18-مارس-2021

احتجاجات أمام مبنى التلفزيون العمومي (صورة أرشيفية/ رياض قرامدي/أ.ف.ب)

بين الخطاب الرسمي في الجزائر ومسيرات الحراك الشعبي بَوْن شاسِع، يظهر ذلك جليًا من خلال تباين ما تنقله مواقع التواصل الاجتماعي وما تنقله التغطيات الإعلامية، ويُمكن تقسم هذه الفترة إلى مرحلتين؛ سعت فيهما السلطة إلى إجراء تغيرات سياسية متقدّمة، وإعادة بناء المؤسّسات الدستورية من جديد، في مقابل التضييق على الحرّيات في الشارع والضغط عل وسائل الإعلام.

يطرح مهنيون في قطاع الإعلام عدة تساؤلات متعلقة بمدى إمكانية ممارسة حرية التعبير في وسط ملغّم؟

تداول الأدوار

لقد كشفت مرحلة المخاض العسير الذي شهدته الساحة السياسية في البلاد، منذ الـ 22 شباط/فيفري 2019، إلى غاية إقرار الانتخابات الرئاسية في 12 كانون الأول/ديسمبر من السنة نفسها، واستمرار الغليان الشعبي في الشارع، مدى تأثيرها على طبيعة العمل الصحافي وتغطية الأحداث والتفاعل مع ارتداداتها ونتائجها أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: حرية الصحافة: الجزائر تتقهقر بـ 27 مركزًا مقارنة بسنة 2015

وتبعًا لذلك، يطرح مهنيون في قطاع الإعلام عدة تساؤلات متعلقة بمدى إمكانية ممارسة حرية التعبير في وسط ملغّم؟ وكيف يمكن أن يؤدّي الصحافيون مهمتهم في نقل الأحداث، بأقلّ الأضرار المهنية؟ وهل استقرّ الخطاب الرسمي على مفهوم واضح لعمل الصحافيين؟ 

أسئلة حارقة في ظلّ تجاذبات يومية لطبيعة ممارسة المهنة في الجزائر، إذ يعتقد الكثيرون أنه لا يمكن قراءة وضع الإعلام حاليًا دون التعريج على مراحل تشكّله كما هو عليه اليوم حاليًا، أي منذ الانفتاح الإعلامي 1990، إلى غاية موجتي التغيير التي ضربت الشارع الجزائري منذ مطالبة الشعب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بالاستقالة إلى الآن، أي بعد عامين منذ انطلاق الشرارة الأولى للحراك.

الثابت لحدّ اليوم أن الاعلام عمومًا لم يكن بمنأى عن الأحداث السياسية وتأثير السياسيين الذين حكموا البلاد منذ الاستقلال، هنا، يقول الباحث في الإعلام الأستاذ فارس مهني لـ "الترا جزائر" إن أغلب التحولات التي طرأت على الصحافة ثم الإعلام الثقيل، تزامنت مع تغييرات في السلطة دفع إليها الحراك الشعبي منذ أحداث تشرين الأول/أكتوبر 1988، لتتواصل المسيرة حسبه نحو "تأدية أدوار مختلفة على مدار ثلاثة عقود من الزمن".   

وعلى أساس ذلك، يضيف مهني، عَبَرت الممارسة الإعلامية بحسب الخطاب الرسمي والمواثيق، عدة محطات وخطت عدة خطوات كبرى، هي: إقرار التعددية الإعلامية، بحسب قانون الإعلام الجديد في سنة 1990، وصولًا إلى قانون الإعلام سنة 2012، الذي تزامن مع ثورات الربيع العربي، ثم يليه القانون الذي أقرّ الانفتاح الإعلام على مجال السمعي البصري سنة 2016.

مسافة سياسية

حاليًا، يشهد الإعلام الجزائري أكثر المراحل إثارة للنّقاش والجدل، خاصّة منذ الجمعة الماضية، وحادثة الاعتداءات التي طالت عدد من الصحافيين في قلب المسيرات، وسبب ذلك راجع إلى تعدّد التوجهات التي تنتهجها جموع المتظاهرين، والتي تتضح جليًا عبر الشعارات المرفوعة من طرفهم، فضلًا عن مختلف التغييرات التي تسارعت منذ عودة الحراك للشارع ومباشرة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مرحلة ثانية من المخطط السياسي الذي عكف عليه منذ اعتلائه كرسي قصر الرئاسة نهاية كانون الأول/ديسمبر 2019. 

