الأسواق الأسبوعية عند الجزائريين.. تجارة وعادة لم تغيّرها سطوة التكنولوجيا
4 مايو 2025
يحرص المحاسب الأربعيني، منوّر، على ارتياد السوق الأسبوعي في مدينة القليعة العتيقة، بولاية تيبازة المجاورة للعاصمة الجزائر ، كل جُمعة، في سلوك اعتاد على القيام به منذ صغره. ويدخل ضمن روتين برنامجه الأسبوعي، كون هذه الزيارة تمكّنه من اقتناء ما يحتاجه من سلع بسعر معقول، وهي بالنسبة له أيضا جولة تساهم في التقليل من ضغوط أيام العمل.
الباحث في علم الاجتماع توفيق عبدي لـ"الترا جزائر": الأسواق الأسبوعية ليست فقط مكانًا للبيع والشراء، بل تعدُّ فضاءً اجتماعيًا تقليديًا يجمع الناس ويعزز العلاقات
وتعج الأسواق الأسبوعية التي تفتح أبوابها لمختلف التجاروالبائعين المتنقلين مهما كانت نوعية سلعهم بالزوار سواء كانوا من سكان المنطقة أو خارجها عبر العديد من الولايات والمدن الجزائرية. فارتياد هذه الأسواق يدخل ضمن العادات والتقاليد التي يتشبث بها كثير من الجزائريين مهما كانت مشاربهم ومستويات التعليمية والمادية.
تمسّك
وأوضح منوّر في حديثه لـ"الترا جزائر" أن حرصه على ارتياد السوق الأسبوعي سببه بالدرجة الأولى الأسعار التنافسية التي تُباع في سوق القليعة مقارنة بالأسواق الجوارية أو المحلات، سواء تعلق الأمر بالخضر والفواكه أو باقي المنتجات من ملابس وأحذية وأوانٍ منزلية أو بعض قطع الغيار المستعملة.
وأضاف أن هذا السلوك أصبح روتينًا أسبوعيًا في برنامجه اعتاد على القيام به منذ أن كان يقطن في العاصمة الجزائر ولا يستطيع التخلي عنه اليوم. فقبل انتقاله إلى مسكنه الجديد منذ 3 سنوات في حي لسكنات "عدل" بولاية تيبازة، كان يحرص على ارتياد أسواق العاصمة الأسبوعية مثل سوق "دي 15 " الشعبي بالحراش قبل إغلاقه.
وبدوره، لا يخفي شعبان القاطن في بلدية الرغاية شرقي العاصمة هوسه بارتياد الأسواق الأسبوعية، فالشاب الثلاثيني يحرص هو الآخر كل جُمعة على التنقل إلى سوق بودواو الأسبوعي بولاية بومرداس كلما سمحت الفرصة له، وفق ما قاله لـ"الترا جزائر".
وأوضح شعبان أن زيارة السوق الأسبوعية سلوك اعتاده منذ الصغر، خاصة وأنه ينحدر من ولاية الجلفة الداخلية التي تصنف فيها الأسواق الأسبوعية ضمن النشاطات التجارية التراثية للمنطقة، بالنظر إلى أهميتها كفضاء اقتصادي كان يلتقي فيه سابقًا سكان الريف بسكان المدينة فيتبادلون السلع.
ولا تتعلق خرجة شعبان نهاية الأسبوع إلى سوق بودواو بالجانب التجاري بحثًا عن الأسعار التنافسية فقط، إنما تشكل له هذه الجولة التي يستمع فيها إلى هتافات بائع وصراخ آخر متعة خاصة رغم هذه الضوضاء التي تعدُّ سِمة حاضرة في كل سوق أسبوعي شعبي، فهذه الزيارة أصبحت إدمانًا وعادة لا تغِيب عن برنامجه الخاص.
أما الميكانيكي الأربعيني مراد فشغفه بزيارة الأسواق الأسبوعية من نوع خاص، إذ يحرص على ارتياد أسواق السيارات المستعملة في عدة ولايات، سواء كان بغرض اقتناء مركبة أو بيعها، أو حتى للاطلاع على جديد بورصة أسعار السيارات في الجزائر.
وقال الباحث في علم الاجتماع توفيق عبدي لـ"الترا جزائر" إن "الأسواق الأسبوعية ليست فقط مكانًا للبيع والشراء، بل تعدُّ فضاءً اجتماعيًا تقليديًا يجمع الناس ويعزز العلاقات."
كما أنّها، وفق عبدي "جزءًا من الهوية الثقافية المحلية، لذلك يجد الكثير من الناس نوعًا من الترفيه الشعبي في الأسواق الأسبوعية وليس فقط مكانًا للتجول والتسوق خاصة في المدن التي تفتقر إلى أماكن الترفيه أو نشاطات ثقافية واجتماعية، حيث تصبح الأسواق ملجأ للهروب من روتين الحياة اليومية والعمل أو من فراغ التقاعد الذي يخلّف فراغًا نفسيًا وشعورًا بالعزلة."
"وهنا تصبح الأسواق الوجهة المفضلة لديهم للتغيير وكسر الرتابة والروتين"، يكمل الخبير الاجتماعي.
كل شيء
وما يميّز الأسواق الأسبوعية في الجزائر أنها يمكن أن تُلبّي كل الطلبات بداية من المحاصيل الزراعية من خضر وفواكه إلى الألبسة، وبالخصوص الرجالية لأنه في الغالب لا يرتاد هذه الأسواق إلا الرجال، بل إن هذه الأسواق تعج أيضا ببائعي الأدوية التقليدية من أعشاب ومراهم والتي تلقى إقبالًا من بعض الأشخاص رغم عدم وجود أدلة على فعاليتها، وذلك تأثرًا بالإغراءات العلاجية التي يطلقونها حول كل منتج يوجد ضمن معروضاتهم.
