قرّرت الحكومة تعليق عروض بيع ممتلكات مصادرة من رجال أعمال ومسؤولين سابقين أدينوا في قضايا فساد واستغلال نفوذ وتلقي رشاوي، فيما تواصل بذل جهود مضنية لاسترجاع الموجودات المهرّبة للخارج في إطار مصادرة الممتلكات المنهوبة.
هناك من حاول تقديم عروض أقلّ من الإعلان الافتتاحي على أمل الحصول عليها بسعر منخفض في مزايدات مستقبلية
هذه الممتلكات التي تشمل مختلف الشقق والإقامات الفاخرة والسكنات الفخمة، بالإضافة إلى محلات تجارية موزّعة على عدة ولايات، تمّ عرضها للبيع خلال العام الجاري، إذ لم تحقّق ما كانت السلطات تأمله من عائدات، مما دفعها إلى توقيف عمليات البيع إلى إشعار آخر.
ونقل مصدر برلماني عن مسؤول حكومي خلال اجتماع للجنة الموازنة بالمجلس الشعبي الوطني؛ ردا على سؤال بخصوص حصيلة بيع العقارات المصادرة والمبالغ المحصلة منها، نقل قوله" لقد كنّا محظوظون في بيع ممتلكات لكن ليس كل ما يشتهيه المرء يدركه، إذ لم نحقق ما كنا نصبوا إليه في عمليات أخرى ''.
وعزا فشل بعض عروض البيع إلى عدم استيفاء العروض المقدمة للشروط المطلوبة من قبل الدولة.
وفي هذا السياق استفيد من مصادر على صلة بالملف بأنّ العقارات السكنية التي تحوز الدولة على حقّ التصرف فيها بعد معركة قضائية التي لم يتحقق بيعها، يعود إلى أنّ بعض المهتمين بشراء بعض العقارات المصادرة، ومنهم بعض السماسرة، اعتقدوا سلفا بأنّ الدولة ستُفرِّط في هذه العقارات بـ"الدينار الرمزي".
وأضافت المصادر ذاتها في إفادة لـ" الترا جزائر" بأنّ هناك من حاول تقديم عروض أقلّ من الإعلان الافتتاحي على أمل الحصول عليها بسعر منخفض في مزايدات مستقبلية، وذلك عن طريق استغلال رغبة الدولة في تحصيل أكبر مدخول مالي.
ومن غير المستبعد دخول عوامل أخرى على الخطّ؛ منها غلاء العروض الحكومية أي طرح عقارات بسعر مرتفع مقارنة بقيمتها الحقيقية أو طرح عدة عقارات جملة واحدة وفي عرض واحد مما يحدّ المنافسة، ويجعلها بذلك مقتصرة على الأغنياء جدا وكبار السماسرة ، يضاف إلى هذه العوامل يمكن إدراج ركود السوق العقاري لوفرة العرض وتردّد المشترين المحتملين في اقتناء عقارات محلّ نزاع قضائي، والخوف من مواجهة أوضاع واجهت مواطنين حصلوا على ممتلكات" الأقدام السوداء"، وهم المستوطنون الفرنسيون الذين عاشوا في الجزائر إبان الحقبة الاستعمارية، حيث عاد بعضهم للمطالبة باسترجاع ممتلكاتهم.
كانت السلطات قد بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تجربة بيع ممتلكات مصادرة، أعقبتها جولات أخرى في كانون الثاني/يناير الماضي؛ شملت العروض سيارات وتجهيزات منزلية شملت غرف نوم وأفرشة وأجهزة منزلية متنوّعة، وفق ما ورد في إعلانات رسمية نشرت عبر الصحف ومواقع إلكترونية تابعة للدولة.
ممتلكات ولد عباس في المزاد
وفي شباط/ فبراير الماضي تمّ طرح عقارين للبيع بولاية تيبازة تعود ملكيتهما لرموز الحكم السابق الذين لم يكشف عن هويتهم.
