31-يناير-2016

يفسر الطلبة انتشار السرقات العلمية بقلة عدد الأساتذة المؤطرين وإهمالهم (Getty)

يندرج استنساخ مذكرات التخرج الجامعية، سواء رسائل الإجازة أو الماجستير أو حتّى الدكتوراه، ضمن "السرقة العلمية"، واستفحلت الظاهرة في السنوات الأخيرة بشكل مخيف في الجامعات الجزائرية وفي مختلف التخصصات العلمية والأدبية، وساهم التساهل معها في مزيد من تدهور مستوى الطلبة والبحث العلمي.

انتشر استنساخ مذكرات التخرج الجامعية في الجزائر وتحول إلى ظاهرة مخيفة شملت مختلف التخصصات العلمية والأدبية

قدمت هذه السرقات العلمية صورة سلبية عن الجامعة الجزائرية، التي تحتل ذيل الترتيب في تصنيفات أجرتها كبرى الجامعات، على غرار التصنيف السنوي الصادر عن جامعة شنغهاي الصينية، والذي ضمّ خمسمائة جامعة وكان خاليًا من أي جامعة أو معهد عال جزائري، بالإضافة إلى خلو تصنيف "كيو أس" العالمي لعام 2014، من جامعات الجزائر.

وزير التعليم العالي يقلل من حجم الخطر

احتلال الجامعة الجزائرية ذيل الترتيب العالمي، تقابله تبريرات غير مقنعة من المسؤولين في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وعلى رأسهم وزير القطاع الطاهر حجار الذي نفى أن تكون الجامعة الجزائرية تحتل ذيل الترتيب بالنظر إلى ضعف المعايير المعتمدة في هذا التصنيف وكذلك من خلال البحوث والدراسات العلمية القيّمة التي تساهم بها على المستوى العالمي.

بالمقابل صرّح وزير التعليم العالي عبد القادر حجار أن "السرقات العلمية تبقى محدودة وقليلة في الجامعات الجزائرية مقارنة بما تشهده جامعات بعض الدول"، مشيرًا إلى أن "القطاع يبذل جهودًا للقضاء عليها من خلال تكريس إجراءات وقائية وأخرى ردعية من بينها إلزام أصحاب البحوث العلمية بما فيها رسائل الإجازة بإيداعها قبل وبعد مناقشة الأطروحة، إضافة إلى فتح موقع إلكتروني من أجل التعريف بهذه الأبحاث العلمية". 

استحداث نظام رقمي جديد لكبح الظاهرة

في نفس السياق، أوضح حجار، وزير التعليم العالي، أنّه "سيتم تطوير برنامج للإعلام الآلي، بإمكانه رصد السرقات التي تطال الأبحاث العلمية غير أنه يبقى محصورًا في الأعمال المكتوبة باللغة الفرنسية فقط". 

وبقرار من حجار، شرعت وزارة التعليم العالي في تسطير برنامج رقمي فيما يخص الرسائل الجامعية يربط مكتبات الجامعات والمعاهد ببعضها البعض للحدّ من انتشار السرقة العلمية في صفوف الطلبة، إضافة إلى استحداث بطاقة وطنية تمس زهاء ثمانين جامعة وتسع عشرة مدرسة عليا ومعاهد وطنية، حيث يتيح هذا الإجراء تسجيل كافة المذكرات شكلًا ومضمونًا تفاديًا لأي عملية استنساخ قد تحدث من قبل المقبلين على التخرج.

ويأتي هذا القرار بعد سلسلة الفضائح المتمثلة في اكتشاف سرقات علمية كثيرة وإحالة عشرات القضايا على المحاكم منها قضايا أبطالها دكاترة ومسؤولون في الدولة، أمّا طلبة الماجستير فيكفي أن ينتقلوا من جامعتهم إلى جامعة أخرى ويقوموا بعملية النسخ واللصق للرسالة التي تهمهم دون أن ينتبه إليهم المؤطر، وتشكل هذه الطريقة نسبة 80% في الوسط الطلابي.

75 % نسبة السرقات العلمية في الجامعات

قدمت السرقات العلمية صورة سلبية عن الجامعة الجزائرية، التي تحتل ذيل الترتيب في تصنيفات أجرتها كبرى الجامعات في العالم

في ظلّ غياب إحصاءات وأرقام رسمية بخصوص عدد الرسائل الجامعية المستنسخة والبحوث العلمية المسروقة في الجامعات الجزائرية، كشفت دراسة أعدّها الأستاذ الجامعي خالد عبد السلام من جامعة سطيف2، أنّ "نسبة النسخ واللصق للمذكرات والبحوث العلمية في مختلف التخصصات بلغت أزيد من 75%"، وقد وصل الباحث إلى هذه النتيجة بعد إجراء استطلاع مسّ عيّنة مكونة من مائة طالب يدرسون الماجستير والدكتوراه، كما شملت الدراسة سبعة تخصصات بعدة جامعات.

