21-فبراير-2023
سوق شعبي بالعاصمة (الصورة: أ.ف.ب)

سوق شعبي بالعاصمة (الصورة: أ.ف.ب)

خلّف قرار وزارة التجارة القاضي بحصرية استيراد البقول الجافّة ومادة الأرز للديوان الوطني المهني للحبوب، استياءً واسعًا وسط تجار الجملة للمواد الغذائية في سوق واد السمار بالعاصمة، وتباينت ردود فعل المستهلكين إزاء عودة احتكار الدولة لبعض النشاطات التجارة الخارجية خصوصًا المنتجات الأكثر استهلاك كالبقوليات ومادة الأرز، بين من يرى أن هذه الخطوة تأتي لحماية القدرة الشرائية،  علمًا أن حصرية الاستيراد للديوان الوطني المهني للحبوب تشمل أيضًا مادتي القمح ومسحوق الحليب.

يحذّر متابعون من مغبة قرار وزارة التجارة القاضي بإسناد حصرية استيراد البقوليات إلى الديون الوطني المهني للحبوب وإقصاء المتعاملين الخواص 

مخاوف التجار

في سياق الموضوع، يقول الحاج لخضر، وهو تاجر جملة للمواد الغذائية، إن قرار وزارة التجارة لم يكن متوقعًا قبيل شهر رمضان بأسابيع، مضيفًا أن القرار يبعث مخاوف على مستقبل كثيرين من تجار الجملة ومستوردي المواد والخضر الجافة، ويوضّح محدث "التر جزائر"، أن مستوردي البقوليات من المتعاملين الخواص وخلال أزمة سلسلة التوريد العالمية وأزمة الشحن الدولي أثبتوا قدرتهم على تمويل السوق الوطنية بشكلٍ كافٍ، وتمكنوا من تجاوز العقبات والنقص الذي طال جميع المنتجات.

ينفي الحاج لخضر، في مقابل ذلك، أن يكون ارتفاع أسعار البقوليات سببه وجود مضاربة أو احتكار بالضرورة، حيث أن حصص استيراد المتعاملين الخواص مضبوطة وخاضعة لرخص الاستيراد مسبقًا، وهو ما يعني أنه السلع التي يستوردها التاجر تكون موجهة لزبائنه مباشرة ولا يمكنه إخفاؤها لزيادة أسعارها.

إضافة إلى ما سبق، يعتبر المتحدث أن أسعار البقوليات بالجزائر تتوقف على أسعار السوق الدولية، علاوة على احتساب أسعار الشحن الدولية التي تعرف انخفاضًا في الفترة الأخيرة بعد جائحة كورونا، زيادة على قيمة الدينار التي يتراجع بشكلٍ سنوي، يضاف إلى كلّ هذا قاعدة العرض والطلب، على حدّ قوله.

من جهتهم، أبدى بعض تجار الجملة للمواد الغذائية في حديث إلى "التر جزائر" مخاوف من محاولة إبعاد تجّار الجملة للمواد الغذائية الذين يشكلون حلقة وصل بين المستورد أو المصنع والبائع والزبون من السوق الجزائرية، إذ اعتبروا أن  إضافة حلقة أخرى إلى الحلقة الثلاثية معناه زيادة الوسطاء، وبالتالي ارتفاع الأسعار وتفشي المضاربة.

إلى هنا، يفيد بعض النشطاء في سوق الجملة للمواد الغذائية، أن كثيرًا من محلات المواد الغذائية والبقالات يفضّلون شراء أكياس من البقوليات معبئة بـسعة 25 كيلوغرامًا وتقسيمها على الزبائن، بدل البقوليات المعلبة من طرف الصناعيين، كون الطريقة الأولى أقل ثمنًا وأحسن جودة، حسبهم.

في هذا السياق، يوضح التجار أن قرار وزارة التجارة يُقصي تجار الجملة للمواد الغذائية من تموين الديون الوطني المهني للحبوب، حيث أن الأمر يقتصر على الصناعيين فقط.

قرار وزارة التجارة القاضي باحتكار استيراد البقول الجافة ومادة الأرز،  يعني حسب التجار، أن البقوليات ستباع معلّبة فقط في أكياس 500 غ و1 كيلوغرام، وهو ما يحيل إلى وجود تكاليف مالية إضافية ستكون عبءًا على الزبون الذي يفضل الشراء بالميزان من أكياس 25 كلغ، إذ يتراوح معدل سعر واحد كيلوغرام من العدس 250 دج بطريقة الشراء بالكميات المقترحة من الزبون، بينما يبلغ سعر العدس المعلب بحجم 1 كليو غرام 300 دج، أما الحمص فالكيلو غرام الواحد المعلب يقدر بـ 420 دج، بينما يبلغ الكيلوغرام من المادة نفسها 360 دينارًا.

