24-ديسمبر-2024
الأحزاب السياسية: حوار وطني بداية 2025 لتحقيق التغيير

الأحزاب السياسية: حوار وطني بداية 2025 لتحقيق التغيير (صورة: تركيب الترا جزائر)

تزايدت في الفترة الأخيرة،المطالبات من مختلف الأحزاب السياسية في الجزائر، التي باتت تستعجل إطلاق حوار وطني شامل، إذ كان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قد تعّهد بتنظيم هذا الحوار في سنة 2025، بهدف تحقيق مجموعة من التّوافقات السياسية التي تتعلّق بالقضايا والسياسات الداخلية، فضلاً عن مجابهة التحديات الإقليمية والدولية.

محاولة لملمة شمل مختلف الأحزاب والشخصيات الوطنية وتوسيعه فعاليات المجتمع المدني

2024.. اجتماع تبون مع 27 حزباً

هذا الوضع يعكِس القلق السياسي المتزايد لدى القوى الوطنية بشأن المصاعب الجدية التي تواجهها البلاد، والتي تستدعي التوصل إلى تفاهمات سياسية مشتركة.

ما ميّز سنة 2024، رغبة الأحزاب السياسية بتسريع إجراء حوار وطني وذلك بتعزيز التعاون السياسي بين السلطة والقوى الوطنية، بعد تجربة الاجتماع الذي سبق للرئيس تبون أن عقده مع 27 حزباً سياسياً؛ الممثّلة في المجالس الوطنية والمحلية المنتخبة، في الـ 22 أيار/ مايو الماضي لبحث الوضع السياسي الداخلي والخارجي الذي تمر به البلاد.

واعتبرت مختلف الحساسيات اللقاء الأول من نوعه؛ خُطوة لرأب الصدع في العلاقة العمودية بين السلطة والأحزاب السياسية، بين سلطة والأحزاب، ومحاولة لملمة شمل القوى الوطنية في علاقتها الأفقية في الساحة عموماً أي من مختلف الأحزاب والشخصيات الوطنية وتوسيعه لبقية الفعاليات السياسية.

 

بعيدا عن الشعارت .. فاتِحة العُهدة الثانية

وسط قلق القوى السياسية؛ وعد الرئيس تبون بإجراء حوار وطني شامل في نهاية 2025، إذ قال في خطاب له أثناء تأدية اليمين الدستورية عقب فوزه بولاية رئاسية ثانية في انتخابات الـ 7 من أيلول/ سبتمبر الماضي، إنه يرغب في "فتح حوار وطني مع كافة القوى الوطنية لإشراكها في صياغة الخطط المتعلقة بالنهج السياسي والاقتصادي للبلاد".

كما أكد في خطابه بتاريخ 19 أيلول/ سبتمبر الماضي على "تنفيذ اتصالات مكثّفة واستشارات مع جميع الطاقات الحية في البلد، والدخول في حوار مفتوح للتخطيط معًا للمسار الذي سننتهجه، لتجسيد الديمقراطية الحقيقية وليس ديمقراطية الشعارات، التي تضمن السيادة لمن يستحقها".

مختلف الأحزاب اعتبرت هذه الأجندة الزمنية بعيدة جدًا بالنظر إلى التحديات الحالية، وهو ما دفع البعض إلى طرح سؤال يتعلّق بإجراء الانتخابات المحلية المسبقة مفاده: هل سيكون موعد فتح الحوار الشامل، يسبق الاستحقاقات الانتخابية خاصة وأنّ قانوني البلدية والولاية مطروحان للنقاش حاليا؟ أم سيكون العكس؟

تتخوف القواعد السياسية في البلاد من تأخير إقامة الحوار الوطني إلى غاية نهاية 2025، ما يعني بعد الانتهاء من صياغة القوانين الأساسية

في تعليق له على مقترح الرئيس في بداية العهدة الرئاسية الثانية، دعا حزب العمال الذي تقوده لويزة حنون إلى "حوار مفتوح يشمل جميع فئات الشعب الجزائري، بما في ذلك الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، دون استثناء.

يركّز الحزب على أهمية أن يكون النقاش الوطني حراً وديمقراطياً، مع ضرورة رفع القيود على حرية التعبير السياسي وحرية الصحافة، بهدف بناء ديمقراطية حقيقية وتحديد شكل المؤسسات التي يحتاجها الشعب لممارسة سيادته الكاملة.

