31-أكتوبر-2022

محامون جزائريون أمام المحكمة (الصورة: الترا جزائر)

رغم الإصلاحات المتتالية التي أجرتها الحكومة على قطاع العدالة، ومراجعة كثير من القوانين وتعديلها بهدف الرفع من فعالية الأحكام القضائية وتحقيقها العدل المرجو من المتقاضين، إلا أن أرقام  الطعون المقدمة أمام المحكمة العليا تبقى مرتفعة في الجزائر، بعد أن قاربت العام الماضي 78 ألف طعن، وهو ما يعيد التساؤل حول أسباب بقاء هذه الظاهرة في القضاء الجزائري رغم الجهود التي بذلت من قبل المشرعين.

يضاعف ارتفاع عدد الطعون المقدمة في القضاء الجزائري من ضغط العمل الملقى على القضاة

ورغم أن الطعن في الأحكام حقّ قانوني للمتقاضين، إلا أن الأرقام المسجلة تظل حسب مختصين مرتفعة، وبالخصوص في ظل العدد المحدود للقضاة العاملين بالمحكمة العليا.

ارتفاع عدد الطعون

أعلن الرئيس الأول للمحكمة العليا الطاهر ماموني خلال افتتاح السنة القضائية الجديدة ارتفاعًا في عدد الطعون المقدمة للمحكمة العليا بعد أن بلغت العام الماضي 77988 طعن ما بين مدني وجزائي، بعد ما كان هذا الرقم متوقفًا في 2020 عند 64041 طعن.

وبرر ماموني ما أسماه "الزيادة المعتبرة" لنشاط المحكمة العليا بعدد القضاة المشكلين للغرف والأقسام، قائلًا في هذا الإطار إن نسبة الفصل في الطعون "جد معقولة بالنظر إلى التذبذب في تعداد القضاة".

وأشار إلى أن عدد القضاة الذين غادروا المحكمة العليا بلغ "200 قاض كلهم من ذوي الخبرة والدراية بالعمل القضائي، مقابل تعويضهم بـ55 قاضٍ من زملائهم الجدد الذين يتطلبون فترة تأهيل وتكوين لمباشرة مهامهم".

وكان وزير العدل السابق  بلقاسم زغماتي قد صرح في  آذار/مارس 2021 أن معدل القضايا الجزائية المطعون فيها بالنقض يمثل خمس القضايا المفصول فيها، وأشار زغماتي وقتها إلى أن إحصائيات سنوات 2018 و2019 و2020 أظهرت أن الطعون تمثل 20.99 بالمائة من القضايا الجزائية المحكوم فيها.

ولفت زغماتي وقتها إلى أن الوضع نفسه تعرفه المسائل المدنية، إذ تظهر إحصائيات الفترة ذاتها أن 15.11 بالمائة من القضايا المدنية تم الطعن فيها بالنقض، وهي نسبة "عالية أيضًا" بالنظر للوقت الذي تستغرقه معالجة القضايا المدنية.

وقال القاضي السابق خميسي عثامنية لـ"الترا جزائر"، إن هذا العدد العالي من الطعون يؤكد حقيقة واحدة، وهي أن المتقاضين عدم مقتنعين بالحكم الصادر عن العدالة، لذلك يجب البحث في أسباب عدم الاقتناع، لأنه من الواجب على العدالة إقناع المتقاضين بأحكامها حتى لا يتم اللجوء إلى النقض.

تأثير سلبي

يضاعف ارتفاع عدد الطعون المقدمة في القضاء الجزائري من ضغط العمل الملقى على القضاة، وبالخصوص التابعين للمحكمة العليا، وهو ما يؤثر سلبًا على جهود تحسين نوعية القرارات القضائية سواء في المادة الجزائية أو المدنية، وفق وزير العدل السابق بلقاسم زغماتي .