وهذه النسبة المخيفة التي تم التوصل إليها وفق الدراسة عكسها وجود 53 عملًا منقولًا حرفيًا من أصل 70 رسالة، وذلك في الفترة الزمنية بين 2008 و2012. هذا وأوضحت الدراسة أنّ أزيد من 30% من العينة المستجوبة تؤكد أنّ سبب السرقات العلمية يتمثل أساسًا في إهمال المشرفين على مذكرات الطلبة بعدم قراءتها وضعف مناهج وطرق التعليم وكذلك العدد الكبير للمذكرات وقلّة عدد الأساتذة بمعدل مؤطر لكل أربع أفواج أو خمس وكل فوج مكون من طالبين إلى أربعة.

وفي ملتقى وهران الأخير، تبين من خلال متابعة لأعمال الطلبة على مستوى التأطير ومناقشة المذكرات أن 60% من رسائل التخرج في 2013 و2014 سرقت حرفيًا منها أزيد من ثلاث مطبوعات.

فضائح أبطالها طلبة وأساتذة

على سبيل المثال، حسب تقارير صحفية، قامت طالبتان تدرسان اختصاص الهندسة الميكانيكية بجامعة عبد الرحمان ميرة ببجاية بالتواطؤ مع بعض الأساتذة المشرفين عليهما من خلال نسخ وترجمة مذكرة مكتوبة بالفرنسية إلى اللغة العربية، وكشفت تحقيقات عميد الجامعة أنّ المشرفين على رسالة الماجستير كانوا على علم لكنهم تستروا على ذلك.

وفي حادثة أخرى تورط طلبة بجامعة باتنة شرق الجزائر، بنسخ كلّي لمضمون مذكرات ماجستير، لكن بعد عرضها على اللجنة العلمية تمّ، بعد التمحيص والفحص، اكتشاف أنّ المذكرات المنجزة معلوماتها منقولة حرفيًا من رسائل ماجستير أخرى.

ويرجع الباحث والأستاذ الجامعي مولود عويمر أسباب تدهور مذكرات التخرج والتعليم الجامعي بشكل عام، في لقاء مع "الترا صوت"، إلى "المدرسة أو الجامعة التي تربي الطالب على تحصيل العلم بالتلقين الممل"، مشيرًا أنّ بعض القوانين لا تساهم بدورها في تطوير البحث العلمي مع إهمال الأساتذة لهذا الجانب إلا في حالات الضرورة، لذلك انعكس هذا الوضع على فئة الطلبة، لأنّ الأستاذ، حسبه، لم يعد قادرًا على صناعة طالب باحث وأنّ جزءًا من المسؤولية يتحملها الطالب الذي لا يبذل جهدًا إضافيًا.

وفي ردّه على إجراءات وزارة التعليم العالي والهيئات القضائية بخصوص استنساخ الرسائل الجامعية أجاب: "تكاد لا تطرح هذه المسألة إلا من حين لآخر على صفحات الإعلام، لأنّ المسألة أخلاقية قبل أن تكون قانونية وعدم معاقبة لصوص الرسائل الجامعية يعفّن مجال البحث العلمي".

شعار الأساتذة: "بضاعتنا ويجب أن تردّ إلينا"

من جهته يعتقد، عمار بن طوبال، دكتور بجامعة جيجل، أن "ظاهرة استنساخ الرسائل ليست جديدة، لكنها صارت أكثر وضوحًا، بل صارت تقليدًا في الجامعة الجزائرية"، ويشير لـ"الترا صوت": "الطالب الذي يتعلم منذ السنة الأولى بأنّ البحث يعني أن تسلخ صفحات من كتاب، وتجمعها إلى بعضها البعض، لن يتعلم شيئًا، إنه يعجز عن تأليف صفحة". واتهم الأساتذة باعتمادهم في التقييم على مقولة: "بضاعتنا ويجب أن ترد إلينا".

