16-سبتمبر-2019

الأرصاد الجوية تواصل إصدار النشرات التحذيرية (أ.ف.ب)

تُواصل نشريات الأرصاد الجويّة، إطلاق تحذيراتها للمواطنين، بسبب التقلبّات الجوية المفاجئة والتساقط الغزير للأمطار، حيث أصبحت عدّة مدن جزائرية اليوم، تهدّد حياة قاطنيها بسبب هشاشة بُناها التحتيّة، وتأتي هذه التحذيرات، في شكل نشريّات خاصّة من الدرجة الأولى، بعدما أحدثت الأمطار أضرارًا في عدّة منشآت سكنية، وعرقلت حركة المرور في عدّة أحياء، وتسبّبت في تسجيل عدّة وفيات.

اقتنت الجزائر100 محطة أوتوماتيكية تتنبأ بوقوع الفيضانات قبل وقوعها بساعات

سيناريو متجدّد

تعود ذاكرة الجزائريين إلى المكان نفسه بعد 18 سنة من الكارثة، سنواتٌ تمرّ لكنّ الحادثة لا زالت تُستحضر كلّما تساقطت الأمطار بغزارة. في تلك الفترة لم تكن تقنيات الإنترنت والهواتف الجوّالة متوفّرة بالشكل الذي هي عليه اليوم، بل كانت كلّ العيون في البلاد مشدودة إلى القناة الحكومية، تتطلّع ما يحدث في العاصمة الجزائرية، حيث أدّت فيضانات "السبت الأسود"، التي جرفت حيّي باب الوادي والقصبة، إلى هلاك أكثر من 2000 شخص، وتشريد آلاف العائلات.

اقرأ/ي أيضًا: تحولات باب الواد.. شاهد شاف كل شيء

في ساحة الساعات الثلاث بباب الوادي، تغيّرت بعض ملامح الحيّ منذ زمن بعيد، لكن رائحة ذلك السبت ما زالت تحوم في المنطقة، سكّانها لم يناموا في الساعات الماضية، "كيف ننام ونحن لا زلنا نتذكّر كيف فاجأتنا الحملة؟ لا أنسى كيف غمرتنا السيول القادمة من وادي قريش وبوزريعة لتصب في البحر، لقد استعاد الواد مجراه"، يقول بوعلام (45 سنة) في حديث إلى "ألترا جزائر".

في الساعات الأخيرة أيضًا، عاشت بعض الأحياء في العاصمة ليلة بيضاء. هناك عائلات غادرت منازلها المهدّدة بالسقوط، وأخرى تركت بيوتها التي اجتاحتها المياه،  فسكان حيّ القبّة، وباش جرّاح، وباب الزوّار، وبرج الكيفان، وبلكور وغيرها من الأحياء المتضرّرة، لم يناموا ليلتهم، وكذلك الحال مع عدد من مناطق الوطن بالمدية والجلفة وميلة وقسنيطنة وأم البواقي، إذ هرعوا في صبيحة اليوم الموالي، إلى تنظيف البالوعات وإخراج الأتربة التي تراكمت في منازلهم.

خلال العقدين الأخيرين، تكرّرت الكوارث الطبيعية في الجزائر جرّاء تساقط الأمطار، إذ شهدت عدّة ولايات فيضانات، عزلت بعض المناطق والقرى، مثل قسنطينة في 2005، وغرداية في 2008 وتيميمون في 2013، وهي مناطق مستهدفة بسبب طبيعتها الجغرافية وطبيعتها الجبلية المعروفة بمنحدراتها الوعرة، ولكنّ إلى غاية اليوم، تغيب المشاريع والدراسات التي تتناسب مع الطبيعة الجيولوجية لهذه المدن.

إنجازات عكس التيّار

منذ سنوات يوجّه العديد من الخبراء تحذيرات وإنذارات، جراء مخاطر فيضان الوديان، تُضاف إلى كلّ هذا، دعوات وضع خارطة عمرانية وبيئية للعاصمة الجزائرية تحديدًا، لتجنيبها كوارث طبيعية متعلّقة بسقوط الأمطار والزلازل.

حدّد نادي المخاطر الكبرى، الذي يرأسه خبير الهندسة المقاومة للزلازل والكوارث الطبيعية والصناعية عبد الكريم شلغوم، عدّة وديان تهدّد العاصمة الجزائرية، من بينها وادي الحراش والسمّار وبني مسوس، ووادي الشراقة وبوزريعة، إضافة إلى وادي قريش، وادي حيدرة، ووادي سيدي مجبر.

كما كشفت هذه الهيئة، التي تضمّ عدة خبراء ومهندسين، عن مخاطر تهدّد 700 بلدية في الجزائر بسبب الوديان، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات تتعلّق بحيازة كل الولايات الجزائرية على خارطة عمرانية وبيئية تكشف عن تلك الوديان، غير أنّ أغلب الوديان تحتضن مشاريع سكنية وبنايات إدارية ومحطات نقل، ضاربة عرض الحائط تلك المخاطر التي تهدد بتكرار هذه الحوادث في كل مرّة تتهاطل فيها الأمطار.

