21-أبريل-2023
ممثلون من مسلسل البطحة (فيسبوك/الترا جزائر)

ممثلون من مسلسل البطحة (فيسبوك/الترا جزائر)

كاد الإنتاج التلفزيوني الرمضاني في الجزائر أن يخلو لأول مرّة من توقيع مخرجين تونسيين، وهم الذين كانوا في المواسم الماضية لازمة لابد منها، وبالخصوص بعد التوفيق في مسلسلات تركت بصمتها في الإنتاج الدرامي الجزائري، وشكلت بحسب البعض إضافة ظهرت بالخصوص في الجانب التقني.

لم تحمل الإنتاجات الدرامية والفكاهية التي عرضت على شاشة القنوات التلفزيونية الجزائرية هذا العام أي حضور لمخرجين تونسيين، باستثناء مسلسل "بنت البلاد"

ورغم قلة الإنتاج التلفزيوني في تونس رمضان هذا العام جراء الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، إلا أن الانتاجات التلفزيونية الجزائرية لم تعرف هذا العام حضورًا بارزًا للمخرجين التونسيين، كما غابت الانتاجات المشتركة التي كانت موجودة بكثرة في رمضان 2022.

مخرج واحد

لم تحمل الإنتاجات الدرامية والفكاهية التي عرضت على شاشة القنوات التلفزيونية الجزائرية هذا العام أي حضور لمخرجين تونسيين، باستثناء مسلسل "بنت البلاد" الذي  أسند  للمخرج سامي فعور، بالنظر إلى أن المنتج عماد هنودة اعتاد على التعامل مع المخرجين التونسيين في كل أعماله، كون شركته "والكوم" تنشط في البلدين،وهي من أوائل الشركات التي أدخلت موضة المخرجين التونسيين إلى الجزائر بعد أن حقق مسلسلها الأول "الخاوة" الذي أخرجه مديح بلعيد نجاحا وانتشارا كبيرا عام 2017.

ورافق هذا التراجع ندرة في الأعمال الجزائرية التونسية المشتركة، إذ اقتصر الأمر على مسلسل "الاختيار الأول" الذي عرف مشاركة الممثلين التونسيين فتحي الهداوي ونضال السعي وفاطمة برطقيس والمغني نوردو، إضافة إلى مشاركة بعض التقنيين في تصوير مسلسل "البطحة" الكوميدي.

وحقق المخرجون التونسيون في المواسم الرمضانية السابقة نجاحات بارزة في الإنتاج التلفزيون الجزائري عبر مسلسلات مثل الخاوة وأولاد الحلال وبابور اللوح ويما وعنتر نسيب شداد، والتي سمحت بتألق مخرجين كمديح بلعيد ونصر الدين السهيلي وبلال بالي وسامي فاعور.

ويعتقد المخرج الجزائري هشام بن شريف أن "من بين الأسباب الرئيسية لهذا التراجع هو غلاء أجرة المخرجين التونسيين مقارنة بالجزائريين"، إضافة إلى التكاليف الأخرى المتعلقة بهم من إيواء ومركب، مع العلم أن بعض المخرجين التونسيين يشترطون اصطحاب فريقهم التقني كاملا.

الشبكة البركة

عرفت الشبكة البرامجية الجزائرية ارتفاعًا في الكم هذا العام مقارنة بالعام الماضي، فقد تم إنتاج على الأقل عدة مسلسلات درامية هي الدامة وحداش وحداش والاختيار الأول وبنت البلاد وعين الجنة وحارة الشهداء، إضافة إلى إنتاجات أخرى سواء كوميداية او درامية، وإن تفاوتت نوعيتها من مشروع إلى أخر ومن قناة إلى أخرى.

وقال هشام بن شريف " شهدت الشبكة البرامجية لرمضان 2023 نقلةً مبدئيا من حيث الكّم، مقارنةً بالسنوات الماضية، كما أن الوِفرة لم تكن الأمر الوحيد المُلفِت للانتباه هذه السنة بل الاستحقاق لصُنّاع هذه الأعمال الجزائريين على عكس ما كان في السنوات الماضية سواءً كانوا منتجين أو مخرجين".

