مجتمع

ادخار من ذهب..كيف تلجأ الجزائريات إلى المجوهرات كضمان مالي؟

13 أكتوبر 2025
ادّخار الذهب رغم غلاء الأسعار بالجزائر
من الزينة إلى الأمان المالي: لماذا تفضل الجزائريات ادخار الذهب؟ ( تركيب: الترا جزائر)
دليلة بلغربي
دليلة بلغربيكاتبة من الجزائر

يُعتبر الذهب بالنسبة لكثير من النساء في الجزائر، أكثر مجرّد زينة تتباهى بها، إذ أصبح وسيلة ادخار شخصية تعبّر عن وعي اقتصادي وارتباط ثقافي. 

أصبح الذهب أكثر من مجرّد زينة أو مظهر اجتماعي، وشكلًا من أشكال الادخار العائلي المتوارث، يُحتفظ به داخل البيوت ويُنقل من جيل إلى آخر

بالرغم من ارتفاع أسعاره وتقلبات السوق، لا يزال "المعدن الأصفر" يحمل رمزية تتجاوز قيمته المادية؛ فهو في نظر بعضهن ذاكرة عائلية، وميراثًا عابرًا للأجيال، ودرعًا ماليًا يمنح شعورًا بالأمان في مواجهة تقلبات الحياة.

بين حكايات الجدّات، ونصائح صفحات الإنستغرام، تتجدد ثقة المرأة الجزائرية في الذهب، الذي لا يخذلها حين يخونها كل شيء آخر.

"اللويزة ما تخونكش"

في السنوات الأخيرة، لفتت ظاهرة ادخار الذهب لدى النساء الجزائريات الانتباه، رغم ارتفاع أسعاره الذي بلغ حدود 25 ألف دينار للغرام الواحد، لتؤكد أن هذه العادة لا تزال حاضرة بقوة، ليس فقط كجزء من التراث الاجتماعي، بل كآلية وقائية لمواجهة تقلبات الحياة، حيث تتمسّك الجزائريات بالمثل الشعبي: "الحدايد للشدايد"، معتبرات الذهب ملاذًا آمنًا يحفظ القيمة ويصون الكرامة عند الحاجة.

ولم يعد الذهب مجرّد زينة أو مظهر اجتماعي، بل أصبح شكلًا من أشكال الادخار العائلي المتوارث، يُحتفظ به داخل البيوت ويُنقل من جيل إلى آخر. وتُعد "اللويزة" من أكثر الحلي التي تقبل عليها المرأة الجزائرية، لما تحمله من رمزية وجمالية تجمع بين الزينة والقيمة.
تجارة الذهب على مواقع التواصل

وكما عرفت  تجارة الذهب انتشارًا لافتًا في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة على منصة إنستغرام، حيث تحولت الصفحات التي يتابعها مئات الآلاف إلى فضاءات افتراضية تعرض صور الحلي، الأسعار اليومية، ونصائح حول الشراء والادخار.

هذا الانتشار لم يعد مقتصرًا على الصائغين التقليديين، بل ظهرت حسابات متخصصة تديرها نساء يعرضن أنواعًا مختلفة من الذهب، ويقدمن محتوى توعوي حول كيفية اختيار العيار، مقارنة الأسعار، والتفريق بين الذهب الجديد والمستعمل.

هذه الصفحات أصبحت وجهة مفضّلة للكثير من الجزائريات، خاصة مع ارتفاع الأسعار الذي تجاوز 25 ألف دينار للغرام، ما جعل القرار الشرائي يحتاج إلى متابعة دقيقة للسوق. وتُرفق المنشورات عادةً بجمل مثل "استثمري بذكاء" أو "اللويزة ما تخونكش"، في إشارة إلى الثقة المطلقة في الذهب كملاذ آمن. كما تُقدَّم نصائح حول الاحتفاظ بالفاتورة، وزن القطعة بدون الأحجار، وتفادي الشراء العاطفي في المواسم.

الجانب الاقتصادي

في حديث حول الأثر الاقتصادي لادخار الأموال في الذهب، يقول الدكتور عباس طلال، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة قسنطينة لـ"الترا جزائر"، إن لجوء النساء في الجزائر إلى ادخار الذهب يعود أساسًا إلى انخفاض قيمة الدينار وغلاء المعيشة وعدم استقرار الأسعار، ما جعل الذهب يُنظر إليه كضمان حقيقي يحافظ على القيمة مع مرور الزمن.