في السياق ذاته، يرى بن طوبال أنّ المشكلة تتجاوز انعدام الضمير العلمي والأخلاقي للطلبة والأساتذة الذين يتخذون من "النسخ واللصق"، وسيلة لإنجاز بحوثهم ورسائلهم الجامعية، إلى مشكلة تكمن في صميم طرائق التدريس داخل الجامعة الجزائرية. مؤكدًا أنّ هذا العجز عن الكتابة يشكل سببا وراء انتشار ظاهرة النسخ واللصق، حيث أغلب الأساتذة أثناء مناقشة المذكرات، يجدون تلك السرقات لكنهم لا يتخذون أي إجراء، إلا نادرًا مما يدل على أن المشكلة ليست في الطالب، رغم أنه يتحمل الكثير من المسؤولية الأخلاقية لكن في الأستاذ الذي لا يقوم بعمله".

وبخصوص الإجراءات التي اتخذتها الجامعة للحدّ من تنامي الظاهرة، يرى بن طوبال أن "المشكل الأساسي في تطبيقها"، فحسبه "اللجان العلمية ولجان المناقشة لا تقوم بدورها"، معتبرًا أنّ هذه التصرفات تسهم في التواطؤ والتعاون على نشر الرداءة داخل الوسط الجامعي، لأن حجم السرقات، وفي حالة تطبيق المعايير بدقة، سيؤدي إلى تعريض أساتذة بلغوا "أعلى المراتب العلمية" إلى فضيحة كبرى.

من الجاني ومن الضحية؟

يفسر الطلبة انتشار السرقات العلمية بقلة عدد الأساتذة المؤطرين وإهمالهم في الإشراف على مذكرات الطلبة إضافة إلى ضعف المناهج التعليمية

"وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المسؤول الأولّ عن الكارثة"، هكذا يردّ الطلبة على متهميهم بالسرقات العلمية، حيث يؤكد "فاتح. س"، طالب ماجستير بكلية الآداب واللغات بجامعة الجزائر، أنّ "سبب لجوء الطلبة إلى النسخ واللصق في رسائل التخرج يعود أساسًا إلى نقص الكتب والمراجع داخل المكتبات الجامعية، وكذلك ضعف التوجيه من طرف الأساتذة المشرفين على المتخرجين"، مشيرًا أنّ "الطالب ينتظر أحيانًا في طابور لأزيد من ساعتين أو ثلاث بغية الحصول على كتاب يساعده في بحثه، لكن يجيبه المكتبي أن لا يوجد هذا الكتاب أو أخذه طلبة آخرون، وبالتالي ييأس من البحث ويفكر في الاعتماد على مذكرة معينة تشبه أو تتطابق مع بحثه".

أمّا سعاد، متحصلة على شهادة ماجستير في الإعلام الآلي، فترجع الأسباب إلى "كثرة رسائل التخرج وتفكير الطلبة الذين يعتبرون أنّ مذكرات التخرج شرفية لا أكثر خاصة وأنها لا تصحح من قبل الأساتذة المشرفين وبالتالي استشرى المفهوم الخاطئ لكن تتهم الوزارة المعنية بعدم تطبيق القوانين وعدم تسطير برامج علمية في هذا الإطار للحد من الظاهرة".

مع تواصل الغموض بشأن العدد الحقيقي للرسائل الجامعية المستنسخة، يرى المدير السابق للبرنامج الوطني للبحث والرئيس الحالي لفرع الدكتوراه "أل أم دي" محمود إبراقن أنّ "نسبة نسخ ولصق مذكرات التخرج تتعدى 60%، وساهمت في ارتفاعها الإنترنت، كما أنّ الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة لا يمكنه لوحده أن يحمي هذه الرسائل خاصة أمام غياب دور فعال للوزارة الوصية في هذا النوع من السرقات". وأضاف إبراقن لـ"الترا صوت": "الوزارة المسؤولة اليوم أقحمت في السياسة ما جعلها تحيد عن هدفها وتهتم بأمور غير علمية".

في المقابل يقول عبد المالك رحماني، المنسق الوطني للمجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي، لـ"الترا صوت": "لا وجود لسرقات علمية في شكل استنساخ مذكرات التخرج، وهي ليست سرقات بأتمّ معنى الكلمة باعتبار أنّ الطلبة يجهلون، معظمهم، تقنيات ومنهجيات البحث وخطؤهم أساسًا يكمن في عدم الإشارة إلى المصدر لا أكثر".

اقرأ/ي أيضًا: 

المكتبات الجامعية في الجزائر.. منتهية الصلاحية

الدروس الخصوصية تجارة مربحة في الجزائر