تسيير المخاطر أم تسيير أزمة  

هل تُصلح القرارات المرتبطة بالأحداث المفاجئة أو الأزمات، ما أفسدته المشاريع الكبرى خلال عقدين من الزمن؟ يتساءل خبراء في المجال، إذ تفعل السياسات الترقيعية عملها في كثير من المنشآت السكنية والبنى التحتية للمدن، دون الاعتماد على دراسات جادّة.

هنا، يعتقد خبير الهندسة العمرانية محمد العابد، أنّ نداءات منتدى المخاطر الكبرى المتكرّرة لم تؤخذ بمحمل الجدّ، إذ كان من المفترض على الجهات المسؤولة "تحمّل تكاليف وتبعات هذه المخاطر من الناحية المعمارية ومن ناحية أثرها على السكّان"، مضيفًا في حديث إلى "ألترا جزائر"، أنّ الفيضانات أصبحت عاملًا يهدّد حياة السكّان، ويُمكن تجنّب وقوع الحوادث الناجمة عنها باتخاذ إجراءات وقائية، على حدّ قوله.

وعزا العابد ذلك إلى أنّ "المشاريع التي تمّ إنشاؤها على مناطق عالية الخطورة، مهدّدة بفيضانات الوديان، فهل نقوم بتحطيمها أم نقوم بالوقاية وحماية المدن من تلك المخاطر؟".

فيضانات باب الواد بالعاصمة سنة 2001

للتقليل من خطر الفيضانات، ذكر المهندس أنّ أهمّ التحدّيات التي تُواجه الجزائر تتمثّل في توسيع طاقة استيعاب قنوات صرف مياه الأمطار، وضرورة الاهتمام بالأودية، وتهيئتها وتجنّب رمي النفايات بها، إضافة إلى أهميّة أن تحظى كل ولاية بمخطط عمراني خاصّ بها للوقاية من الفيضانات، وتكليف مؤسّسات مهمّتها تنظيف الأودية بصفة دائمة، على حدّ قوله.

مع التغييرات المناخية التي يعرفها العالم، أعلنت وزارة الموارد المائية في شبّاط/فيبري الماضي عن مشروع إنجاز "شبكة وطنية للتنبؤ بوقوع الفيضانات"، مزوّدة بتكنولوجيا عالية الجودة، توضع على مستوى مختلف المجاري المائية من وديان وأحواض معرّضة للفيضانات. 

اقتنت الجزائر100 محطة أوتوماتيكية تتنبأ بوقوع الفيضانات قبل وقوعها بساعات، سيتمّ توزيعها على مختلف مناطق الوطن، وذلك بالتنسيق مع وزارة الداخلية والجماعات المحليّة والتهيئة العمرانية التي شرعت بدورها في تحيين الإستراتيجية الوطنية للمخاطر الكبرى، لكن على الأرض، فالأمر ليس سهلًا، في ظلّ اكتظاظ المشاريع وانتشار المباني السكنية بشكلٍ عشوائي.

مدن مشوّهة

كشفت حوادث السيول الأخيرة، مدى حاجة المدن الكبرى إلى مخطّط تأهيل سكني مدروس، مثلما يقرّ به خبراء في الهندسة المعمارية، إذ تتحمّل الحكومة المسؤولية بالدرجة الأولى، بالنظر إلى مختلف المشاريع والأحياء السكنية التي شيّدت على مساحات غير صالحة لذلك، بغية إيجاد حلول لمعضلة السكن، علاوة على الإبقاء على الحظيرة السكنية القديمة دونما تجديد أو وقاية أو إخضاعها لدفاتر ترميم أو تهديم، في مقابل ذلك يتحمّل المواطن جزءًا من المسؤولية، في ضوء ما نشرته حملات توعوية على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعوه إلى اتخاذ تدابير وقائية وعدم رمي النفايات بشكل عشوائي.

كشفت الفيضانات التي ضربت العاصمة مؤخّرًا عن هشاشة البُنى التحتية والغشّ في إنجاز المنشآت

من جهته، يعتقد جمال بولعسل الخبير في علم الاجتماع العمراني، أن فيضانات الجزائر العاصمة "كشفت المستور، وعرّت هشاشة البنية التحتيّة لعاصمة البلاد، وأبرزت عيوب المشاريع الكبرى كالطرقات والمطار الدولي وشبكة الميترو"، وشدّد في تصريح لـ"ألترا جزائر" على أن كلّ ما سُجّل في ليلة واحدة من تساقط الأمطار، "يُظهر حقيقة الغشّ في الدراسات التي اعتمدت لإنجاز مشاريع ومرافق عمومية، وغياب مراقبة المشاريع ومتابعتها".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائريون والأمطار.. نحبّك ونكرهك

رحلة متطوّعين إلى جانت.. 40 ساعة بين الواقع وأخبار التلفزيون