وقال زغماتي إنه "مهما بلغت درجة احترافية أطراف الخصومة المدنية أو الجزائية في التحكم في تقنيات الطعن بالنقض، تبقى الجهات القضائية العليا ترزح تحت وطء العدد الهائل من الطعون".

وأدى  العدد الهائل من  الطعون إلى صعوبة الفصل في القضايا في آجال معقولة، وهو ما يقوض العمل المنجز لتحسين نوعية القارات المتخذة.

وهنا يشير القاضي السابق خميسي عثامنية إلى أن هذا الوضع المتمثل في كثرة الطعون يؤدّي إلى التأخّر في الفضل في بعض القضايا لمدة تصل أحيانا إلى 20 سنة، وهي مدة قد تجعل القرار الصادر حينها يفتقد للجدوى، بالنظر إلى أن الأحداث تقادمت وتجاوزها الزمن، وتغيرت الظروف.

ويبين القاضي عثامنية أنه من المفروض أن يتم فض النزاعات على مستوى الدرجات الأولى للمحاكم دون الوصول إلى المحكمة العليا التي يتم اللجوء إليها لما يكون الحكم يتضمن عدة قراءات وتأويلات، فتتدخل حينها المحكمة العليا كاجتهاد قانوني توضحه لجميع القضاة بنشره للاستفادة منه ووضع حد لأي لبس، أما الأحكام الواضحة والمتفق عليها فلا حاجة فيها للمحكمة العليا.

وأشار إلى أنه من المفروض أن يحدد المشرع الجزائري القضايا المسموح الطعن فيها، ويلغي هذا الإجراء القضائي في بعض المسائل والملفات كما هو معمول به في عدة دول من العالم.

إجراءات

يرى خميسي عثامنية أن الحل للتقليل من عدد الطعون المقدمة للمحكمة العليا يكمن في العمل على استخدام طرق بديلة ومدعمة وفعالة دون الذهاب للقضاء لحل النزاعات، مثلما هو الحال في المعاملات التجارية وقضايا الأحوال الشخصية التي يمكن حلها دون التقاضي أو الوصول إلى النقض في الأحكام ، بالنظر إلى وضوح القرارات التي يجب أن تتخذ في كثير من المسائل المتعلقة بها.

كما يشدّد القاضي السابق على ضرورة تدخل المشرع لمنع الطعن في بعض القضايا، مبينا أن هذه الإجراءات التي يجب اتخاذها تكون بفتح ورشة شاملة تدرس ظاهرة الطعون الكثيرة المقدمة أمام المحكمة العليا.

أما الرئيس الأول للمحكمة العليا الطاهر ماموني فتحدث عن جهود تبذل في سبيل إيجاد الحلول الإجرائية الناجعة للرفع من مستوى الفصل تماشيا مع رقمنة العمل القضائي.

وقال ماموني إنه تم الشروع في "ضبط نماذج عدة قرارات من حيث الشكل والمضمون عملا بما هو محدد في قانوني الإجراءات المدنية والجزائية مع إعطاء الأولوية للفصل في قضايا المحبوسين والقضايا الخاصة, سيما تلك المتعلقة بالفساد والمساس بركائز الاقتصاد الوطني التي تتطلب الإسراع في الفصل, حيث تتراوح مدة جدولتها والفصل فيها من شهر إلى أربعة أشهر كحد أقصى".

استقلالية القضاء وتوفير الموارد البشرية اللازمة من شأنه أن يقلل من كثرة الطعون

من المؤكد أن التقليل من كثرة الطعون أمام المحكمة العليا لن يكون بين عشية وضحاها، لكن من المؤكد أن تدعيم استقلالية القضاء وتوفير الموارد البشرية اللازمة كمًا وكيفًا من شأنها المساهمة في هذه الاستقلالية وفي دعم النظر في القضايا بالشكل اللازم التي تساعد في إصدار أحكام تحمل الإقناع اللازم الذي لا يستدعي النقض في مضمونها أو شكلها.