على الرغم من أنّ هذا الإعلان لاقى ترحيباً كبيراً من قبل المجتمع السياسي والمدني، فإن تصريحات الرئيس تبون لاحقاً قللت من حماس هذا الحوار السياسي.

ففي حوار تلفزيوني بثّ في بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قال تبون إنّ الحوار الوطني سيُجرى في نهاية العام المقبل 2025، بعد الانتهاء من مراجعة وتعديل عدد من القوانين المتعلقة بالبلديات والولايات والأحزاب والانتخابات وغيرها.

  أولوية 2025

دعت حركة مجتمع السلم، إلى "يقظة وطنية فورية واستشراف مستقبلي قائم على إصلاح سياسي ومؤسساتي يضمن شراكة سياسية واسعة، تستند إلى رؤية وطنية شاملة تهدف إلى تعزيز الحريات وترسيخ السكينة الاجتماعية، مع معالجة التحديات الاقتصادية وتقليص الفجوات التنموية، علاوة على توسيع مشاركة الشباب في مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية".

واعتبرت الحركة أنّ هذا النّهج هو الأكثر قدرة على "مواجهة تأثيرات الصراعات العالمية في المنطقة الإسلامية والعربية، والتي تسعى لفرض أجندات مرتبطة بمشاريع الهيمنة والتفكيك والسيطرة على الثروات، بالإضافة إلى تفادي التقلبات الاقتصادية العالمية".

وفي هذا الخصوص فإنّ تركيز بعض الأحزاب على أهمية "اليقظة الوطنية" التي تسهم في توحيد الجبهة الداخلية، وذلك عن طريق التركيز على تعزيز الحريات ودمج الشباب في مشاريع التنمية.  

أوشيش: يجب الاستعداد الدائم لتقديم التنازلات وتشكيل التوافقات من أجل الحفاظ على البلاد وتعزيز وحدتها

في المضمار نفسه؛ أكد السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، خلال اجتماع استثنائي للمجلس الوطني للحزب، على ضرورة أن "تُغيّر السلطة السياسية في البلاد مقارباتها نحو الانفتاح السياسي واحترام الحريات العامة".

ودعا مرشّح الانتخابات الرئاسية في الـ 7أيلول/ سبتمبر الماضي، إلى تبنّي الحوار وتشجيعه، مع "الاستعداد الدائم لتقديم التنازلات وتشكيل التوافقات من أجل الحفاظ على البلاد وتعزيز وحدتها، وضمان الاستقرار الحقيقي في مواجهة محاولات تقويض السيادة والتهديدات لوحدتها الترابية في ظل التغيرات الجيو-استراتيجية الكبرى على مستوى العالم".

أوشيش أنذر أيضا من استمرار ما وصفه بـ "التسيير الأمني لشؤون المجتمع" تحت ذريعة الحفاظ على النظام العام، مشيراً إلى أنّ ذلك سيؤدي إلى إضعاف أسس المجتمع الجزائري ويغذي مناخ الشكّ والخوف والانقسام.

وأكد أنّ التجارب أثبتت أنّ سياسات الإغلاق تخلق توترات تؤدي في النهاية إلى أزمات اجتماعية وسياسية أكثر خطورة.

ودعا القيادي في الأفافاس إلى البدء في إصلاحات كبرى تضمن الديمقراطية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، مع إشراك جميع القوى الحية في البلاد. وأكد أن على السلطة والمجتمع معاً مقاومة التفرقة والانقسام من أجل تعزيز الوحدة الوطنية.

بدوره؛ دعا الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، مصطفى ياحي، رئيس الجمهورية إلى تقديم موعد الحوار الوطني بسبب الأزمات المتسارعة في العالم، مشيرًا إلى أن من بين أهداف الحوار ترتيب الأولويات لنظرة الجزائر الجديدة.

 وبخصوص غايات الحوار الوطني؛ قال ياحي في تصريحات صحفية بأنّ التقلبات الجيوسياسية السريعة تفرِض ضرورة التعاون من أجل حوار وطني شامل يهدف إلى الوصول إلى أرضية مشتركة لرؤية الجزائر المستقبلية.

اجتماع الرئيس عبد المجيد تبون مع 27 حزباً سياسياً

فتح حوارات مستعجلة

في انتظار الحوار الاستراتيجي باعتباره أحد أهمّ مرتكزات العملية السياسية، الذي وعد به رئيس الجمهورية، ناشد رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، بتشكيل حزام وطني لمواجهة المخاطر التي تهدد البلاد، ودعا إلى حوار وطني سياسي واقتصادي.

