14-سبتمبر-2015

من المهرجان

تصرف وزارة الثقافة في الجزائر، على هيئات وجمعيات ومنظمات وفرق تابعة لها، أموالًا تشكّل مجتمعة ما يقارب ميزانية دولة إفريقية، لكنها لا تقدم، في النهاية، ربع ما تقدمه نظيرتها في دول الجوار، حتى لا نقارنها بـ"أوربا والدول المتقدمة"، بعبارة عادل إمام في فيلم "الإرهاب والكباب"، بربع الميزانيات التي تتلقاها.

تجاوز عدد المهرجانات الفنية والثقافية في الجزائر الـ 150 مهرجانًا

هنا لا بد من الإشارة، إلى أن عدد المهرجانات الفنية والثقافية في الجزائر، تجاوز 150 مهرجانًا، ما بين محلي ووطني ومغاربي وعربي ومتوسطي ودولي، من غير أن يبرز من بينها مهرجان واحد، يرسخ في الأذهان على أنه علامة فارقة في اختصاصه، على غرار "مهرجان قرطاج" في تونس، و"موازين" في المغرب" و"جرش" في الأردن، و"نابولي" في إيطاليا. ويعود هذا الذبول لهذه المبادرات، إلى أنها لم تنطلق أصلًا لدواعٍ فنية وجمالية، بل لدواعٍ سياسية، أو لتبرير صرف المال العام الذي أفرزته الطفرة البترولية، قبل أن تشهد انتكاسة في الآونة الأخيرة.

في هذا الإطار، لا يمكن أن نغفل، ونحن نبحث عن الأسباب التي أدت إلى عجز هذه المبادرات الثقافية الجزائرية عن الإشعاع، حتى على مستوى محيطها الضيق، طبيعة الوجوه التي تتولى إدارتها، فمعظمها عيّن خارج المعايير الثقافية.

وسط هذا الركام الذي قال وزير الثقافة الجديد الشاعر عز الدين ميهوبي إنه سيعيد النظر فيه، في إطار دعوته إلى ترشيد الإنفاق على النشاطات الثقافية، تشكل الأوركسترا الوطنية السمفونية استثناء جميلًا ومختلفًا، من حيث اعتمادها على الكفاءات الإدارية والفنية الفعلية، ومن حيث طبيعة النشاطات التي تقدمها، كمًّا وفنًّا، ومن حيث انفتاحها على الرصيد العالمي في هذا الفن، من خلال طبيعة المعزوفات، وطبيعة الشراكات التي باتت تربطها مع أعرق الفرق في الغرب.

تأسست الأوركسترا السمفونية الجزائرية، بالموازاة مع انطلاق شرارة العنف في البلاد سنة 1992 على يد الموسيقار عبد الوهاب سليم، فكان ذلك واحدة من المبادرات الفنية التي كانت دليلًا على أن صوت الحياة لا يمكن أن يخبو. غير أن الانطلاقة الفعلية للأوركسترا كانت في عام 2002، بمجيئ المدير الحالي عبد القادر بوعزارة الذي رسم لها سياسة تكوين غذتها بعناصر شابة، تملك مؤهلات جامعية في الموسيقى، بعضها ينتمي إلى أبناء الجالية الجزائرية في الخارج.

يقول بوعزارة لـ"الترا صوت" إنه خاض رهانين منحا الأوركسترا مصداقيتها الفنية، هما اعتماد الكفاءة، وإدخال الروح الجزائرية إلى اشتغالاتها الموسيقية، مما غيّر نظرة الجزائريين إلى هذا الفن الذي كان حكرًا على المشهد الغربي. يدير بوعزارة، بالإضافة إلى الفرقة، مهرجانًا دوليًا في الموسيقى السمفونية، تأسس عام 2011، ويتخذ من المسرح الوطني الجزائري، في قلب الجزائر العاصمة، فضاء لعروضه على مدار أسبوع كامل.

فرقٌ قدمت من 18 دولة لتقدم معزوفاتٍ تشترك في ثيمة المحبة، منها السمفونية الرابعة لبيتر تشايكوفسكي، و"الوردة التي رميتها لي" من أوبرا "كارمن" للفرنسي جورج بيزي، و"تسطع النجوم" للإيطالي جياكومو بوتشيتي. ولأول مرة يتم اختيار أصوات عربية شابة، لأداء هذه الروائع، نذكر منها يانيس بن عبد الله من المغرب، ورجاء الدين من مصر، وحمادي لاغا من تونس، تحت قيادة المايسترو الجزائري أمين قويدر.

قصدنا المهرجان في طبعته السابعة، والتي تستمر إلى الـ 19 من الشهر الجاري، فوقفنا على مشاهد حضارية ملهمة، مئات العائلات من مدن مختلفة، تبحث عن مكان لها في المسرح الذي يتوفر على 700 مقعد، وهي المشاهد التي كنا لا نراها إلا في مهرجانات أغنية "الراي".