16-نوفمبر-2021

(تصوير: بلال بن سالم/أ.ف.ب)

أبانت الحملة الانتخابية التي تسبق الانتخابات البلدية والولائية في الجزائر المقررة في الـ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بروزًا كبيرًا لظاهرة التّجوال السياسي والانتقال الحزبي بين كيانات سياسية مختلفة، وانشغال الأحزاب السياسية بالاستقطاب العشوائى للمترشّحين.

السكرتير السابق لجبهة القوى الاشتراكية ناضل تحت غطاء حزب محسوب عل أكبر كيان سياسي معارض في الجزائر وترشّح مؤخرًا في حزب موالٍ للسلطة 

تُثير الانتخابات المحليّة في الجزائر الكثير من الجدل، خاصّة وأنّها تأتي في فترة حساسة تشهد تحوّلات كبيرة على الصعيد السياسي في البلاد، وظهور مرشّحين سياسيين فضّلوا مغادرة أحزابهم إلى أحزاب أخرى تختلف أديولوجيًا مع توجّهاتهم السابقة، مما استدعى تشريع قوانين تمنع ما سمي بـ "التجوال السياسي".

اقرأ/ي أيضًا: "حرب" التّوقيعات.. رِهان الانتخابات المحلية في الجزائر

تفويض وقوائم

يبدو أن الحملة الانتخابية عرّت عدّة فراغات تعرفها بعض الأحزاب السياسية في البلاد، في ضبط كيانها كمكّون سياسي يناضل من أجل أفكار ومبادئ وتعزيز الفعل الميداني، من خلال التنمية والدفاع عن حقوق ومسارات سياسية واجتماعية، وهو ما حوَّل الأحزاب إلى هياكل سياسية لديها اعتماد ومجرّد سجِّل للتّفويض الانتخابي أكثر منه من محضن للتكّوين السياسي للشباب والقيادات والمناضلين.

كما تُعطي هذه المعطيات حسب بعض المتابعين للفعل السياسي في الجزائر، أن ذلك يعتبر مؤشرًا على فراغ رهيب في القاعدة الحزبية للكيانات السياسية من أحزاب حتى تلك التي تضف نفسها بـ"الكبرى" وذات الوجود القديم في الساحة السياسية".

حدث من خلال الحملة الانتخابية الحالية، أن بعض الأحزاب قامت باستقطاب وملء القوائم الانتخابية، تحسبًا للمنافسة الانتخابية، حيث لوحظ أن كثيرًا من هذه الأحزاب لا تملك مكاتب بلدية وليس لها مكاتب ولائية ولا مكاتب يمكن لها أن تكون مجمعًا لتأطير المرشحين.

اللاّفت للانتباه، أن الانتخابات المحليّة قذفت حقيقة "مرّة" كما وصفها الناشط السياسي الحقوقي فريد زرفاوي، إذ قال إنّ بعض الأحزاب السياسية قبلت بمعادلة اللّعبة الحالية في الانتخابات التي جاءت سريعة مع إعادة النظر في القانون الانتخابي الجديد، إذ يكون الانتخاب على الأشخاص وليس على القائمة، من جهة، فضلًا عن عملية جمع التوقيعات التي كانت صعبة لتحديد الملفات التي من شأنها أن تخوض المنافسة الانتخابية، من جهة أخرى، على حدّ تعبيره.

هذه الخطوات التي سبقت الحملة الانتخابية، جعلت من الأحزاب تقبل بإجراءات انتخابية، واستصدار القوائم وتشكيلها بالطلب وليس بالعرض، أي على حساب السّوابق النضالية للمرشحين.

وأضاف زرفاوي في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن الأحزاب وقعت في فخّ التسرع وتقديم القوائم ووضع أسماء لا علاقة لها بالنضال السياسي داخل الحزب نفسه، أو حتى لبعض الأسماء التي لم يكن لها سابقة في العمل السياسي في الميدان أو حتى ليس لها علاقة بالحزب وأديباته، على حدّ تعبيره.

يتوافق هذا الطرح في تفسير بعض المرشحين من طرف بعض الأحزاب السياسية، وتحت غطاء كيانات، غير أنها في السابق لم يكن لها نضال جمعوي لم تنخرط في العمل السياسي أو حتى لديها انتماء فكري أو أيديولوجي مع الحزب، بل هناك من ترشّح لأجل كسب غطاء سياسي بغية دخول المنافسة الانتخابية، وكونه غطاء انتخابي مؤقّت لا غير.

المثير للملاحظة أيضا هو الزوبعة التي أحدثها السكرتير السابق لجبهة القوى الاشتراكية محمد حاج جيلاني، إذ ناضل تحت غطاء حزب محسوب عل أكبر كيان سياسي معارض في الجزائر، وترشّح مؤخرًا في حزب موالٍ للسلطة السياسية تحت مظلة جبهة التحرير الوطني، وهو ما يُثير ظاهرة أخرى، أن بعض المرشّحين لهم مواقف سياسية ومتناقضة تمامًا مع الأحزاب التي ترشّح فيها.

