12-مارس-2020

السلطة مستمرّة في اعتقال الصحافيين (تصوير: بشير رمزي/الأناضول)

تتجدّد عمليات توقيف الصحافيين في مسيرات الحراك الشعبي، والمظاهرات المصاحبة له خلال يومي السبت والثلاثاء، وتتجدّد معها التساؤلات المتعلّقة بمدى مصداقية التصريحات التي تطلقها السّلطة الفعلية في البلاد، حيال تمكين الإعلام من ممارسة حرّية التعبير، منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى قصر الرئاسة بالمرادية.

باتت مظاهرات الحراك الشعبي مزعجة للسلطة الفعلية للبلاد

تتعلّق التساؤلات أيضًا، بحدود ممارسة المهنة الصحافية، في ظلّ الحراك الشعبي، وتوفير شروط تُتيح للمواطن خدمة عمومية ونقل انشغالاته من جهة، وتمكّن الصحافي من التعاطي مع الرّاهن السياسي والاجتماعي وتتبّع الأحداث بالرأي والرأي الآخر، على قدر المساواة في المنابر الإعلامية من جهة أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: صحافيون يطالبون بإنهاء معاناة زملائهم في السجون

المعلومة نعم والحقيقة لا

باتت مظاهرات الحراك الشعبي مزعجة للسلطة الفعلية للبلاد، من بوابة التغطية الإعلامية، التي ظلّت في الأسابيع الأخيرة "باهتة"، خاصّة عبر القنوات التلفزيونية، التي انخرطت في "خطّة السلطة" في تجاهل أصوات الآلاف الذين يخرجون كل أسبوع، خاصّة مع توسّع القمع ضدّ المتظاهرين.

هنا، يقول الناشط الحقوقي فريد بوزيدي لـ "الترا جزائر"، أنّ مواقع التواصل الاجتماعي مكّنت من نقل الحقيقة، أو جزءًا من الحقيقة التي غُيّبت من نشرات الأخبار وحتى من تغطيات الصحافة المكتوبة.

 يبدو، بحسب بعض مهنيي القطاع في تصريحات متفرقة لـ "الترا جزائر"، أنّ وسائل الإعلام الثقيلة اتخذت مواقف تجاه المسيرات بناءً على إملاءات فوقية، حيث تعاملت معها السلطة في حوارها "الأحادي والانتقائي لوسائل الإعلام في لقاءات الرئيس الدورية"، مقابل رفضها الاستجابة لأصوات الشارع، بما فيها المطالبة بحرّية التعبير ورفض تجريم الصحافة، وهو الشعار الذي رفعه العشرات من الصحافيين منذ بدء الحراك الشعبي في الـ 22 شبّاط/فيفري الماضي، إلى غاية الاعتقالات التي تعرّض لها بعضهم خلال تغطيتهم للمسيرات.

وفي هذه النقطة، يتساءل الناشط بوزيدي، حول ما يطرحه الشارع من المطالب التي دعا إليها العشرات من الصحافيين، من بينها رفع القيود على الصحافة والإعلام بشكلٍ عام، منذ بدء الحراك الشعبي قبل أكثر من سنة، فكيف للصحافيين ممارسة حرّية التعبير من دون نقل حقائق موجودة في الشارع؟

تصاعد التضييق على الإعلام، أصبح لافتًا في المرحلة ما بعد تولّي الرئيس تبّون الحكم، التي تتعدّى الآن الثلاثة أشهر، إذ رغم تصريحاته حول الحراك الشعبي إلا أنّ سلطة القانون والعدالة تنحوا نحو "استخدام أسباب بعيدة عن الممارسة المهنية اليومية، والحقّ في المعلومة، بهدف "تكميم أفواه الصحافيين عن طريق تهم مختلفة، حتّى لا تقع في خانة تجريم مهنة الصحافي، الذي كان يغطّي الحراك بالصوت والصورة، طيلة سنة كاملة بهاتفه النقال".

ملاحقة الصحافيين

على الأرض، تطرح متابعات عديد الصحافيين، عدّة تساؤلات من أمثال قضية التضييق على الصحافي خالد درارني مدير موقع "قصبة تريبون"، ومراسل منظمة "مراسلون بلا حدود"، الذي قضى ثلاث ليالي في الحبس تحت النّظر، إلى أن أمر قاضي التحقيق الإفراج عنه الثلاثاء 10 آذار/مارس، ووضعه تحت الرقابة القضائية، حسب محامي الدفاع، بتهمة التحريض على التجمهر والمساس بالوحدة الوطنية، وأيضًا قضية مراسل قناة "الميادين" بتهمة إدخال معدّات البثّ المباشر دون ترخيص ولا جمركة، وهي قضية لازالت غامضة دون أن يخضع للمحاكمة، وقد  حاول وزير العدل بلقاسم زغماتي، أن ينفي وجود صحافيين متابعين بسبب عملهم الصحافي، مبرّرًا ذلك، بأنهم متابعون بسبب مخالفة القانون العام.