بن قرينة: هذه الحوارات ذات أهمية بالغة وأولوية قُصوى لتحقيق التعبئة الجماعية لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد

ودعا بن قرينة إلى "حوارات أخرى مستعجلة" تتعلق بتحصين مؤسسات الدولة والمجتمع من الهجمات السافرة، مثل حوار سياسي مسؤول بين الأحزاب، وحوار بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين دون إقصاء، وحوار جاد وصريح بين النخب الجزائرية.

وأكد أنّ هذه الحوارات ذات أهمية بالغة وأولوية قُصوى، من أجل تحقيق التعبئة الجماعية لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد في ظل التحولات الخطيرة التي تشهدها المنطقة والظروف التي تفرضها المرحلة.

المشاركة في صياغة القوانين الأساسية

بحسب المتابعين فإنّ إلحاح بعض الأحزاب مؤخّرا لتحديد موعد للحوار الوطني، يرمي إلى إصلاح التفاوتات السياسية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية، كما ذكر الباحث في العلوم السياسة كريم جدار من جامعة الجزائر

 

  مشاركة حزب العمال في اجتماع الأحزاب بالرئيس عبد المجيد تبون 2024

أهمية تعزيز الاستقرار الداخلي، وتجنُّب الانزلاقات والاضطرابات الداخلية، محور مهم بالنسبة لمختلف العارفين بالشأن العام في البلاد، إذ أكد جدّار في تصريح لـ"الترا جزائر" على ضرورة فتح قنوات الحوار السياسي وذلك من أجل "الحيلولة دون التأثيرات النّاتجة عن التغيُّرات المتسارعة في المنطقة وإقليميا ودوليا".

وفي ردّه عن سؤال في علاقته بالاستحقاقات السياسية من مراجعة قوانين وإقرار تدابير من السلطة، وبالانتخابات أيضا، تتخوف القواعد السياسية في البلاد –حسب جدّار- من تأخير إقامة الحوار الوطني إلى غاية نهاية 2025، وذلك ما يعني بعد الانتهاء من صياغة القوانين الأساسية مثل قانون البلدية والولاية والانتخابات والأحزاب وغيرها.

وأوضح بقوله إنّ "هذا التوقيت للحوار سيّحوّل مناقشاته إلى فاقدة للمعنى ولن تحقق هدفها الحقيقي من الحوار، وتفقد بذلك مضمونها".

وتتطلع الأحزاب السياسية إلى تسريع الحوار لأنها –يضيف-" تستهدف المشاركة في صياغة القوانين،التي تنظّم العمل السياسي في البلاد وتسهم في إعادة أنماط تسيير مؤسسات الحكم المحلي"، وهو الأمر الذي ألحّ عليه الرئيس تبون في لقاء الحكومة بالولاية 24 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.

بالنسبة للأحزاب السياسية فإنّ رزنامة الحوار الزمنية تشوبها ضبابية، إذ عبّرت عن الأمل في أن يتمّ الحوار قبل أي تعديل في القوانين النّاظمة للعملية السياسية وتسيير شؤون المواطنين عبر توافق وطني.

2025 .. سنة اقتصادية

هذا المُعطى السياسي المبدئي؛ يُفسّر ظاهرياً قلق الأحزاب حِيال ترتيب تلك الأجندة، بما ينسجِم مع الظروف السياسية الراهنة داخليا وخارجيا.

في المقابل؛ وجب الإشارة إلى أنّ الرئيس تبون كان قد التزم بعدّة وعود في علاقة بالجانب الاقتصادي والاجتماعي في 2025، وهو ما يمكن التبرير، من جهة، زحزحة النقاش السياسي إلى مرتبة ثالثة بعد أن تصدّر الجانب الاقتصادي قائمة اهتماماته وتصريحاته أيضا في بداية السنة الأولى من العهدة الثانية، والمضي نحو تحقيق مشاريع كبرى، وتداعياته على الوضع الاجتماعي في مرتبة ثانية من أولوياته، من جهة أخرى، وارتداداتهما على الوضع العام باعتبارها -من وجهة نظر - الفاعل السياسي صمام أمان وضمان الاستقرار السياسي.