وتتمثل وفق نص الإعلانات من شقّة سكنية بمنطقة عين تقورايت بولاية تيبازة (غرب الجزائر العاصمة)، تقع بالطابق الثالث مطلة على واجهة البحر، تتكون من أربع غرف قاعة استقبال مطبخ، بهو وحمام وموقف 1 للسيارات مساحته 44 مترا، وفيلا فخمة بمنطقة الشعيبة بالولاية نفسها، مكوّنة من ثلاثة طوابق ومسبح.
وفي ولاية عين تيموشنت تمّ طرح للمزايدة عقارات مبنية تعود إلى الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني ووزير الصحة الأسبق جمال ولد عباس الذي يقضي عقوبة سجن 6 أعوام بتهم تضم" اختلاس وتبديد أموال ضحايا الإرهاب"، و"تحصيل رشاوي من مرشحين للانتخابات البرلمانية في "2017.
وحدد مبلغ افتتاح العروض لمحل حرفي وتجاري بلغت مساحته 298 متر مربع بـ 4.5 مليار سنتيم، ومحلّ آخر معد للاستعمال السكني والتجاري مساحته 1326 متر مربع بـ 11 مليار سنتيم وطرح الشاليه بمبلغ 3.7 مليار سنتيم. وحسب نص إعلان على الصفحة الرسمية لمصالح أملاك الدولة لعين تيموشنت وفي صحف خاصة.
تحويل عقارات ومصانع لملكية الدولة
اهتدت الحكومة وفق مصادر إلى تحويل ملكية عقارات مصادرة إلى قطاعات حكومية منها قطاعات سيادية لاستخدامها كمقرات رسمية. أو لمجموعات عمومية منها القطاع الفندقي.
كما تمّ تحول تجهيزات طبية متطورة، منها أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، تمّ التبرع بها إلى الصيدلية المركزية للمستشفيات، ومستشفى إليزي بجنوب البلاد
وتعمل السلطات على إعادة تشغيل الوحدات الاقتصادية المصادرة، مع التركيز على استئناف الإنتاج والحفاظ على اليد العاملة.
وسبق نائب مدير حوكمة المؤسسات الاقتصادية والصناعية بوزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، جمال غدير، أن صرح الصيف الماضي للإذاعة العمومية، بأنّ "جميع العمليات المسجلة في إطار استرجاع الأملاك المصادرة ستنتهي بنهاية السنة الجارية، حيث ستعرف تسوية نهائية لهذا الملف".
وأضاف غدير أن قطاع الصناعة استفاد بشكل كبير من هذه العملية، حيث تم استرجاع أصول متنوعة، شملت مشاريع متوقفة وأخرى قيد الإنجاز، خصوصًا في مجالات البناء والصناعات الغذائية والميكانيك.
استرجاع الموجودات بالخارج.. ملف ثقيل
خلال الحملة الانتخابية في آب/ أوت الماضي، صرح رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون باسترجاع فندق خمس نجوم في اسبانيا واستمرار الجهود لاستعادة الأموال المجمدة في 755 حسابًا بنكيًا بالخارج، موزعة على 32 دولة.
وفي هذا السياق تبذل سلطات انفاذ القانون الجزائرية مجهودات مضنية وسط إكراهات قانونية وسياسية؛ منها عدم مواكبة النّظام القانوني للممارسات الاحتيالية المستعملة من رموز الفساد لإخفاء الأصول المالية في البنوك والمصارف الأجنبية وتحجّج الدول الغربية بسرية البيانات البنكية أو لوقوع هذه الممتلكات في يد دول لا يمرّ التيار معها بشكل متواتر.
في هذا الإطار، أبرزت القضايا التي رُفعت أمام القضاء السويسري لمصادرة أرصدة وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، وزميله وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب، اللاجئين في الخارج، ورجل الأعمال علي حداد وعبد المؤمن خليفة؛ هذه الصعوبات التي عاشتها دول عديدة في العالم الثالث.