وأضاف "هذا الأمر ربّما حدث لسببٍ أو لآخر لكن بالمحصّل شخصيًا كمخرج جزائري أعتبرهُ بمثابة انتفاضة للمخرجين الجزائريين الذين برز بعضهم لأوّل مرة بأعمال رسمية خاصة بهم".

وشكل غياب المخرجين التونسيين عن المشهد الفني الجزائري هذا العام فرصة لبروز مخرجين جزائريين في مسلسلات صنعت الحدث، وهنا يقول المخرج هشام بن شريف " بالنسبة لي أنا لا أعارِض وُجود مخرجين تونسيين بأعمال جزائرية، لكن بالوقت الذي تكون فيه نسبة قليلة جدًا من الإنتاجات كخمسة مسلسلات، أعتقد انه لا يمكن أن تُمنحَ لغير خمسة موهوبين من الجزائر لإثبات أنفسهم".

المشهد الفني

لا أحد ينكر الإضافة التي شكلها التحاق المخرجين التونسيين بالمشهد الفني الجزائري، فنجاحاتهم لا تزال تذكر حتى اليوم من خلال إنتاجات معينة مثل "الخاوة" و "أولاد الحلال" و"بيبيش وبيبيشة"، الأمر الذي جعل البعض يتوقع أن يؤثر ذلك على تنوع الأعمال المقدمة وقيمتها.

لكن المخرج هشام بن شريف لاحظ أن المشاهد لم يلمس هذا الغياب على المطلق، قائلًا في هذا الإطار لـ"الترا جزائر" إنه "بالعكس لم يُؤثّر غياب ذلك بالمرّة مقارنة بما قُدِّمَ من مخرجينا، لأن الأعمال المقدمة في رمضان 2023 احتوت على أهم العناصر اللازمة لنجاحها، مثل مسلسل "حداش حداش" للمخرج الشاب أسامة قبّي الذي رفع مستوى الإخراج والصورة لمستوى عالٍ سبق به حتى ما قدم من قبل المخرجين الوافِدين. والأمر ذاته ينطبق على وليد بوشباح الذي أبدعَ في  (البطحة) ويوسف محساس المتألّق في (عايلة شوك) ، وُصولًا للنجاح الباهر الذي قدّمه المتمرس يحي مزاحم في  مسلسل (الدّامة)".

وربما تأثير هذا الغياب انعكس في عامل واحد هو غياب الانتاجات الجزائرية التونسية المشتركة التي برزت في السنوات الماضية بشكل كبير في مسلسلات مشاعر وحب الملوك والمليونير وغيرها، والتي رأى فيها البعض بداية لتأسيس سوق درامية مشتركة تساعد في فرص  عمل الفنانين وتوسيع جماهيريتهم، بالنظر إلى أن هذه الأعمال المشتركة صارت سمة حتى في المشرق العربي الذي يعرف سوقا نشطة للانتاج الفني الدرامي.

وأوضح هشام بن شريف أن "الأعمال المشتركة بالعالم العربي تلقى نجاحًا كبيرًا، مثل ما يحدث بين اللبنانيين والسوريين الذين أثبتوا مصطلح PAN ARAB وجعلوا منه تصنيفًا بالدراما العربية امتد لمصر والخليج. شخصيًا كنتُ من المرحِبين والمشجّعين للإنتاج المشترك بين الجزائر وتونس، وعسى أن يكون هذا الانقطاع متوقفًا على هذه السنة فحسب، لأن نجاح تلك الأعمال يُساهم في دفع عجلة الإنتاج المغاربي عربيًا".

غاب الجدل المثار كل سنة في الجزائر حول إسناد أعمال تلفزيونية لمخرجين تونسيين

من المؤكّد أن الجدل الذي كان يحدث كل عام حول إسناد إخراج مسلسلات لتونسيين غاب هذا العام ليس فقط لغياب هؤلاء التقنيين، إنما أيضا بسبب النجاح الذي حققه المخرجون الجزائريون، وبسبب كثرة الإنتاج المحلي المقدم هذا العام الذي يبقى رغم هذا بعيدًا عما ينتج في مصر وسوريا والخليج، لأنه عند الوصول إلى تأسيس سوق درامية مشابهة لما يحدث في المشرق، يصبح الحديث عن جنسية المخرج تفصيل صغير لا يثير اهتمامًا سواءً في تونس أو الجزائر.