29-أبريل-2021

مشهد من مسلسل "عاشور العاشر" في جزئه الثالث (يوتيوب)

ما تزال الدراما الجزائرية تبحث عن ملامحها المغيبة، في غياب سياسة ثقافية جادة تولي اهتمامًا بالمنتوج الفني المحلّي، مع استمرار المشاكل والمعوقاتِ نفسها التي عانت منها لعقود طويلة؛ فالفنّ والتمثيل في الجزائر لم يفتقرا يومًا إلى المواهب والقدرات الفنية بقدر ما تم تشتيتهما بين المشاكل الإنتاجية والتقنية، بين متاهات النص والسيناريو اللذان لا يحاكيان واقع المجتمع، إضافة إلى عرقلة المشاريع الدرامية لأسباب سياسية، ثقافية وتاريخية، وغياب الدعم الرسمي لهذه المشاريع، وانعدام المناهج وضعف التأطير في التكوين في مجالي السمعي وفنون العرض، والافتقار لهياكل تطويرية في المجال، من استوديوهات محترفة موجهة للتصوير وقاعات التركيب ومعالجة المادة الفنية وما إلى ذلك.

ما هي المشاكل التي تواجه الدراما الجزائرية  وتمنعها من الخروج نحو آفاق أرحب؟

مع هذا، ومع اقتراب شهر رمضان من كل عام، تصيب الحمى الإنتاجية قِلةً من القائمين على الصناعة الدرامية والفنية في الجزائر كما في العالم العربي، حيث تتنافس القنوات التلفزيونية العمومية والخاصّة على الإعلان عن أعمال تركز فيها على تضخيم السيناريوهات والقصص المقدمة، وتَعِدُ من خلالها المشاهد بمتعة كبيرة. كما يتم اللجوء إلى نفخِ شخصيات بعينها، لترافق مخيال المشاهد طيلة هذا الشهر، وتمنحه رغبة في تغذية واقعه بخيال لا يمد لحياته بِصلة. 

اقرأ/ي أيضًا: شاشة رمضان.. هل الاستعانة بالأتراك كاف لبعث الدراما الجزائرية ؟

 

ومع بداية عرض هذه الأعمال، يصطدم المتابع لهذه الإنتاجات بعيوبٍ لا تخفى على أقل الناس انتباهًا وحرصًا، وتصعد إلى السطح ثغرات الأعمال الفنية، بداية من العيوب التقنية والتصويرية، مرورًا بضعف الحبكة والسيناريو، ووصولًا إلى المستوى التمثيلي المقدم الذي يكشف عن قلّة احتراف ونقص خبرة تارة، وعن ضعف الموهبة وسوء اختيارات المخرج والمنتج تارة أخرى.

فما مدى نجاح الأعمال الرمضانية المحلية المقدمة هذه السنة، وهل هناك أمل مع بداية انفتاح القنوات المحتشم على الإنتاج التلفزيوني وإقدامها على فتح المجال أمام مواهب تمثيلية وإخراجية فتية؟ وما هي المشاكل التي تواجه الدراما الجزائرية  وتمنعها من الخروج نحو آفاق أرحب؟

ندوة تقييمية

في سياقٍ تقييمي للأعمال المقدمة خلال شهر رمضان لهذه السنة، نشط منذ أيام فنانون ومنتجون وإعلاميون ندوة تقييمية حول الدراما الرمضانية في المنتدى الثقافي الذي تنظمه جريدة "الحوار" دوريًا، وقد كانت للعديد منهم مداخلات حللت واقع الدراما الجزائرية، مشاكلها وآفاتها التي وجب محاربتها.

في هذا السياق، قال المنتج محمد فرحاتي خلال هذه الندوة، إن الارتجال أضحى الميزة الغالبة في مختلف الأعمال، كما أشار إلى أن كل الأعمال التي تعالج الواقع ناجحة، في حين أن الأعمال التي تخرج عن ذلك السياق تمنى بالفشل. وأشار المتحدث إلى أن الدراما الجزائرية صارت تحاكي التركية حتى في المؤثّرات الموسيقية، وهو ما أسماه بالهروب من الواقع نحو الخيال.

