04-مايو-2020

عشرات الصحافيين لم يتقاضوا أجورهم منذ عدّة أشهر (تصوير: فاروق باتيش/أ.ف.ب)

لم يكن الإعلام الجزائري تحت دائرة الفحص والرّقابة الرّسمية والشعبية، كما هو في الظّرف الراهن، بينما كان يطرح الأسئلة التي تخصّ كل القطاعات بعد فترة من الفوضى السياسية، وجد نفسه هذه المرة محلّ أسئلة عميقة عن المضمون الذي يقدّمه للجزائريين أولًا، وعن وضعه وبيئته القانونية الملتبسة وعلاقته بالسّلطة ثانيًا، والظروف التي يعمل فيها الصحافيون ومستوياتهم المهنية وتركيبة الجسم الصحفي ثالثًا، وسط منافسة مما صار يعرف بالإعلام الشّعبي أو "الصحافي المواطن".

تُشير بعض المصادر، إلى وجود العشرات من الصحافيين دون أجور منذ أشهر طويلة

تداعيات فتح القطاع الخاص

بين مدّ وجزر، ظلّ حال الصحافة الجزائرية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، يترنّح بين بسط وجودها في الساحة الاتصالية، عقب فرارها من فضاء صحافة الحزب الواحد، إلى تعددية المنابر الإعلامية، بفعل تعديل الدستور الجزائري في 1989، و ما أعقبته من مواكبة التحولات السياسية بفعل التعددية الحزبية في الجزائر.

اقرأ/ي أيضًا: حملة مكثفة لوزير الاتصال لتبرير حجب المواقع الإخبارية في الجزائر

اكتسبت الصحافة الكثير من الحِرفية والمهنية، في كثير من المنابر الورقية من الصحف الخاصّة، إلى غاية التحوّلات التي عرفتها عدد من البلدان العربية خلال فترة الربيع العربي، حيث شهدت ميلاد قنوات تلفزيونية خاصّة، في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، غير أنها ظلّت تحت مظلة القنوات الأجنبية، محكومة بقانون رخصة مكاتب أجنبية موجودة في الجزائر، ومهتمة بالشأن الجزائري العام، وذلك في بدايات العام 2012.

حقيقة المشهد الإعلامي في الجزائر، تشوبه الضبابية بحسب بعض المهنيين، رغم تعدّد القنوات التلفزيوينة واتساع التناول الإعلامي لمختلف القضايا والمسائل عبر وسائط التواصل الاجتماعي، إذ مازالت في فترة المخاض العسير، رغم مرور ثماني سنوات من مخرجاتها السمعية البصرية، حيث شهدت "عملية مدٍّ وجزرٍ بين تلبية ما يطلبه المشاهد، وبين ما تفرضه عليها السلطة السياسية"، يقول الباحث في حقل السمعي البصري نبيل خلادي لـ"الترا جزائر".

يوضّح المتحدث، أن "الولادة الهجينة" لتلك القنوات وتستّر السلطة على نشاطاتها، في فترة ما بين 2012 إلى 2014، كان بفواعل سياسية محضة، إذ كان "الرئيس بوتفليقة وقتها يتحدّث في آخر خطاب علني في ولاية سطيف عن فتح مجال السمعي البصري، وتحسين ظروف العمل تحت بوابة حرية التعبير"، حديثه ذلك كان موجه لإسكات الأصوات المنادية بالحرية السياسية ورفع اليد على التضييق على المعلومة، والكفّ عن تكميم الأفواه قبيل الانتخابات المحلية في 2012، يضيف خلادي.

في السياق نفسه يواصل الباحث، أن الفترة التي شهدت الانفتاح السمعي البصري بتعدد القنوات التلفزية، جاءت في فترة رياح "الربيع العربي" الذي أطاح بعديد الأنظمة السياسية، تزامنًا مع ارتفاع منسب المطالب الشعبية بحرية التعبير ومختلف الحرّيات.

أعقبت هذه الفترة، مساعٍ سياسية في تسيير مرحلة العهد الرابعة للرئيس بوتفليقة، وهو ما ظهر جليًا في سعي قنوات تلفزيونية إلى خدمة مصلحة الرئيس المرشح، ولغاية الانتخابات الرئاسية في سنة 2014، لم يتغير شيء على مستوى قوانين حاكمة للسمعي البصري وتأهيل القنوات لتصيح جزائرية محضة، إلى غاية صدور قانون السمعي البصري  في 2016، الذي بات اليوم عبارة عن مساءلة لجميع مهنيي القطاع،  في مقابل غياب الاحترافية في المعالجة الإعلامية  للواقع السياسي والاجتماعي في الجزائر.

فوضى الإعلام

من حيث الشكل، تظل المخرجات الإعلامية متنوّعة، غير أن المضمون بات اليوم يطرح ألف سؤال، يراه البعض ناجمًا عن بعض الظروف السياسية التي أوجدت مشهدًا إعلاميًا مخلخلًا، بل مشتتًا تقول الأستاذة في الإعلام والاتصال، سعاد مناصرية في حديث إلى "الترا جزائر"، معترفة أن الواقع الإعلامي الجزائري مزيفًا وصل إلى حدّ العبثية".