وأضاف الدكتور أن هذا السلوك له جذور ثقافية واجتماعية، فالمرأة الجزائرية ترى في الذهب "ملاذًا آمنًا" و"كنزًا لا يفنى"، خاصة في ظل غياب الثقة في العملة الوطنية و انعدام الثقة في البنوك التي لا تعتمد نظامًا ماليًا إسلاميًا يتوافق مع قناعات الكثيرين.

عباس طلال، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة قسنطينة لـ"الترا جزائر": حين تُكدَّس كميات معتبرة من الثروة على شكل ذهب داخل البيوت، بعيدًا عن الدورة المالية الرسمية، يتحوّل ذلك إلى ما يُعرف بـ"التسرّب النقدي"

وأوضح الأستاذ عباس أن الذهب يُعتبر اليوم وسيلة ادخار فعّالة، لأنه يشكّل "خزانة آمنة للنقود"، لا تتأثر بالتضخم، بل تزداد قيمته مستقبلًا، وهو ما يعزز اعتباره شكلًا من أشكال الحماية المالية للأسر. غير أن المختص حذّر من الجانب الخفي لهذه الظاهرة وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني. فحين تُكدَّس كميات معتبرة من الثروة على شكل ذهب داخل البيوت، بعيدًا عن الدورة المالية الرسمية، يتحوّل ذلك إلى ما يُعرف بـ"التسرّب النقدي". 

وهذا يعني خروج كتلة مالية كبيرة من التداول البنكي، ما يضعف قدرة البنوك على تمويل المشاريع والاستثمارات، ويحدّ من فعالية السياسات النقدية للدولة.

كما أوضح أن غياب هذه الأموال عن النظام المصرفي يجعل البنك المركزي غير قادر على تقدير الكتلة النقدية الحقيقية المتداولة، وهو ما يصعّب التحكم في التضخم، ويعرقل ضبط السوق المالي. فبينما ترى النساء في الذهب ملاذًا آمنًا، يراه الاقتصاديون ثروة مجمّدة خارج الاقتصاد المنتج، تحرم البلاد من موارد يمكن استثمارها وتحريكها داخل الدورة الاقتصادية.

وفي الوقت الذي تبحث فيه الدولة عن حلول لجلب الأموال نحو القنوات الرسمية، ما تزال الثقة المهزوزة في البنوك، وضعف البدائل الادخارية الشرعية وفق القناعات الدينية السائدة، يدفع الكثيرين، وعلى رأسهم النساء، إلى التمسك بالذهب كوسيلة ادخار أولى، مهما كانت كلفته.

وختم الدكتور كلامه بأن الجزائر تفتقر حاليًا إلى بدائل ادخارية آمنة يمكن أن تحلّ محل الذهب، باستثناء بعض الصيغ المحتملة في المستقبل مثل الصكوك الإسلامية والسندات الحكومية، غير أن ما يعيبها حاليًا هو ضعف العوائد وقلة جاذبيتها لدى المواطنين.

البعد الثقافي

وحول البعد الاجتماعي لادخار الذهب عند النساء الجزائريات، يقول الدكتور علي بن ناصر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الوادي لـ"الترا جزائر"، إن ارتباط المرأة الجزائرية بالذهب يمتد إلى أبعاد عميقة تتداخل فيها الذاكرة الجماعية مع الواقع الاجتماعي.

كما أوضح الدكتور، أن الذهب لم يكن يومًا مجرد وسيلة للزينة أو التجمّل، بل كان على الدوام جزءًا من هوية المرأة ومكانتها داخل الأسرة والمجتمع. فقد ارتبط الذهب بمواسم الفرح الكبرى، كالزواج والولادة والأعياد، حيث يُقدَّم للمرأة كعربون تقدير واحترام، وكوسيلة تمنحها مكانة اجتماعية واضحة داخل محيطها.

