًا، يُحدث القطيعة مع الممارسات السياسية الماضية.
اقرأ/ي أيضًا:
الجالية الجزائرية والحراك الشعبي.. الوطن الذي يسكن المغتربين
حوار | أحسن خلاص: الحراك الشعبي لن يتوقّف