تناقض ومفارقة

هي حالات لممارسي المهنة الصحافية أثناء الحراك الشعبي، ومختلف الاحتجاجات، التي تنقلها عديد وسائل الإعلام في زمن المنابر المفتوحة، غير أن الملاحظ، هو أن ثمّة تناقض بين الخطاب الرسمي للرئيس تبون والحكومة، بشأن الحرّيات الإعلامية ورفع الضغوطات والقيود على ممارسة الصحافة في الجزائر، إذ بات هذا التناقض صورة من صور الممارسات التي انتهجها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وهو الذي سلّط مطرقة المتابعات القضائية، على رقاب الصحافيين من المعارضين لسياسته أو المخالفين لما هو ممارس اليوم في قاعات التحرير الإعلامية وغرف الأخبار، وبين سندان منافذ الإشهار العمومي وحتى الإعلانات التي تجود بها المؤسسات الخاصة على المؤسسات الإعلامية.

بعد شهر من إجراء الانتخابات في الـ 12 كانون الأوّل/ديسمبر 2019، صرح وزير الاتصال والناطق الرسمي للحكومة عمار بلحيمر، على التزامات الرئيس تبّون، فيما يتعلّق بحرّية التعبير والإعلام، معيدًا ما تشدّق به الرئيس خلال حملته الانتخابية وعقب إعلان فوزه بمنصب رئيس الجمهورية، وفي كلّ لقاءاته مع مسؤولي المؤسّسات الإعلامية.

غير أن الواقع يراه الكثيرون من مهنيي القطاع يختلف في الميدان والممارسة الفعلية، إذ باتت " عمليات التضييق والتأطير على الأخبار التي تنشر أو تبث عملية يومية، والدليل حسب عددي النشطاء الإعلاميين في الحراك الشعبي، أن الأخير لم يعد مادّة إعلامية يتم التطرق إليها في المواعيد الإخبارية، إلا فيما تعلّق بتوجيه "عبارات استجابة السلطة لمطالب الحراكيين".

وبالرجوع إلى تصريحات المسؤولين، سبق لوزير العدل زغماتي، أن أقرّ على هامش لقاء وزير الاتصال بنقابات قطاع الإعلام، أنّ السلطة ذاهبة نحو التأسيس لما أسماه "أسس سلطة رابعة مستقلة وحرّة في جزائر جديدة"، في مقابل مواصلة التضييق خلال الأسابيع الأخيرة، على إعلاميين في شتّى المواقع الإلكترونية، ممن كانوا شهود عيان على الحراك الشعبي ونقل تفاصيله، وهو ما أدخل المهنيين في مرحلة "ضغط رهيب في ممارسة المهنة أو إبداء مواقف إيجابية عن مطالب المتظاهرين، والتنديد بممارسة القمع الذي ارتفع منسوبة مؤخّرًا، مثلما يتعرّض له لليوم رئيس تحرير يومية "لوبروفنسال" من ولاية عنابة، الصحافي مصطفى بن جامع.

الصحافة المستقلّة

حالات الاعتقالات والضغط على بعض الأسماء الصحافية في الحراك الشعبي، من شأنها أن تأخذ منحى آخر، مقارنة بالوعود التي قدّمها الرئيس تبون في كذا مرّة حيال مناقشة وضع الإعلام في الجزائر، وتقنين عمل المواقع الإلكترونية، وهي الوعود التي يُمكن أن تنعكس سلبًا على وضعية القطاع عمومًا، إذ سبق أن شهدت فترة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حملة من الضغط على الإعلاميين، وعلى المؤسّسات الصحافية، وتدجين مختلف المنابر الإعلامية في صفّ الأحادية الإعلامية، في زمن التعددية المؤسّساتية لهذا القطاع.

نحن اليوم أمام فرصة ترميم القطاع بما هو موجود وتحسين الآداء الصحافي في المجال الإعلامي

الاعتقاد السائد لدى قطاع واسع من مهنيي الإعلام في الجزائر، أنّ السّلطة أمامها فرصة للتعامل مع الإعلام بنيّة جدّية لإصلاح القطاع، وتقنين ممارساته اليومية، خاصّة وأن القطاع تحرّر منذ إرساء دستور 1989، مع التعدّدية السياسية والانفتاح الحزبي والنقابي، وما أفرزه من تعدّد المنابر الصحافية التي وُلدت من رحم الصحافة العمومية، وبرزت عقب ذلك صحافة خاصّة بلسان عربي وفرنسي، غير أن المسارات كانت عسيرة في ظلّ الأزمة الأمنية، وتغيرت الأمور، بل وتعقدّت مع التطوّر التكنولوجي الذي يمنح المساحات والفضاءات نحو انتشار المعلومات والصور والفيديوهات، وبالتالي نحن اليوم أمام فرصة ترميم القطاع بما هو موجود وتحسين الآداء الصحافي في المجال الإعلامي، أو مواجهة حقيقة إهدار جهود الصحافة المستقلّة، خلال ثلاثة عقود الأخيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إيداع صحافي بولاية الوادي الحبس المؤقّت بسبب تصوير "حراك البطّالين"

هل تلقّى المرشّح بن قرينة إنذارًا بسبب الصلاة في الطريق العام؟