01-مايو-2020

يطرح مختصون إشكالية التخصّص الإعلامي في مجال الصحّة (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

بقدر ما فرضت الأزمة الوبائية تغييرات عميقة في نمط الحياة الاجتماعية في الجزائر، بقدر ما وضعت المؤسّسة الإعلامية في قلب الاختبار، لكونها أداة مركزية من أدوات مواجهة هذه الأزمة؛ حيث فرضت على المؤسّسات الإعلامية تغيير أولوياتها الإخبارية ومضمونها التحريري، والتكيّف مع الإجراءات الجديدة التي وضعتها السلطة.

محمد قيراط: إمّا أن تقدم المعلومة في أقرب وقت ممكن وإلا ستحلّ الإشاعة محلّ الأخبار

غير أن أسئلة كثيرة في هذا السياق، بدت جاهزة للفحص عن الأداء الإعلامي ومستوياته في الجزائر، ومدى تكيّفه مع الظرف الطارئ، وما إن كان الإعلام الجزائري مؤهّلًا لتغطية ومرافقة الأزمة الوبائية، وكذا الدروس الواجب استخلاصها إعلاميًا من هذه الظروف، وهي أسئلة كانت محلّ نقاش رفيع في ندوة دولية، انتظمت عن بعد بتطبيق "زووم"، شارك فيها خبراء وأساتذة وإعلاميون، من كوادر جزائرية في الجزائر وفي الخارج، أدارها الدكتور فيصل فرحي .

اقرأ/ي أيضًا: مقالب فيروس كورونا.. السخرية في زمن الموت

هجوم الأخبار

في أواخر شهر شبّاط/ فبراير الماضي، كثرت التساؤلات حول فيروس "كورونا، وتناقل الجزائريون المعلومات حول الفيروس من مختلف القنوات ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى غاية ارتفاع عدد الإصابات المؤكّدة في البلاد.

في حالة الأزمة الوبائية، اتفق خبراء الإعلام من المشاركين في الندوة، على أن نشر المعلومات المرتبطة بالوباء، طغت عليها "الرسمية" في نشر الأرقام، عبر مختلف القنوات التلفزيونية، بينما تضاربت المعلومات عبر كم هائل من الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كل ذلك يتم في غياب "استراتيجيات اتصالية"، واضحة المعالم، في ترويض "الوحش" وإمداده بمعلومات لفائدة المتلقي.

في ظلّ "اتصال الأزمات"، يقول الأستاذ محمد قيراط إن "على السلطة أن تكسب المواطن عن طريق تبنّي معايير مصداقية المعلومة وشفافيتها، حتى تطمئن المواطن، أي أنها تطعمه بالمعلومات أو كما تسمى إستراتيجية "إطعام الوحش"، فالصحافة حسب الدكتور قيراط، لها شراهة وتستهلك الكثير من المعلومات المتسارعة المرتبطة بالأزمات، على حدّ قوله.

يشرح قيراط، أن هذا الوحش بات اليوم "شرهًا" وجائعًا يريد استقبال المزيد من المعلومات والاطلاع أكثر عن هذا العدو الخفيّ، وما هو الخلاص والمصير طال عمر الأزمة، وما هي طرق مكافحته. يتساءل المتحدّث.

وسائل الإعلام بمختلف قنواتها الاتصالية، والإدارات الحكومية في الجزائر، كانت في امتحان "عسير" في رأي مترأس الندوة، مردفًا بالقول: "إمّا أن تقدم المعلومة في أقرب وقت ممكن ومعلومة كاملة، وإلا ستحلّ الإشاعة محلّ الأخبار، وتلعب دورها خصوصًا في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي".

ركّز قيراط، في أول تدخّل له، على أن المؤسّسات الرسمية الجزائرية تشهد "أزمة اتصال" مع وسائل الإعلام، مضيفًا أن الأهم في مثل هذه الحالة الوبائية، أن يتمّ "الإكثار من الندوات الصحافية" الغرض منها توعية المواطن وإمداده بمعلومات بسيطة الفهم، وحقيقية، وتطمئنه أيضًا، "لأننا اليوم ليس بصدد التسابق؛ وإنما محاصرة تفشّي الوباء، ومعه الوضع المقلق نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا أيضًا".

يدعو المتدخّل، إلى ضرورة أن تتبنّى كل من الرئاسة والوزارة الأولى والدوائر الوزارية " خلية أزمة اتصالية"، واستراتيجيات لمواجهة أي أزمة مستقبلًا.

في هذا السياق، طرح المتحدّث مسألة التخصّص الإعلامي في مجالات الصحّة والبيئة التي تفتقر إليها كأركان قارّة، وهي النقاط التي أثارت تدخل العديد من الأساتذة، إذ ناقش المشاركون ضرورة تغيير اهتمامات وسائل الإعلام الجزائرية وأولوياتها من حيث المادة الإعلامية والمضامين.