كثير من الصناعيين، حسب محدثي "الترا جزائر"،  لا يملكون شبكات توزيع مباشرة إلى المحلات الكبرى والمتوسطة والبقالات، ويعتمدون على تجار الجملة لإيصال سلعهم، وبالتالي سيظهر المزيد من الوسطاء إذا اعتمدت الحكومة طريقة الاحتكار، وسيزيد هامش الربح الذي يدفع ثمنه الزبون.

تساؤلات

إلى هنا، يحذّر متابعون من قرار وزارة التجارة إسناد حصرية استيراد البقوليات إلى الديون الوطني المهني للحبوب، وإقصاء المتعاملين الخواص، ويتوقعون أنه سيهدد  تمويل السوق بشكل المطلوب، مستشهدين بتجارب توقف مصانع الحليب نتيجة وجود نقص في تمويل من مادة غبرة الحليب، أو أزمة السميد التي ما تزال مستمرة وتشهد انقطاعات متكرّرة في السوق الوطنية وارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، أو الارتفاع "الفاحش" في العجائن، بعد قرار منع استيراد الحبوب والقمح من الطرف الصناعيين في مجال المواد المعجنة.

في هذا الاتجاه، يتساءل خبراء عن كيفية شراء الديوان الوطني المهني للحبوب واقتناء البقوليات، إن كان  سيتم عبر إجراءات مناقصات دولية في مجال الحبوب والقمح كما ينصّ عليه القانون؟ أو الاعتماد على وسطاء في مجال بيع البقوليات في الأسواق العالمية؟ وكيف تتم عمليات الشحن؟ هل سيكون ذلك عبر حاويات، أو شحن كميات كبيرة على البواخر؟ وهل سيتم توفير مختلف الكميات بحسب النوعية والقيمة؟

محاربة المضاربة

في مقابل ذلك، ترى الحكومة أن حصرية استيراد المواد الجافة للديوان الوطني المهني للحبوب يهدف إلى التحكّم في السوق الوطنية وتوفير المعروض الكافي من السلع والتصدي إلى المضاربة واحتكار بعض التجار، حيث تعتقد أنه وراء ارتفاع أسعار المنتجات الواسعة الاستهلاك.

وفي اجتماع حكومي سابق، أسدى الرئيس عبد المجيد تبون تعليمات إلى القطاعات المعنية بالإسراع إلى وضع استراتيجية ذات صلة بتمويل الأسواق وتوفير المواد الأساسية والتصدي للمضاربة خصوصًا ونحن على مقربة من شهر رمضان، إضافة إلى أن الفواكه الجافة شهدت في السنوات الأخيرة ارتفاعًا جنونيًا.

دعم المنتوج الوطني

تسعى الحكومة إلى تعزيز الاستثمار والإنتاج الفلاحي في مجال البقوليات، وحث المزارعين على إنتاج المواد الجافة كالعدس والفاصولية والحمص والفول، وفي هذا الملف، يرى مختصون في مجال الفلاحة، أنه رغم المجهودات والنتائج الأولية لإنتاج البقوليات ما زالت الكميات غير كافية لتلبية حاجيات السوق التي تبقى تعتمد على استيراد المواد الجافة، ويتطلب الأمر وضع استراتيجية قريبة وبعيدة المدى، من أجل توسيع مساحات البذور المزروعة محليًا، والتحكم في وسائل عصرنة الإنتاج الفلاحي وتوفر اليد العاملة وتوفير البذور لمختلف المنتجات.

عودة أسواق الفلاح؟

وفي سياق ضمان استقرار أسعار المواد الاستهلاكية، تعتزم وزارة التجارة إلى تنظيم أسواق جوارية، أو ما يعرف "بأسواق الرحمة" تسمح ببيع المنتجات الغذائية والزراعية مباشرة من المنتج إلى المستهلك، وتجند السلطات الشركة القابضة "أغروديف" وهي الشركة المختصة في الصناعات الغذائية والصناعة التحويلية للمواد الفلاحية ومن مهامها التوزيع والتسويق عبر 300 نقطة بيع عبر الوطن.

من جانبه، وفي تصريح إعلامي، قال وزير التجارة، كمال رزيق، إن قرار منح استيراد البقوليات للديوان الوطني المهني للحبوب، سيمكن من حماية القدرة الشرائية للموطن، حيث يمكن تدخل الدولة لدعم الأسعار في حال تسجيل ارتفاع كبير في الأسواق الدولية.

بلغ الدين الداخلي العمومي 1500 مليار دينار نهاية سنة 2022

تجدر الإشارة أن قيمة دعم الدولة لزيت المائدة 108 مليار دينار خلال 11 شهرًا  الأولى من العام الماضي، ما يرجح  مزيدًا من الأعباء المالية التي تثقل كاهل الخزينة العمومية، حيث بلغ الدين الداخلي العمومي 1500 مليار دينار نهاية سنة 2022.