من جهته، قال المنتج الطيب تهامي، إن إنتاج الدراما في الجزائر عملية كفاح حقيقية على أرض الواقع تبدأ من جلب المموّل إلى غاية التفاوض مع الممثلين، وأكد أنه من المستحيل مقارنة الدراما المحلية بنظيرتها المصرية، لأنّ هذه الأخيرة تملك البنية التحتية، كما أشار إلى الإشكاليات التي تعاني منها الجزائر كغياب النص الجاد و السيناريو و"الفورمة" الخاصّة بالممثلين، إضافة إلى العديد من العوامل كالوقت و المال والإبداع، وهي أهمّ المشاكل التي تعاني منها الصناعة الفنية في الجزائر، ورغم سطحية الأعمال المقدمة، يمكنها أن توازي ما يحدث في الدول العربية حسب تصريحه. 

الكم الذي لا يخدم النوع 

في تصريح لـ "الترا جزائر"، اعتبر الصحافي فيصل شيباني أن الشبكة البرامجية للقنوات الجزائرية هذه السنة، عرفت إنتاجات كثيرة من ناحية الكم، وهو ما يُعدُّ حسبه أمرًا جيّدًا مقارنة بالسنوات الفارطة، ويأسف شيباني كونَ هذا الكم لا يُترجم نوعية جيدة نسبةً إلى العديد من المعطيات، أهمّها العناصر الفنية التي تتفاوت من عمل لآخر، كما أكد المتحدث في السياق نفسه، أن المعطى الأهم المطلوب في هكذا برامج هو ضمان الحدّ الأدنى من الجودة، سواءً إذا ما تعلق الأمر بالأعمال الدرامية أو الكوميدية.

وبالغوص في بعض تفاصيل المسلسلات الدرامية المعروضة لهذا الشهر، يرى المتحدث أن القنوات التلفزيونية المحلية صارت تولي اهتمامًا كبيرًا لهذا النوع بشكلٍ جليٍ، حيث أن أهمّ القنوات تملك على الأقل مسلسلًا دراميًا تنافس به خلال شهر رمضان، عكس السنة الماضية التي عرفت عرض مسلسل واحد فقط هو "يمّا" للمخرج التونسي مديح بلعيد، والذي يستمرّ عرض جزئه الثاني خلال هذا الموسم الرمضاني الحالي. 

يشدد شيباني هنا، على أن مهمّة الأعمال الدرامية عمومًا هي البحث عن نفسٍ جديد من خلال المراهنة على أسماء جديدة في الساحة مثلما حدث مع مسلسل "ليام" للمخرج نسيم بومعيزة، الذي قدم حسبه عملًا مقبولًا تقنيًا وفنيًا في أول تجاربه مع المسلسلات الدرامية وهو القادم من السينما، كما ينطبق نفس قول المتحدث على مسلسل "بنت البلاد" للمخرج يوسف محساس الذي يملك نظرة فنية جيدة انعكست بوضوح في هذا العمل، رغم أن الإشكال الأكبر حسب فيصل شيباني، يكمن في ذلك الإغراق في التقليد وانعدام البيئة التي تعكس الواقع الجزائري، وتواصل التركيز على تلك النوعية من الشخصيات النمطية التي تجاوزها الزمن، حيث صار هذا الأمر تقليدًا حاضرًا  في كل الأعمال الدرامية تقريبًا، والتي لا تحاكي واقعًا جزائريًا حقيقيًا، ما يفتح السؤال عن أيّة بيئة يعالجها كتاب السيناريو؟ 

أشار الصحافي فيصل شيباني هنا إلى وجود طاغٍ لنمطية الشخصيات وبعد القصّة عن الواقع وسطحية الحوارات وغياب سرد درامي يشد المشاهد، ما جعل كل هذه العيوب سمةً غالبة على كل الأعمال التي تحاول التغطية تقنيًا على هذه النقائص والاتكاء كذلك على أداء ممثلين جيدين بشكلٍ عام، حيث عوض كثيرون منهم بأدائهم الفراغات الموجودة في القصص، على حدّ تعبيره.

كوميديا الابتذال والارتجال

ما تزال الأعمال الكوميدية حسب الصحافي فيصل شيباني "غارقة في السطحية والتهريج إلى حد الفجاجة والابتذال"، وفق منطق البحث عن إضحاك الجمهور، ولكنه الشيء الذي عجزوا عنه، لأن الارتجال وأعمال آخر دقيقة لا يمكن أن تكون وفية لكوميديا حقيقية، ما عدا بعض الاستثناءات، مثل سلسلة "طيموشة" في جزئها الثاني للمخرج يحيى مزاحم، حيث أكد شيباني أنه العمل المؤسّس على نظرة فنية واضحة المعالم ويرتكز على سيناريو كوميدي محبوك بشكلٍ جيدٍ وتوزيع مدروس، من خلال تعويله على ممثلين موهوبين استطاعوا أداء أدوارهم بشكل مقنع لأبعد الحدود. 

