23-يونيو-2019

من أمام كليّة الطب بالجزائر العاصمة (رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

أقرّ أوّل دستور جزائريّ عام 1963 العربيّة لغةً رسميّةً للبلاد، لكنّ جانبًا كبيرًا من التّعليم ظلّ باللّغة الفرنسيّة، التّي وصفها كاتب ياسين بـ"غنيمة حرب"، إلى غاية إقرار نظام التّعريب من طرف نظام الرّئيس هوّاري بومدين عام 1971، غير أن اللغة الفرنسيّة بقيت مهيمنة على الإدارة وتدريس الموادّ العلميّة.

وزير التّعليم العالي قال إنّ قطاعه ينوي طرح خيار استبدال اللّغة الفرنسيّة بالإنكليزية للتّصويت عليه في مواقع التّواصل الاجتماعي

حاولت بعض الأطراف المتشنّجة من الإرث الاستعماريّ الفرنسيّ، بما فيه اللّغة، أن تجعل اللّغة الإنكليزية خليفة للفرنسيّة، فتكون لغة التّعاطي العلميّ لكنّها فشلت لأسباب عادةً ما تُلخّص في رفض التيّار المفرنس لهذه الخطوة، كان أقواها وأكثرها خلقًا للنّقاش في الأوساط الثقافيّة والجامعيّة والإعلاميّة وحتّى الشعّبيّة محاولة وزير التّربية الأسبق علي بن محمد، غير أنّها سقطت في الماء باستقالته إثر تسريب أسئلة امتحانات الباكالوريا/ الأهليّة العامّة عام 1992.

اقرأ/ي أيضًا: انقطاع الإنترنت في الجزائر.. مصداقية البكالوريا تضرب الاقتصاد

ظلّ المطلب يظهر ويختفي منذ ذلك الحين، وبات أقرب إلى الاختفاء في العشريتين اللّتين حكم فيهما عبد العزيز بوتفليقة، بالنّظر إلى ولعه باللّغة الفرنسيّة، إلى أن طرحه طيّب بوزيد وزير التّعليم العالي، في حكومة نور الدّين بدوي الحالية، حيث قال إنّ مصالح وزارته تنوي طرح خيار استبدال اللّغة الفرنسيّة باللّغة الإنكليزية للتّصويت عليه في مواقع التّواصل الاجتماعيّ، قبل أن يستدرك بالقول: "القرار النّهائيّ يبقى في أيدي غالبيّة الأكاديميّات الجزائريّة، داخل البلاد وخارجها".

أحدث المشروع جدلًا واسعًا في موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك، بين مثمّن ورافض وساخر من كونه مشروعًا شعبويًّا ذا خلفيّات سياسيّة مؤقّتة.

هنا، يقول الطالب الجامعيّ زهر الدّين مربعي لـ"الترا جزائر" إنّه راعى معطيات موضوعيّة، قبل أن يحكم على المشروع بكونه لا يستند إلى خلفيّات معرفيّة. يشرح فكرته: "السّلطة الحالية تعلم أنّها مرفوضة شعبيًّا، وتعلم أن قطاعًا واسعًا من الجزائريّين يميل إلى اللّغة الإنكليزية، إمّا لرغبته في استثمارها علميًّا، بحكم تفوّقها عالميًّا، أو لبغضهم للّغة الفرنسيّة لأسباب تاريخيّة، فأرادت أن تعطي انطباعًا بأنّها ذات روح وطنيّة، بزحزحة لغة المحتلّ، فتكسب أنصارًا لها".

ويضيف المتحدّث، أنّ مشروعًا مثل هذا يحتاج إلى أرضيّة معرفيّة وعلميّة ولوجستيكيّة، حتّى يؤتي ثماره، "هل أعددنا ما يكفي من المدرّسين؟ هل نملك ما يكفي من مخابر التّرجمة المحترفة، حتّى ننقل المضامين العلميّة والمعرفيّة إلى اللّغة الإنكليزية؟ هل أعددنا ما يلزم من اتفاقيات مع الجامعات العالميّة والخبيرة لمساعدتنا على هذا الانتقال؟".