والدليل على ذلك، تستطرد الأستاذة مناصرية، أننا أمام واجهات إعلامية تعددية مشكلة من صنوف منوّعة من الصحف قدر رسميًا عددها بـ 162 صحيفة و50 قناة تلفزيونية خاّصة، علاوة على قنوات حكومية متعدّدة وإذاعات محلية، وكم هائل من المواقع الإلكترونية، "هذا الكم لا يقارن بتاتًا بالمضامين التي تبثّها وتنشرها هذه الوسائط الإعلامية، بل ويتعارض أحيانًا مع الهدف الأسمى من وجود هذه القنوات".

وفي هذا المضمار، يضيف الأستاذ في الاتصال عبد العالي بن عبد الله قائلًا: "إن هذا المشهد يعطينا كمشهادين ومتابعين في بعض الأحيان، مضمونًا ضعيفًا جدًا، بسبب تجاوزه للقوانين والأخلاقيات والأعراف المجتمعية، بل هو بعيد كل البعد عن وظائف الرسالة الإعلامية".

رقابة شعبية

مضامين سلبية ومؤثرة جدًا تبثّها وسائل الإعلام الجماهيرية، أدّت إلى "ثورة غضب" لدى المتفرّج، خصوصًا أمام تعاظم التناول الإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإن تطرق  برنامج تلفزيوني إلى مواضيع تمسّ الكرامة الإنسانية أو المعتقدات والعادات، نحو نقل لغة الشارع إلى التلفزيون، سنتوقع جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، كما وصفه الأستاذ بن عبد الله، وهو ما لا يتماشى مع أهمية المضاميين الإعلامية خصوصًا في شهر رمضان الحالي، في مقابل تطور المجتمع و متطلباته، لافتًا إلى ضرورة تقنين المواد الإعلامية التي تمرّر عبر القنوات التلفزيونية، وأن "تكون رقابة قبلية على تلك البرامج، وهذا لا يتنافى مع مبدأ حرّية التعبير".   

ففي ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي، بات للمواطن مساحة لمراقبة تلك المضامين، سواءً بانتقادها إيجابًا أو سلبًا، أو ابداء استيائه منها بكبسة زر، إذ نجد اليوم ردود فعل كبرى على موقع فيسبوك، تسببت في لفت انتباه سلطة الضبط للسمعي البصري، وحملها على توجيه إنذارات لعديد القنوات التلفزيونية.

ملامح إصلاح ولكن

سياسيًا، وعد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتحسين علاقة السلطة مع الإعلام، إذ أكد على في مقابلة تلفزيونية الجمعة الماضية، على أنه منذ توليه منصب رئيس الجمهورية،  أصبح مقرّ الرئاسة مفتوحًا أمام كل وسائل الإعلام بما في ذلك الخاصة، معترفًا أن حرية التعبير مضمونة بالجزائر، كما دعا إلى "احترام القانون والابتعاد عن التهويل".

الإعلام اليوم في الجزائر، على محكّ الرقابة الرسمية، وبداية محاولات الإصلاح، إذ شدّد وزير الإتصال والناطق الرسمي للحكومة عمار بلحيمر، على ضرورة تنظيم نشاط القنوات التلفزيونية"، علاوة على تسوية نشاط المواقع الالكترونية. 

تُشير بعض المصادر، إلى وجود العشرات من الصحافيين دون أجور منذ أشهر طويلة، وغلق بعض المؤسّسات الإعلامية التي ولدت في فترة الرئيس السابق بوتفليقة، وتشتيت موظفيها، وهو ما يعطي مؤشّرات سلبية عن تنظيم القطاع، علاوة على وجود عدد من الصحافيين في السجن على خلفيات سياسية ومهنية مختلفة، طفت على السطح في فترة الحراك الشعبي، وهو ما يستدعي التوقّف عنده في قادم الأيام من طرف المهنيين والسلطة، تحت بوابة التوازن بين الحرية والمسؤولية.

هل سيتمكن الإعلام الجزائري من  المحافظة على استمراريته ويحقق انتصارات سبق لها تحقيقها؟

ممكن جدًا ولكنه ليس سهلًا، إيجاد خيط ناظم بين حرّية التعبير والتشبث بالمسؤولية الإعلامية، التي تعني حسب خبراء في الإعلام، الالتزام بأخلاقيات المهنة، خاصّة وأن الإعلام هو معركة كفاح يومي لأجل المعلومة، ورسم الوعي المجتمعي، فهل سيتمكن الإعلام الجزائري من  المحافظة على استمراريته ويحقق انتصارات، سبقت أن خاضتها الصحافة المكتوبة الخاصّة زمن الفترة الأمنية العصيبة؟ وهل ستتمكّن السلطة اليوم من تنظيف التركة الثقيلة من التجاوزات، لفائدة ممارسة مِهنية احترافية، بعد إقرارها بالفوضى التي أنجبت عديد المؤسّسات الإعلامية، والتي ستقذف لا محالة بشوائب فترة طويلة من المقاومة؟.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إذاعة على الإنترنت تشكو تعرّضها لـ "الرقابة السياسي"

إدارة "راديو أم" تتهم بلحيمر بالجهل بالإعلام الرقمي وتهدّد بمقاضاته