 

الدكتور علي بن ناصر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الوادي لـ"الترا جزائر": الذهب في المخيال النسوي أكثر من معدن ثمين؛ إنه أمان مستقبلي، واحتياط اجتماعي، وسند نفسي يمنح المرأة شعورًا بالاستقلال والقدرة على مواجهة تقلبات الزمن دون ارتهان للغير

 

ويتابع الدكتور أن هذا الارتباط لم يأتِ من فراغ، بل من واقع اجتماعي كانت فيه المرأة، خاصة في المجتمعات التقليدية، محرومة من الموارد المالية المباشرة وحق التصرّف الاقتصادي. لذلك تحوّل الذهب إلى «ضمانة صامتة» و«رصيد متنقّل» تلجأ إليه المرأة عند الحاجة القصوى، سواء في حالات الطلاق أو وفاة الزوج، أو عند مواجهة ظروف معيشية قاسية. فهو الثروة الوحيدة التي تمتلكها باسمها، ويمكنها تحويلها إلى مال في أي لحظة دون الرجوع إلى أحد.

وهكذا، أصبح الذهب في المخيال النسوي أكثر من معدن ثمين؛ إنه أمان مستقبلي، واحتياط اجتماعي، وسند نفسي يمنح المرأة شعورًا بالاستقلال والقدرة على مواجهة تقلبات الزمن دون ارتهان للغير.

وأوضح الأستاذ بن علي أن سلوك الادخار لدى المرأة يعكس حاجة إلى الأمان أكثر من الرفاهية، فالأسر ادّخرت دائمًا من فائض دخلها، لكن المرأة الجزائرية وجدت في الذهب الوسيلة الأكثر أمانًا لحفظ قيمتها من التآكل، مقارنة بالنقود التي تضعف مع التضخم. ولهذا، لم يعد الادخار بالذهب مقتصرًا على النساء فقط، بل أصبح خيارًا للعديد من العائلات التي تبحث عن حماية مدخراتها.

كما أشار المتحدث، إلى أن اختيار الذهب بدل البنوك يعود إلى بساطته وعدم حاجته لتعقيدات إدارية أو حسابات مصرفية. فالذهب جزء من زينة المرأة ويحمل قيمة مالية كبيرة تنقلها معها أينما كانت، خلافًا للمؤسسات المالية التي تتطلب ثقة وإجراءات، خاصة لدى المرأة التقليدية. حتى المرأة العاملة المعاصرة ما زالت مترددة بسبب مخاوف اقتصادية ودينية من المعاملات البنكية.

الذهب جزء من الهوية

وأضاف المختص أن الدين والتقاليد يعززان مكانة الذهب في الوعي الجماعي للجزائريين، إذ لا يُنظر إليه فقط كحلي أو مظهر من مظاهر الزينة، بل كجزء من هوية المرأة ورمز لتقديرها الاجتماعي.

الأستاذ علي بن ناصر: رغم اتجاه العائلات إلى تقليص النفقات وتبسيط الاحتفالات والتخلّي عن بعض العادات المكلفة، بقي الذهب حاضرًا بوصفه شرطًا أساسيًا في الأعراس،

منحت الشريعة هذا المعدن بعدًا شرعيًا وروحيًا، رسّخ حضوره في الوجدان الشعبي. ومع تطور الزمن وتغيّر أنماط الحياة، لم تستطع الحداثة أن تُقصي الذهب أو أن تُقدّم بديلاً يضاهي قيمته الرمزية والمادية، لأنه يجسد في المخيال الجمعي الأمان والاحتماء من تقلبات الدهر.

وأشار الدكتور إلى أنّ التغيّرات الاقتصادية العميقة التي مست المجتمع الجزائري، من تضخم وغلاء معيشة، انعكست بشكل واضح على العلاقات الأسرية ومراسم الزواج. فرغم اتجاه العائلات إلى تقليص النفقات وتبسيط الاحتفالات والتخلّي عن بعض العادات المكلفة، بقي الذهب حاضرًا بوصفه شرطًا أساسيًا في الأعراس، لا يُتنازل عنه إلا نادرًا. وهذا الثبات في حضوره يؤكد أنه لم يعد مجرد كماليات جمالية، بل أصبح ضمانة اجتماعية ورمزًا للكرامة والاستقلال المالي, تلجأ إليه المرأة كوثيقة غير مكتوبة تحفظ حقها وتؤمّن مستقبلها.