وفي مثال آخر، أقر المتحدث سقوط سلسلة "دقيوس ومقيوس" في جزئها الثالث في فخ الشعبوية والسطحية والخطابية السياسية المباشرة، ما جعل العمل يضيع حسبه في السياسة ويفقده جوهره الكوميدي، وبدرجة أقل "عاشور العاشر" للمخرج جعفر قاسم الذي رغم انسحاب بطله الرئيسي صالح أوقروت، إلا أن الممثل حكيم زلوم وجد بعض ملامحه مع مرور الحلقات، يضيف المتحدث: "ما يعاب عليه كذلك هو السقوط في فخ الرسائل السياسية المباشرة مع ارتجال يظهر كثيرًا عبر لحظات العمل، بالإضافة لضعف الحوار وسطحيته في أحايين كثيرة، فيما يحسب لجعفر قاسم الهويّة البصرية الجيدة، ومنح حيز أكبر للشخصيات الأخرى في العمل لكي تظهر أكثر وهو ما وفق فيه كثيرا".

"البريكولاج" الفني

من جهته، أشار الناشط الثقافي عزيز حمدي في حديث لـ "الترا جزائر"، إلى  أنه من الضروري معرفة أنه من أصل 136 برنامجًا رمضانيًا، يمرّ حاليًا حوالي 38 عملًا فقط على القنوات الوطنية، ويعود هذا النقص الفادح في العرض حسبه إلى عدم قدرة القنوات الخاصّة على تغطية متطلبات المنتجين المالية، وضرب عزيز حمدي مثالًا على هذا العجز بما حدث لمسلسل "بابور اللوح" الذي راح ضحية غياب التنظيم والعجز المالي حسب تصريحه. 

يضيف المتحدث هنا، أن عدد الأعمال المنتجة يبقى هزيلًا مقارنة بشبكة القنوات التي تتجاوز العشرين، وأن ما يعرض في رمضان هو نوع من "البريكولاج"  الذي يجعل المشاهد مشتتا ليلجأ إلى جملة: "المهم هذا البرنامج أحسن مما قدم في العام الماضي"، وهذا ما يبين ان تقييم البرامج عامة لا يتم في المطلق ونسبة لمعايير إنتاجية معينة، بل بانتهاج المقارنة بين برنامج وآخر.

تساءل عزيز حمدي هنا، عن جدوي الحديث عن التقييم وعن نوعية المنتوج المقدم في حين ما تزال معظم المسلسلات والسيتكوم في التصوير، كيف يمكن الرضا بأداء ممثل يشارك في أكثر من عمليين، ويكون مجبرًا خلال ذلك على التمثيل في منتوج صباحا وفي آخر مساءً، يقول حمدي،: "هل يركز على شخصيته أم على إيجاد الوقت للتوفيق بين العمليين أو على المشاكل التقنية التي لا يخلو منها اي عمل في كل مرة؟".

هنا، أكد الناشط الثقافي عزيز حمدي على أن تقييمه الشخصي كمشاهد لهذه البرامج والمسلسلات، رسى بخياراته على انتقاء ثلاثة أعمال فقط للمتابعة من أصل كل ذلك الكم الهائل المقدم لهذه السنة، ما يعد دليلًا حسبه على التباين الواضح الموجود بين الأعمال المقدمة.

دراما جزائرية متأخرة

من جهتها، قالت الممثلة المسرحية حورية بهلول، إنه لا يمكن التغاضي عن بعض الأعمال المحترمة التي شهدت أداء تمثيليًا جيدًا، في حين صعدت إلى السطح بعض الأعمال المقدمة التي لا تمد بالصلة لا للفن الحقيقي ولا لطبيعة المجتمع الجزائري وما يطلبه المشاهد. 

