23-أغسطس-2022
ارتفعت أسعار الأدوات المدرسية في الجزائر لأكثر من 150 في المائة

ارتفعت أسعار الأدوات المدرسية في الجزائر لأكثر من 150 في المائة (الصورة: Getty)

قبل أسابيع معدودة من بداية السنة الدراسية الجديدة، تبدأ عائلات جزائرية كثيرة في ضبط ميزانيتها استعدادًا للدخول الاجتماعي القادم، بالنظر إلى حجم المصاريف التي تنتظرها جراء الارتفاع القياسي الذي مسّ مختلف الأدوات المدرسية، وبالخصوص الورقية منها، والذي صار لا يتناسب مع رواتب أغلب الموظفين.

يرى مراقبون أن ارتفاع أسعار الكراريس  المدرسية بشكل مبالغ فيه راجع  إلى احتكار استيراد الورق من قبل متعامل واحد في الجزائر وحرمان متعاملين آخرين في السوق 

ورغم تقديم الحكومة مساعدة مالية للأولياء تقدر بخمسة آلاف دينار عن كل تلميذ في بداية السنة الدراسية، إلا أن العديد من الأولياء يؤكّدون أن  قيمتها صارت لا تغطي التكاليف التي يحتاجها التلميذ مهما كان مستوى دراسته.

أسعار ملتهبة

"ارتفاع غير مقبول" هو التعليق الذي ينطق به لسان كثير من الأولياء والتجار وجمعيات حماية المستهلك بشأن الزيادة في أسعار الأدوات المدرسية، وبالخصوص الورقية منها مع اقتراب الدخول المدرسي الجديد الذي سيكون  شهر أيلول/سبتمبر المقبل.

واتهم المنسق الجهوي للمنظمة الجزائرية لحماية المستهلك فادي تميم في حديثه مع "الترا جزائر"، التجار بالوقوف وراء الارتفاع القياسي في أسعار الأدوات المدرسية هذه الأيام، معتبرًا أنهم استغلوا الندرة التي حدثت بسبب تأخر الحكومة في منح تراخيص الاستيراد، وبالخصوص بالنسبة للأدوات البلاستيكية، على حدّ قوله.

ارتفاع قياسي

وأشار تميم إلى أن أسعار المواد المدرسية البلاستيكية ارتفعت بنسبة تقارب 50 بالمائة في مكتبات ومحلات البيع بالتجزئة، وهو ارتفاع غير مقبول، مرجعا سببه إلى تزايد الطلب مقابل المعروض من المستلزمات المدرسية ما سمح للتجار باستغلال الفرصة للزيادة في الأسعار، لكن توقع تراجعها مع  وصول الحاويات القادمة من الخارج إلى موانئ البلاد، بعدما أفرجت في الأيام الأخيرة وزارة التجارة عن رخص استيراد الأدوات المدرسية.

ويوضح فادي تميم أن الارتفاع في أسعار الأدوات الورقية ممثلة بالدرجة الأولى في الكراريس أكثر بكثير من الأدوات المصنوعة من البلاستيك، لأن نسبة الزيادة وصلت حتى 120 بالمائة، مشيرًا على سبيل المثال إلى أن كراس 96 صفحة -الأكثر استعمالًا من قبل التلاميذ- يتجاوز ثمنه اليوم 100 دينار، وهو الذي كان العام الماضي عند 50 أو 60 دينارًا، أما السجل رقم أربعة المطلوب من قبل تلاميذ الطور الثانوي فيتعدى سعره اليوم عتبة ألف دينار.

وأرجع تميم هذا الارتفاع إلى الندرة التي حدثت وتوقف بعض المصانع عن الإنتاج، منها مصنع بولاية عنابة معروف بجودة كراريسه، آملًا في هذا الإطار أن يساهم استئنافه للعمل وحصوله على المادة الأولية للازمة لصناعة الورق في التقليل من ارتفاع الأسعار.

تقييد الاستيراد 

لا ينفي تجار ومصنعو  الأدوات المدرسية الارتفاع الكبير في الأسعار، غير أن تبريرهم لهذا المشهد الذي صار يطبع سوق هذه المنتجات يختلف عن الاتهامات الموجهة إليهم.

وقال مصدر من أحد الشركات المصنعة للأدوات المدرسية رفض الكشف عن اسمه لـ"الترا جزائر"، إن  جائحة كورونا خلفت آثارًا اقتصادية كبيرة لم تنته تبعاتها حتى اليوم على مختلف الأسواق العالمية والمحلية لمختلف السلع ومنها الورق والبلاستيك.