الكلمات المفتاحية

الجرب

"الجرب" في المدارس الجزائرية.. عودة مقلقة لمرض منسي

يُعدّ داء الجرب من الأمراض الجلدية الطفيلية المعروفة منذ قرون، وتؤكد منظمة الصحة العالمية أنّه من أقدم الأمراض المعدية التي تصيب الإنسان عبر التاريخ، حيث ينتقل بسهولة عن طريق التلامس المباشر أو عبر الملابس والأغطية الملوثة. وقد عاد هذا المرض إلى الواجهة في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، إذ سُجّلت عدة بؤر إصابة داخل الوسط المدرسي، من بينها 87 حالة تم الإعلان عنها سنة 2019، إلى جانب مئات الحالات…


قضايا الطلاق والخلع

الخُلع تهديد مستمر للأسرة الجزائرية.. التكوين قبل الزواج طريق الوقاية


منظمة حماية المستهلك تُنبّه الجزائريين.. هل الملاعق البلاستيكية آمنة؟

منظمة حماية المستهلك تُنبّه الجزائريين.. هل الملاعق البلاستيكية آمنة؟

في المقهى المُجاور لمقرّ العمل، أو في محلّ المأكولات السريعة، أو في إحدى محطات الطريق السريع شرق غرب... كم مرة أمسكتَ بملعقة بلاستيكية لتناول فنجان قهوة بسرعة أو تناول وجبة خفيفة على عجل دون أن تُفكر في تأثيرها؟


الازدحام المروري بالجزائر العاصمة

"السركالة".. الجزائريون عالقون في ازدحام الطرقات ...متى ستتنفس العاصمة؟

"السركالة" كلمة تتردّد كثيرا على ألسنة الجزائريين، إذ أصبحت رمزًا لمُعاناة المرور اليومية التي تستنزف الوقت والأعصاب وحتّى العُمر. لقد تحوّلت أبسط التنقلات، من المنزل إلى مكان العمل، إلى أكبر التحديات اليومية، وعند الوصول، يبقى السؤال الأكبر في الذهن: كيف سأعود إلى البيت؟

سفينة كورسيكا
أخبار

احتجاز سفينة فرنسية في ميناء الجزائر.. ما السبب؟

احتُجزت السفينة الفرنسية "جان نيكولي" التابعة لشركة "كورسيكا" في ميناء الجزائر منذ وصولها صباح 12 نوفمبر، وفق ما نقلته الصحيفة البحرية المتخصصة "لومارين" وتتولى مصالح الملاحة البحرية الجزائرية إجراءات الاحتفاظ بالسفينة، دون الكشف عن أسباب القرار حتى الآن.

حسين داي
أخبار

انهيار بناية في حسين داي.. السلطات توجّه أصابع الاتهام لصاحب ترقية عقارية

وجهت مصالح ولاية الجزائر أصابع الاتهام نحو صاحب ترقية عقارية خاصة ببلدية حسين داي، بعد انهيار نصف بناية مكونة من طابق أرضي وأربعة طوابق حيث انهارت أربعة طوابق من الجزء الأيمن للبناية بشكل كامل.


الكلاب الضالة
أخبار

وزارة الفلاحة توقف نهائيًا عمليات قتل الحيوانات الضالة في الجزائر

أعلنت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، عن الوقف الفوري والنهائي لجميع حملات قتل الحيوانات الضالة عبر بلديات الوطن، مؤكدة أن هذا القرار يأتي في إطار صلاحياتها القانونية ومسؤوليتها المباشرة عن صحة الحيوانات ورفاهيتها، وفق التشريعات والتنظيمات المعمول بها.

يحيى مداح
أخبار

أدين في عدة قضايا.. ترحيل جزائري ملاحق منذ 15 سنة في كندا وأميركا

رحّلت السلطات الكندية، مساء الخميس، الجزائري يحيى مداح إلى الجزائر بعد أن خسر آخر محاولة قانونية لمنع ترحيله، في قضية تمتد جذورها لأكثر من 15 سنة وتخللتها ملاحقات قضائية واتهامات أمنية وسياسية معقدة.

الأكثر قراءة

1
أخبار

"لا نطلب فضلًا بل عدالة".. عائلة شريف ملال تطالب السلطات بالإفراج عنه


2
ثقافة وفنون

بقّار حدّة.. صوتُ الأوراس الرّيفيّ الّذي انطفأ وحيدًا


3
أخبار

الصين تشدد الرقابة على تصدير السيارات المستعملة والجديدة.. هل سترتفع الأسعار في الجزائر؟


4
أخبار

خبرة ثالثة تُقرر مصير الأطباء المتهمين في وفاة مريضة بالمسيلة


5
منوعات

مرفأ الغزوات غرب الجزائر.. معقل السردين ورصيف يربط بين الجزائر وإيطاليا