لفت هذا النقاش، إلى أن "السلطة عاشت حالات فوضى في التعامل مع المعلومات، بسبب ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي"، بل إنها "تتخبّط في كيفية التعامل مع المعلومة الوبائية، هنا يعتبر قيراط، إلى أنّه من المفيد الآن أن تتغير الآلة الإعلامية، داعيًا إلى أهميّة إعادة النظر إلى الطريقة التي يشتغل بها الصحافيون في ظلّ الظروف الاستثنائية.

أزمة بأزمة

من جهته، يطرح الأستاذ حاتم غندير رئيس القسم الاقتصادي بقناة "الجزيرة"، إشكالية غياب إستراتيجية اتصالية حقيقية لدى السلطات الجزائرية، واصفًا أنها تتعامل مع المعلومة بطرق تقليدية، أو كما أسماه مركزية المعلومة واحتكارها، وهي الطريقة نفسها التي أدارت بها الأزمة الأمنية في العشرية السوداء، على حدّ تعبيره

ولفت غندير في هذا الإطار، إلى أن المواطن لديه عديد القنوات الاتصالية عبر شبكات التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومات ونشرها حتى، والتأكّد من صدقيتها، مشدّدًا على أن أزمة كورونا، كانت "امتحانًا حقيقيًا للإعلام الذي يفتقد بسبب التكوين إلى استراتيجيات التعامل مع الأزمات".

طرح المتدخّلون في هذه الندوة، قضية التخصّص في مجال الإعلام، وتمحور الحديث حول مسألة "الإعلامي الخبير"، وحتّى وإن تخرج الصحافي من تخصّص علمي، واشتغل في مجال الإعلام أو العكس، حيث يحدث أن يكون الصحافي خرّيج معهد الإعلام، وتخصّص بعدها في المجالات الطبيّة الصحية والبيئية، وهو ما يحتاج منه تدريبات قويّة، لأن هذا المجال يحتاج إلى نقل المعلومة بدقة وبوضوح وبشكلها الصحيح، من خلال التطرّق إلى آراء الخبراء.

وظائف غائبة في الإعلام

بعيدًا عن الوظيفة الإخبارية التي يتميز بها المحتوى الإعلامي، إلا أن أزمة فيروس كورونا، أسهمت في أن تعيد إلى الإعلام وظائفه الحقيقية، التي أهملتها وسائل الإعلام الجزائرية بمختلف وسائطها، وفضاءاتها الإلكترونية، فهناك الوظيفة التوعوية والتثقيفية، ومراعاة قيم المجتمع الذي تشتغل فيه، خصوصًا في أوضاع استثنائية.

بين التقليدي والإلكتروني، تناول الأستاذ في جامعة سطيف، هشام عكوباش، إشكالية "حالة الإرباك" التي يشتغل فيها الصحافيون؛ إذ سبق الإعلام الإلكتروني من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، الإعلام الكلاسيكي، بل وتجاوز طرق معالجة المعلومات، وباتت الأخيرة غير متحكمًا فيها.

هنا، يقول الأستاذ عكوباش، إنّ الخطورة الكامنة اليوم في وسائل الإعلام تتمثّل في عدم فهم "دورة حياة الأزمة"، موضحًا بالقول، إن الأزمة لها مرحلة ولادة ثم مرحلة نضج إلى أن تصل إلى الذروة، ثم مرحلة الانحدار وانحسار هذه الأزمة ونهايتها، داعيًا الصحافيين إلى ضرورة التعامل مع هذه المراحل بمهنية، وتقديم معالجات مختلفة الزوايا والطرح.

الرسمي الحصري

الصحافيون في القنوات ووسائل الإعلام الخاصّة، أجبروا على انتظار بيانات وزارة الصحة عن الإحصائيات الجديدة حيال الإصابات، يقول الصحافي بقناة "الشروق نيوز" الطّاهر فطاني، لافتًا إلى أن وزارة الصّحة استثنت القنوات الخاصّة واكتفت بانتقاء قنوات عمومية فقط، لحضور ندوة لجنة متابعة ورصد وباء فيروس كورونا في الجزائر.  

لم يهمل المتدخّلون خلال اللقاء، التطرق للظروف التي يشتغل فيها الصحافيون، إذ "يتعرّض الصحافيون إلى الضغط النفسي والاجتماعي، فبينهم العشرات ممن لم يتحصلوا على أجورهم، وهو ما يؤثّر في الاشتغال في مهنة المتاعب في ظل هذه الجائحة".

محمد الفاتح حمدي: الصّحافي في الجزائر يلهث وراء السبق، في ظلّ شحّ المصادر الصّحافية

من جهته، يذكر الأستاذ محمد الفاتح حمدي، أن الصحافي يعيش هذه الضغوطات، استنادًا إلى دراسة جهزها مؤخّرًا قبل انتشار فيروس كورونا، لافتًا إلى أن الصّحافي في الجزائر يلهث وراء السبق، في ظلّ شحّ المصادر الصّحافية التي يستقي منها المعلومات، وهو ما ينسحب على أزمة المعلومة في ظلّ وباء كورونا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيروس كورونا.. هل علينا أن نصاب بالذعر؟

لجنة متابعة كورونا.. احذروا تناول "كلوروكين" تلقائيًا