حسب بيانات لوزارة التجارة تعود إلى سنة 2021، تحصي الجزائر أكثر من 420 سوقًا أسبوعيًا على مستوى ولايات الوطن، لكن تختلف درجة الإقبال عليها من مدينة إلى أخرى.
وقال الخبير الاقتصادي عبد الوحيد صرارمة لـ"الترا جزائر" إن الأسواق الأسبوعية بلغة الاقتصاد هي التقاء العرض والطلب في مكان وزمن معين، حيث يتميز العرض بوجود عدد كبير من المنتجات من حيث النوع والكم، إضافة إلى عدد كبير من الباعة مما يخلق منافسة بين التجار تولّد انخفاضا في الأسعار مقارنة بما هو موجود في المتاجر، مما يحفّز المستهلكين على استمرار توافدهم بقوة خلال كل أسبوع إلى هذا الفضاء التجاري.
وأوضح أستاذ علم الاجتماع توفيق عبدي أنه من هذا المنطلق يصبح للنشاطات والعوامل الاقتصادية "دور كبير في تشكيل سلوكاتنا وعاداتنا، فالوضع الاقتصادي للفرد أو المجتمع يؤثر بشكل كبير على نمط الحياة، من طريقة الإنفاق والتوفير، إلى نوعية الغذاء، واللباس، وحتى أوقات الفراغ والترفيه".
الخبير الاقتصادي عبد الوحيد صرارمة: لوج تُجار الأسواق الأسبوعية العالم الافتراضي والاستفادة منه ما يزال محتشمًا مقارنة بما يسجل لدى تجار المحلات في مختلف السلع والمنتجات
وتابع قائلا " فمثلا في المجتمعات ذات الدخل المرتفع قد تنتشر عادات مثل السفر المتكرر وشراء المنتجات الفاخرة، بينما في المجتمعات ذات الدخل الضعيف تسود فيها عادات التوفير والاقتصاد، واللجوء للأسواق الأسبوعية كأماكن للتسوق لتوفيرها منتجات متنوعة ومنخفضة السعر مما يلبي احتياجات شريحة كبيرة في المجتمع ولو على حساب الجودة".
مقاومة
رغم التأثير الذي أحدثته مواقع التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية على المحلات التجارية في الجزائر في السنوات الأخيرة، إلا أن الأسواق الأسبوعية ما تزال تحافظ على جاذبيتها بالنسبة لمن تعودوا على ارتيادها، وهو ما يظهره الاكتظاظ الذي تعرفه كل أسبوع.
وأكد ثلاثة تجار متنقلين يعرضون سلعهم من الألبسة في الأسواق الأسبوعية لـ"الترا جزائر" أنهم لم يضطروا لحد الآن لولوج التجارة الإلكترونية لتسويق منتجاتهم، إلّا أن أحدهم كشف أنه يشتغل حاليًا على فتح صفحة على فيسبوك لتسويق منتجاته وعدم الاعتماد على تنقله من سوق أسبوعي إلى آخر كل يوم فقط، وذلك بالنظر إلى أنّ الزمن الحالي يتطلب الحضور في العالمين الحقيقي والافتراضي.
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الوحيد صرارمة أن الأسواق الأسبوعية مجبرة على التأثر بالنمو الذي تعرفه التجارة الإلكترونية في الجزائر، إمّا سلبًا بالتقليل من عدد زوار هذه الأسواق، كون المستهلك الجزائري الحديث يُفضّل الراحة بدل الانتقال إلى السوق، والاكتفاء بشراء ما يحتاجه إلكترونيًا، وإمّا يكون هذا التأثر إيجابيًا بفتح هؤلاء الباعة المتنقلين متاجر افتراضية لعرض سلعهم.
الجزائر تُحصي أكثر من 420 سوقًا أسبوعيًا على مستوى ولايات الوطن، لكن تختلف درجة الإقبال عليها من مدينة إلى أخرى
ولاحظ صرارمة أن ولوج تُجار الأسواق الأسبوعية العالم الافتراضي والاستفادة منه ما يزال محتشمًا مقارنة بما يسجل لدى تجار المحلات في مختلف السلع والمنتجات.
ورغم نمو قطاع التجارة في الجزائر، وبالخصوص بعد جائحة كورونا، إلّا أن عادة ارتياد الأسواق الأسبوعية ما تزال موجودة وبنفس الزخم حتى الآن عند الجزائريين، وذلك بالنظر إلى أنها تحولت "في بعض المناطق إلى طقوس عائلية أو مناسبات ترفيهية"، وفق ما قاله توفيق عبيدي .
ويرى الباحث في علم الاجتماع أن احتفاظ الأسواق الأسبوعية في الجزائر بشعبيتها مرده أن "كثيرًا من الجزائريين يفضّلون التفاوض وجهًا لوجه والشراء بعد المعاينة المباشرة، وهذا الأمر تفتقر إليه التجارة الإلكترونية التي تعتمد بالأساس على البيع والشراء عن بُعد. كما أن هناك تفاوت في استعمال التكنولوجيا بين الأجيال والمناطق رغم الانتشار الكبير للإنترنيت، مما يجعل الأسواق التقليدية الخيار الأسهل والمفضل لدى كثير من الناس".