وأشار المصدر ذاته، إلى أن هذه الانعكاسات المتعلقة بأسعار المواد الأولية والنقل والسياسات الاقتصادية الحمائية، مثل تلك التي اتخذتها الجزائر بفرض إجراءات تقييدية على الاستيراد عبر نظام الرخص انعكس أيضًا على سوق الأدوات المدرسية.

ولفت إلى أن أسعار الأدوات المدرسية البلاستيكية مثل القريصات والخشيبات والعجينة والمقلمات والأغلقة وغيرها ارتفعت في المصانع بـ20 بالمائة، رغم تقليل المصنعين هوامش أرباحهم إلى مستويات متدنية، على حد قوله.

وذكر المتحدث أن معظم المواد الأولية للإنتاج يتم استيرادها من الخارج من دول كالصين والهند وإيطاليا وإسبانيا، والتي ارتفعت فيها الأسعار بشكل لافت، على حد تعبيره.

أما بالنسبة للأدوات المدرسية الورقية، فيكشف المصدر ذاته، أن أسعارها ارتفعت بنسبة تصل حتى 250 بالمائة على مستوى المصانع، مشيرا إلى أن كراس 96 صفحة انتقل سعر خروجه من المصنع من 28 دينارًا إلى 78 حتى 80 دينارًا.

في هذا السياق، يوضح محدّث "الترا جزائر"، أن المشكل الأساسي في ارتفاع أسعار الورق هو احتكار استيرادها من قبل متعامل واحد وعدم إعطاء الرخص لمتعاملين آخرين، وهو ما أكده أيضًا المنسق الجهوي للمنظمة الجزائرية لحماية المستهلك فادي تميم لـ"الترا جزائر"، الذي يرى أن هذا الاحتكار من الأسباب الرئيسة لارتفاع أسعار الكراريس.

إجراءات غير كافية

في خطوة لتقليل تكاليف اقتناء الأدوات المدرسية، نشرت وزارة التربية ما أسمتها "مدونة الأدوات المدرسية" المتعلقة بالمستلزمات التي يحتاج إليها التلاميذ خلال السنة الدراسية الجديدة، والتي تندرج – حسبها-  في خانة ترشيد اقتناء هذه المستلزمات.

وأفاد بيان لوزارة التربية أن هذه المدونة جاءت طبقًا لمقتضيات البرامج التعليمية الخاصة بكل مستوى تعليمي وبكل شعبة بالنسبة لمرحلة التعليم  الثانوي، مع "الأخذ بعين الاعتبار البعدين البيداغوجي والاجتماعي، والبعد الصحي للوقاية والحد من الأضرار التي قد تؤثر على صحة التلاميذ".

وأوضح البيان، أن المدونة تمثل "الحد اللازم الذي يجب اعتماده بغية عقلنة استغلال الأدوات المدرسية لا سيما منها الكراريس التي يبقى جزءًا كبيرًا منها غير مستغل في نهاية السنة الدراسية"، وذلك من أجل "التقليص من تكلفة هذه الأدوات المدرسية".

وثمن فادي تميم هذه الخطوة، بالنظر إلى أنها كانت من  المطالب التي رفعتها المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك إلى وزارة التربية، مثلما يقول لـ"الترا جزائر"، لكنه يشدد في الوقت ذاته على ضرورة إلزام الأساتذة بالتقيد باعتمادها وعدم فرض اقتناء أدوات جديدة على التلاميذ، خاصة وأن المنحة المدرسية المقدرة بـ5 ألاف دينار صارت لا تفي بالغرض مع ارتفاع تكاليف الدراسة، لذلك تنادي منظمته برفعها إلى 10 ألاف دينار.

منظمة حماية المستهلك تدعو إلى رفع المنحة المدرسية إلى 10 آلاف دينار جزائري 

وإلى أن تعالج مختلف هذه المشاكل التي تتكرر عشية كل دخول مدرسي، يبقى تحقيق هدف المساواة في فرص التعليم مؤجلًا إلى موسم دراسي آخر، بالنظر إلى أن المساواة لا تنحصر في الحصول على مقعد في قسم، إنما تكون بتهيئة جميع الظروف اللازمة لتعليم الأطفال والتي تنطلق من أسرته وظروفها المادية وصولًا إلى محيطه المدرسي.