تأسفت الممثلة في حديثها لـ "الترا جزائر" على تأخّر الأعمال المحلية مقارنة بما وصلت إليه الدراما العربية عمومًا، وفي تونس والمغرب خصوصا بصفتهما دولتين جارتين، حيث رجحت هذا التأخّر إلى عدم وجود رقابة فنية وكاستينغ محترف يسمح باكتشاف مواهب ذات مستوى يسمح برفع سقف التوقعات لدى مشاهدتها، إضافة إلى غياب إنتاجٍ احترافي يخدم النوعية لا الكمية، ولا يجلب فقط نسب المشاهدات العالية على حساب القيمة الفنية للعمل، واستثنت المتحدثة بعض الوكالات القليلة الفتية التي استبشرت فيها خيرًا في المستقبل، أهمها وكالة وجوه.

وفي دفاعها عن الممثلين الجزائرين، أشارت بهلول إلى وجود إجحاف كبير في حقّ الممثل في الجزائر، لأنه لا يأخذ حقّه لا في مجال التوزيع ولا من الناحية المادية، كما أن العديد من الفنانين يعانون في بيوتهم جراء المحسوبية و"المعارف والتشيبة" حسب المتحدثة، وبعد ظهور ما أسمته بالموجة الجديدة من الممثلين، أحالت العديد من الوجوه تلقائيًا إلى شبه تقاعد فني، لتحلّ محلها شخصيات غريبة عن المجال، قالت عنها الفنانة بأنها تفتقر إلى التكوين والموهبة والخبرة، ما جعلها تقدم أدوارًا مفرغة من الإبداع، وخاوية من القيمة الفنية والإضافة المنشودة

الفنان ونجوم "السوشل ميديا"

وفي سؤال عن رأيها في لجوء المنتجين إلى الاستعانة بنجوم "السوشل ميديا" في التمثيل الدرامي والفكاهي، اعتبرت الفنانة هذه الخطوة مدروسة من الناحية الإنتاجية، لأن المنتج حسبها يعد شخصًا ذا ميول استثمارية، يعمل لأجل أرباح شركته ونجاحها ماليًا، وبالتالي: "يصبح اللجوء إلى تلك الوجوه دعما كبيرًا لمنتوجه من الناحية المالية، لأنه يزيد من عدد المشاهدات والمتابعات لمنتوجه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي صارت منبرًا تقييميًا حديثًا للعمل يجمع نسبة غالبة من الجمهور، وهو الأمر الذي أعتبرته المتحدثة من ناحية أخرى سلبيًا ومجحفًا في حق الممثلين والدارسين للمجال، والذين يتعبون ويجتهدون للظفر بالأدوار التي يحلمون بتجسيدها".

أما بالنسبه للمستوى الذي قدمه نجوم "السوشل ميديا"، فأكدت الفنانة أن هناك نسبة قليلة جدًا منهم ممن يملكون موهبة وجبَ أن تراعى وأن تتابع من طرف مخرجين أكفاء، في حين أن هناك كثيرين منهم ممن يُفَضَّل أن يتجهوا نحو مجالات أخرى تليق بهم غير التمثيل، على حدّ تعبيرها.

في السياق ذاته، أشارت حورية بهلول إلى أن "الكارثة الأكبر" هي اللجوء للاستعانة بوجوه وشخصيات لا يصح أن تلج البيوت الجزائرية من خلال قنوات محترمة تتابعها العوائل، حيث قدم هولاء الدخلاء حسبها برامج مليئة بالسب والشتم والكلام غير اللائق ومشاهد يتبرأ منها الفنّ والفنانون.

حورية بهلول: الصناعة الفنية المحترمة بما في ذلك صناعة النجوم تتطلب فريقًا متكاملًا ومحترفًا

في الأخير، أكدت الفنانة على أن ابتغاء التطوّر في المجالين الفني والإعلامي يتطلّب عملًا جادًا ودراسات عميقة، كما أن الصناعة الفنية المحترمة، بما في ذلك صناعة النجوم، تتطلب في رأيها فريقًا متكاملًا ومحترفًا يضمّ وعارفين بالمجال الفني والتقني، و"لا يقتصر الأمر على المال فقط، وهو ما تفتقر إليه بلادنا للأسف مع وجود كل تلك المواهب المهمشة التي تعاني من التحقير، في مجالٍ مُقفرٍ يكون الفنان الحقيقي هو الضحية الأولى فيه دائمًا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

دراما رمضان في الجزائر.. ضحك على الكوميديا لا منها

"الفنون الجميلة" غير معترف بها في الجزائر؟