الكلمات المفتاحية

فحص "الأبيار" بالعاصمة الجزائرية.. قصور موريسكية تحتضن القادة والسفراء والقناصلة منذ مئات السنين
على بعد ثلاثة كيلومترات من مرتفعات شمال الساحل المتوسطي لمدينة الجزائر، هناك تجمع سكاني يسمى "فحص الأبيار" (جمع بئر) لأنه يجثم على آبار مياه كثيرة، أتاحت له خضرة كثيرة فكان إلى وقت قريب بوابة ريف العاصمة، وذا جاذبية للأجانب، حتى سمي "حي القناصلة".

من سلاح ضدّ الاستعمار إلى ضغط على العائلة .. هذه حكاية البكالوريا في الجزائر
في الجزائر، لا تُعدّ شهادة البكالوريا مجرّد امتحان تعليمي يُنهي مرحلة ويفتح أبواب مرحلة أخرى، بل تحوّلت إلى رمز مركزي في الوعي الجمعي، يحمل أبعادًا تتجاوز الفصل الدراسي والدرجات النهائية.

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟
تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.

العلاقات الجزائرية الإيرانية .. شراكة في مرآة الجغرافيا والسياسة
مرّت العلاقات الجزائرية الإيرانية بمحطات متباينة، شملت فترات من التقارب والتعاون، وأخرى اتسمت بالتوتر والفُتور، وصلت أحيانًا إلى حدّ القطيعة.

خط بحري جديد للمسافرين بين بجاية وميناء فرنسي.. هل تنخفض الأسعار؟
دخل خط بحري جديد حيز الخدمة بين ميناء بجاية وميناء سات الفرنسي، بعد أن أشرفت الشركة الإيطالية "غراندي نافي فيلوتشي" على التدشين الرسمي له اليوم الاثنين، تزامنا مع وصول السفينة "إكسلنت" إلى ميناء بجاية وعلى متنها 257 مسافرا و181 مركبة.

6 أشخاص في قبضة العدالة بشبهة الاعتداء على السيدة المتهمة ظلما بالسحر
عرفت قضية سيدة العلمة المتهمة ظلمًا بممارسة السحر تطورات جديدة، حيث أعلن عن توقيف ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في حادثة الاعتداء التي تعرّضت لها، بعد تحليل محتوى الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وثّقت لحظة محاصرة السيدة وتوجيه اتهامات علنية لها، من دون أي دليل مادي أو قانوني.

لجنة الدفاع عن بوعلام صنصال تنتقد "تقاعس" مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الدفاع عنه
يُكمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، في 16 جوان الجاري، شهره السابع خلف القضبان في سجن القليعة، حيث أعلنت لجنة دعمه عن خطوة جديدة للضغط من أجل إطلاق سراحه.