ورغم المبرّرات التي قدمها المرشح حاج جيلاني في إفادات إعلامية أدلى بها أنه تحالف مع جبهة التحرير الوطني وقدّم ترشحًا بالتنسيق بين قائمة مستقلة وجبهة التحرير تحت غطاء الأخيرة، إلا أنّ صفته القيادية السابقة في أكبر أحزاب المعارضة السياسية في الساحة السياسية الجزائرية وترشّحه في جبهة التحرير وانتقاله من النقيض إلى النقيض يطرح أكثر من سؤال.

وأثار هذا الترشّح المزيد من النِّقاش حول الهوية الحِزبية وعلاقتها المناضلين بها، خاصّة وإن أجزمنا أن الأحزاب باعتبارها كيانات سياسية هي "وليدة الديمقراطية"، تهدف إلى إرسال رسائل سياسية قوامها البرامج ترغب في كسب الدعم الشعبي.

قبول الترشيحات

لم تخف بعض الأحزاب استقطابها لمرشحين غير مناضلين في صفوفها، إذ قال رئيس "حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة في أحد التجمّعات الشعبية في إطار الحملة الانتخابية، أن "تشكيلته السياسية رشّحت في قوائمها للانتخابات شخصيات لها مسار أكاديمي ومتخرجة من الجامعات الجزائرية فضلا عن متقاعدين وأصحاب خبرة ومن فئة الشباب أيضًا "بهدف ضخّ دماء جديدة في التّسيير المحلي.

وشدد في هذا المضمار بالقول:" لا نؤمن بصراع الأجيال ونحن في الحركة نتسابق على خدمة المواطن ومشروع الحركة"، وتابع: "قوائم حركة البناء أعدت من قبل سكان الولايات، لم نرشح أحدًا بالشّكارة أي بالمال ولن نأخذ أصوات بالزيت والسميد"، في إشارة منه إلى تقديم المؤونة للبضع من أجل نيل أصواتهم وحصد المراتب الأولى في البلديات، خاصّة مع غلاء أسعار المواد الغذائية الأساسية وندرتها أيضا.

حتىّ حركة مجتمع السلم ومن خلال تصريحات رئيسها عبد الرزاق مقري، هي الأخرى تشبثت بكونها تملك خزانًا سياسيًا من المناضلين في بيت الحركة، دون أن ينف انضمام مرشحين إليها في الربع الساعة الأخير من الانتخابات، إذ أشار مقري في أحد التجمعات الشعبية بالقول: ّ" أتيناكم في هذه الانتخابات بالرجال والبرامج، قادة صنعهم النضال والصبر والتكوين على القيم، وبمرشحين جاؤوا إلى حركتنا مؤمنين ببرنامجها وقيمها، فنحن سعداء بهم".

وبناء على ما سبق، فإن " التّجوال السياسي"، و"ركوب موجة الانتخابات" تحت غطاء حزب معترف به، هو صورة من صور الحملة الانتخابية الحالية، وهنا يُطرح سؤال مهم مفاده هل يتفاعل المرشحون من هذه النوعية مع تطلعات وطموحات الشعب؟ 

من التشريعيات إلى المحليات

وفق ذلك، أقدم مرشحون حاليون للمجالس المحلية، سبق وأن تمّ انتخابهم تحت لون سياسي في المحليات الأخيرة في 2017، ليقفزوا هذه المرة إلى أحزاب سياسية أخرى والترشح باسمها، وهو ما يراه أستاذ العلوم السياسية فريد آيت حمي أنه تخلي عن التزام حقيقي مع حزب ومع مواطنين.

وأشار آيت حمي في إفادته لـ "الترا جزائر" إلى أنّ "ركوب الموجة السياسية والحزبية أصبحت ظاهرة في الانتخابات في الجزائر، لافتًا إلى أن هناك وجوه ترشّحت في الانتخابات البرلمانية السابقة ولم تظفر بمقعد فتحوّلت إلى أحزاب أخرى في الانتخابات المنتظرة هذا الشهر.

وحول هذه الظاهرة قال المتحدث، إن ذلك راجع إلى عدة معطيات وأسباب أهمها أن الحزب ككيان لم يعد يؤطّر المناضلين، بل بات محلّ استغلال للتفويضات والترشيحات، على حدّ تعبيره.

 وشرح في هذا الإطار، أن الأحزاب هي مؤسسات سياسية لديها آداء تنظيمي يشتمل على الإطار القانوني والاجتماعي والبشري والثقافي والسلوكي والمادي والفكري-  الأيديولوجي، يهدف إلى تحقيق طموحات في تحرير الفعل السياسي في الساحة، يُضيف آيت حمي.

وإن سلّمنا بذلك، فإن الانتخابات المحلية على العموم تعرف انشطار الأحزاب السياسية وانقسامها، وتفرغ بذلك المؤسّسة الحزبية من معناها، والفعل السياسي من حركيته في الميدان والنضال الحزبي من حرارته المعهودة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سحب 22674 ملف للمشاركة في المحليات المقبلة

الأفافاس: مشاركتنا في المحليات أخلطت مخططات المغامرين