في الوقت الذي تعمل فيه السلطة السياسية في البلاد على مواصلة أهداف "مشروع الجزائر الجديدة" حسب تصريحات الموالين لهذا الخطّ السياسي للرئيس تبون، يخضع الإعلام لضغوطات كبيرة تمارس عليه من طرف صناع القرار أوّلًا، إذ لم نشاهد لحدّ اللحظة استضافة أصوات معارضة لمنهج السلطة، عبر وسائل الاعلام المسموعة المرئية العمومية والخاصة، واستخدام عامل الرقابة الذاتية في قلب المؤسّسات الإعلامية ثانيًا.

لكن الملفِت للنظر، أن الإعلام استفاد من هامش من الحرّية خلال الموجة الأولى للحراك الشعبي، والتي سبقت الغلق التام بسبب جائحة كورونا منذ آذار/مارس 2020، إذ فرضت المسيرات الشّعبية على القائمين على المؤسّسات، أن يمنحوا فسحة حرية التعبير تجاوبًا مع الخطة الثانية التي سبقت الانتخابات الرئاسية، وهذا المُعطى يراه بعض المتابعين لمضامين الإعلام في تلك الفترة: "تهيئة لمسار سياسي جديد ظاهريًا، لكنه في الوقت نفسه سيعود إلى سابق عهده باستخدام عصا الإغلاق، خاصّة مع المواعيد السياسية الكبرى كالانتخابات". 

نضال مستمرّ

من خلال هذا المنظور، قال الإعلامي مروان الونّاس، إن غلق مساحات حرّية التعبير في الجزائر، "لن يُثني الإعلاميين عن المطالبة بحرية التعبير"، موضّحًا في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن المطالبة بذلك هي على الأقل كأحد أشكال النضال ضدّ التضييق، والنظام لن يمنح الحرية، لكن عدم التوقّف عن الضغط بالمطالبة سيدفعها إلى التنازل عن بعض الهوامش مع مرور الوقت".

وواصل الإعلامي لوناس قائلًا إن "الأنظمة عادة ما تتعامل مع هذا الوضع بترك ما وصفه بـ "مساحات للتّنفيس أمام الشعب كي لا يحدث الانفجار"، كما عزا هذه الخطة إلى أن النظام يعتقد أن ذلك يمنحها القدرة على الاستمرار وعلى التحكّم في الشّارع من خلال هوامش ضيّقة تسمح مثلًا بانتقاد الوزراء وصغار المسؤولين، دون أن تصل إلى انتقاد رئيس الدولة أو كبار القادة العسكريين، على حدّ تعبيره.

ودعا الإعلامي إلى ضرورة استثمار الإعلام بشكلٍ عام لهذه المساحات التي تقدّم لوسائل الإعلام أكسيجين الاستمرارية والمطالبة بالمزيد من الحرّيات في الممارسة الصحافية.

 ظلّ الإعلام يتأرجح تحت قبضة السّلطة بين الانفتاح والانغلاق حسب الظروف السياسية 

لا يُمكن إغفال عديد المعطيات التي تتعلق بتغيرّات شهدتها الساحة الإعلامية، إذ تفيد التجربة الجزائرية في مجال الممارسة الإعلامية خلال الثلاثة عقود الأخيرة، أن الإعلام متغير ومتحرّك بين المدّ والجزر، إذ ظلّ يتأرجح تحت قبضة السّلطة بين الانفتاح والانغلاق حسب الظروف السياسية، رغم عديد المتغيّرات في الساحة السياسية، في المقابل لا يُمكن أن نُلقِي باللاّئمة على المنظومة الاعلامية وخاصة الصحافيين، في معاركهم اليومية لأجل فضاء الحرية، على اعتبار أن المؤسّسات الإعلامية اقتحمها رجال المال، وهو ما أضفى عليها نوعًا من الخضوع لإملاءات السّلطة، وتماشيًا مع نظرة براغماتية تحكُمُها المصالح.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عودة الإعلام إلى ضلاله القديم

مخاوف من الإعلام الإلكتروني في الجزائر