في السّياق، يقول عضو الجمعيّة الجزائريّة للدّراسات الفلسفيّة البشير ربّوح لـ"الترا جزائر" إنّ التّعامل مع اللّسان الفرنسيّ لم يكن علميًّا في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر، "ويبدو أنّنا لم نتحرّر من أسر الرّؤى السّابقة، بفعل الذّهنيّة الشّعبويّة، التّي ضيّعت اللّسان العربيّ وباقي الألسنة، فالذّهنيّة نفسها تنتج السّلوك ذاته". يختم: "الانفتاح على الألسنة مسألة على قدر كبير من الأهمية، لكنّها تحتاج إلى رؤية حضاريّة".

من جهته، يرى عبد الرّزّاق بلعقروز الأستاذ المحاضر في قسم الفلسفة بجامعة سطيف أنّ إضافة اللّغة الإنكليزية إلى المؤسّسات التّربويّة الجزائريّة مطلب علمي وأداة إيجابيّة للتّواصل مع العالم، معتبرًا أنه وجهة أخرى للطلبة نحو الجامعات العالميّة، ويضيف صاحب كتاب "السّؤال الفلسفيّ ومسارات الانفتاح": أن اللّسان الإنجليزيّ هو قناة التّواصل في كل جامعات العالم، ولم يتمّ إدراج اللغة الإنكليزي في الطور الابتدائيّ، ستكون الثّمرة أفضل، يستدرك: "هذا لا يعني الانتصار الشّعبويّ، الذّي لا يتقن لا الفرنسيّة ولا العربيّة".

وبين الوجهتين، من يرى أنّ اعتماد اللّغة العربيّة، على مدار سنوات التّعليم أمرٌ ممكن، في إطار تثبيت دعائم الهوّية الوطنيّة. نجد في صفحة تنسب نفسها لجامعة الجلفة تدوينة فيسبوكيّة تقول: "إحلال الإنكليزية مكان الفرنسية خطوة رائعة للتخلّص من كل أشكال التّبعيّة لفرنسا، لكن لا يجب أن نتخيّل أنّ الجزائر ستتطوّر بمجرّد أن نفعل ذلك، فكندا تدرّس بالفرنسيّة أيضًا. سبب تخلّفنا هو التّدريس بغير لغتنا، لماذا لا نعتمد لغتنا الوطنيّة، بعد أن قمنا بالتّغيير من خلال الحراك؟".

تضيف التّدوينة: "تركيا تملك نصف لغة، مع ذلك ذهبت بها بعيدًا، إذا لم نغيّر نظرتنا إلى لغتنا، فستأتي أجيال تعاني بالإنكليزية، مثلما نعاني اليوم بالفرنسيّة".

ولأنّ حساسيّة الموضوع تتعدّى الأوساط العلميّة والثّقافيّة إلى الأوساط الشّعبيّة، فقد تفاعلت معه هذه الأخيرة، بين الجدّ والهزل، فتبادل روّاد فيسبوك صورًا وفيديوهات ومنشورات تتخيّل الواقع اللّغويّ في الجزائر، في حالة اعتماد اللّغة الإنكليزية بدلًا عن الفرنسيّة، وفق روح طريفة تثير الضّحك.

جدل استبدال اللّغة الفرنسيّة باللّغة الإنكليزية في مجال التّعليم، بات يشغل كثيرين عن المطالب الأصليّة للحراك

في انتظار بزوغ حكومة شرعيّة ذات برامجَ منتخبٍ عليها، ينضمّ الجدل بخصوص مشروع استبدال اللّغة الفرنسيّة باللّغة الإنكليزية في مجال التّعليم، إلى قائمة الجدالات، التّي تشغل الجزائريّين عن المطالب الأصليّة للحراك، التّي بدأت تتراجع إلى المرتبة الثّانية من الاهتمام.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

مرشّحو البكالوريا والتديّن المؤقّت في الجزائر.. الاستعانة بالمساجد

من الجامعة للفضاء العمومي.. طلبة وأساتذة يدفعون بالحراك الشعبي نحو المستقبل