الأرندي وحمس.. تصريحات بودن حول التطرف تحيي الخصومة السياسية بين الحزبين الكبيرين

على غير العادة، صنعت تصريحات الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي (الأرندي)، منذر بودن، الجدل في الساحة السياسية، بعد حديثه عن ضرورة مواجهة "كل فكر متطرف يهدف إلى إعادة الجزائر إلى الوراء"، وهو ما فسّر على أنه استهداف غير مباشر لحركات إسلامية بينها حركة مجتمع السلم (حمس).

رغم التحالف الذي جمعهما لمدة طويلة خلال فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، يبقى الأرندي وحمس خصمين سياسيين في الساحة

بدأ الجدل حين أكد بودن، خلال تجمع حزبي بولاية جيجل، أنّ "حزبه لن يتراجع عن مواجهة كل فكر متطرف يحاول إعادة الجزائر إلى الوراء"، مشدداً على أن الشعب الجزائري "وطني يحب الاستقرار والطمأنينة"، وأن من واجب الأحزاب الوطنية "الدفاع عن أمن البلاد ووحدتها الفكرية والاجتماعية".

وربط بودن حديثه بذكريات مؤلمة من العشرية السوداء حين "دفع أبناء الجيش الوطني الشعبي والأسلاك الأمنية أرواحهم ثمناً للأفكار المتطرفة التي تسللت بسبب عجز بعض السياسيين آنذاك عن مواجهتها"، وفق تعبيره.

واصل بودن في كلمته التأكيد على أن "الأرندي" يرفض حتى "الأفكار البسيطة المتطرفة"، داعياً إلى "التمسك بالهوية الوطنية ورفض أي أفكار دخيلة مصدرها الخارج"، في إشارة فهمها كثيرون على أنها موجهة ضد تيارات ذات مرجعية إسلامية.

وقال بلهجة حماسية: "لن نقبل أن يدفع أبناؤنا من جنود وضباط الجيش أرواحهم مقابل أزمات مفبركة تأتي أفكارها من الخارج"، مؤكداً أن حزبه يسعى للمضي قدماً نحو التنمية والانفتاح، وفتح الأبواب أمام الشباب المبدع من دون رقابة أو تضييق.

هل المقصود حمس؟

وقد أثارت هذه التصريحات تفاعلاً واسعاً، بعدما قرأها بعض المتابعين على أنها موجهة لحركة مجتمع السلم، التي لطالما وُضعت ضمن خانة التيارات الإسلامية ذات المرجعية الفكرية القريبة من تنظيم الإخوان المسلمين.

صحيفة "الخبر" ربطت بين خطاب بودن ومواقف الحركة، معتبرة أن حديثه عن "عجز سياسيين عن مواجهة الفكر المتطرف" و"أفكار دخيلة من الخارج" يشير ضمناً إلى تلك المرحلة التي كانت فيها "حمس" جزءاً من المشهد السياسي المتأثر بتيارات خارجية.

ولم يتأخر الرد غير المباشر من رئيس حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني شريف، الذي قال في لقاء تكويني لإطارات حزبه بمعسكر إن مشروع "حمس" ليس مستورداً ولا يخدم مصالح غير مصالح الوطن، بل "يقوم على الثوابت والقيم الجزائرية الأصيلة".

وأوضح أن الحركة "تسعى لبناء مناضل ومواطن وأسرة ومجتمع صالح"، مؤكداً أن تكوين الإطارات الفكرية والسياسية داخل الحزب هدفه "تعزيز الانتماء الوطني والأخلاقي بعيداً عن أي تأثير خارجي".

كما نشر القيادي في "حمس" أحمد صادوق، منشوراً على صفحته بموقع "فايسبوك" خاطب فيه بودن دون أن يسميه، قائلاً: "حتى لا توصف بالمراهقة السياسية، أنصحك بتفادي هذه المعارك لأنها أعجزت سياسيين أكثر قوة ونفوذاً منك"، قبل أن يحذف المنشور لاحقاً، في موقف يشير إلى حساسية الموضوع.

وفي خضم هذا التفاعل، تدخل القيادي في "الأرندي"، نسيم براهيمي، ليدافع عن حزبه ويخفف من حدة التأويلات، مؤكداً أنه "لم يفهم كيف تم حشر حركة مجتمع السلم في الموضوع"، مضيفاً أن المرحوم محفوظ نحناح (مؤسس حمس) "قامة وطنية معروفة بالاعتدال والوطنية"، وأن الخلاف مع "حمس" يبقى في "التوجه الفكري والسياسي فقط"، مشدداً على احترامه لكوادر الحركة وكفاءاتهم. واعتبر أن بعض الأسئلة الإعلامية في هذا السياق "لا محل لها من الإعراب".

تعليقات متباينة

وأفرز الجدل تعليقات متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي، انتصر فيها البعض لبودن بودن الذي عبّر حسبهم عن "وعي سياسي بضرورة تحصين البلاد من الفكر المتطرف". وهنا، دافعت الناشطة آمال حداد عن بودن، معتبرة أن "الهجمة التي تستهدفه" تعكس "عقلية لم تغادر بعد ظلال التسعينات". وأكدت أن الجزائر تتجه بثبات نحو دولة مدنية لا مكان فيها لمن يقتات من فكر الانغلاق. وقالت إن "الذين ضايقهم الخطاب المدني لجؤوا إلى التشويه لأنهم لا يحتملون فكرة الجزائر المتصالحة مع نفسها".

عكس ذلك، اعتبر كثير من المعلقين أن تصريحات الأمين العام للأرندي "أعادت مناخ التوجس والتصنيف الأيديولوجي بين التيار الوطني والإسلامي"، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى خطاب جامع لا يستدعي ذاكرة العشرية السوداء.

ورغم التحالف الذي جمعهما لمدة طويلة خلال فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، يبقى الأرندي وحمس خصمين سياسيين في الساحة، الأول يتبنى خطابا وطنيا شديد الولاء للسلطة والثاني يعرف بتوجهه الإسلامي النقدي الرافض للمعارضة الصدامية.