اقتصاد

الاستدانة الخارجية بين الشيطنة والحاجة الاقتصادية.. أي خيار للجزائر لسد العجز؟

18 يونيو 2025
الجزائر العاصمة
الجزائر العاصمة (صورة: فيسبوك)
عمار لشموت
عمار لشموتكاتب من الجزائر

تَتحفظ السلطات الجزائرية منذ انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية سنة 2019 عن اللجوء إلى الاستدانة الخارجية من أجل تمويل الموازنة العامة أو المشاريع الاستراتيجية، والعامل الرئيسي الذي شَجع عدم اللجوء إلى القروض الخارجية هو ارتفاع النسبي لأسعار النفط، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على استقرار احتياطي الصرف، والذي يَصل اليوم في حدود 63 مليار دولار.

قضية المديونية تحيل في المخيال الجزائري إلى التجربة المريرة التي عاشتها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، بعد صدمة انهيار أسعار النفط 1986

وفي السياق، يُمثل الدافع الأساسي في عدم اللجوء الحكومة الجزائرية إلى الاستدانة الخارجية، حسب ما جاء في تصريحات وتدخلات الرئيس عبد المجيد تبون، تبون هو الحفاظ على السيادة الوطنية، ورفض الوقوع تحت طائلة الاملاءات الدولية سواء شمل ذلك القرار السياسي الداخلي أو التدخل في الشأن الاقتصادي والاجتماعي.

فضلا عن ذلك، يستبعد الخطاب الرسمي خيار الاستعانة بالمديونية الخارجية، نظرا إلى تجارب سابقة راهنت فعليا القرار الاقتصادي والسياسي، تَرتب عليه تفكيك النسيج الصناعي وانهيار وتصدع في البينة الاجتماعية وتفكك الطبقة الوسطى مع بداية تسعينيات من القرن الماضي.  

الدين الداخلي ... خبراء يحذرون 

في مقابل ذلك، سجلت الحكومات المتعاقبة منذ خمس سنوات الأخيرة عجزا ماليا في اعداد الموازنة العامة، إذ يُسجل الدين الداخلي مستويات مرتفعة، يصل معدله في السنوات الأخيرة إلى حدود 110 مليار دولار (بالدينار الجزائري)، ما يعادل 55 في المائة من الناتج المحلي الوطني، وهو مؤشر يَبعث أيضا على الحذر والقلق وفق مختصين في الشأن المالي، وهذا نظرا إلى التبعات الاقتصادية ونتائجها على الجبهة الاجتماعية. 

في هذا الإطار، يرى الاقتصاديون أن ارتفاع الدين الداخلي له انعكاسات خطيرة على المستوى الاجتماعي، إذ يمكن للحكومة أن تلجأ إلى رفع من الضرائب، أو اللجوء إلى التمويل غير التقليدي، ومعناه طباعة النقود من أجل دفع أو السد الدين الداخلي أو تمويل المشاريع الكبرى أو تمويل الخدمات، وسد أعباء التحويلات الاجتماعية ودعم المواد الاستهلاكية، التي بلغت أرقام رهيبة كالسكر والزيت والقهوة والحليب وغيرها.

ومن بين انعكاسات ارتفاع الدين الداخلي، بلوغ نسب التضخم مستويات عالية، أي ارتفاع في أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، وتراجع في قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهذا بدوره يعني تراجع القدرة الشرائية للمواطن.

وفي الفرق بينهما، يمثل الدين الداخلي مجموعة قروض تحصل عليها الحكومة من قبل مؤسسات محلية وبالعملة الوطنية كسندات الخزانة، ويتم تسديد الفائدة بالعملة الوطنية، ولا توجد شروط هيكلية أو اقتصادية تُميلها المؤسسات المالية المحلية على الحكومة.

أما الخارجي فهو قروض مالية، تحصل عليها الحكومة من مؤسسات مالية خارجية، مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي ويقدم بالعملة الأجنبية، ويسدد بالعملة الأجنبية أيضا، وتفرض الهيئات المالية الخارجية جملة من الشروط الهيكلية قصد إتمام الموافقة على الإقراض.

مخاوف من إعادة سيناريو التسعينيات

وتحيل قضية المديونية في المخيال الجزائري رأسا إلى التجربة المريرة التي عاشتها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، بعد صدمة انهيار أسعار النفط 1986، حيث استعانت الحكومة آنذاك بالقروض الدولية من أجل إعداد الموازنة وتمويل الاستهلاك الداخلي، إلى أن أعلنت حكومة حمروش (1989-1991) عدم القدرة على تسديد الديون الخارجية، لتشرف حكومة أحمد غزالي(1991-1992) على التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية، وهو ما نتج عنه اتفاقية مع صندوق النقد الدولي من أجل إعادة جدولة ديون الجزائر الخارجية والحصول على تسهيلات تمويلية (1994)، ومن بين الشروط المفروضة على الجزائر حينها، تحرير التجارة الخارجية، فتح رأس المال المؤسسات العمومية للمستثمرين الأجانب والمحليين، رفع الدعم عن الأسعار وتحريرها، التخلص مع الشركات العمومية المفلسة لصالح الخواص أو الخوصصة، نحو تعويم العملة الوطنية.

وبحسب بعض التقديرات، ترتب على شروط صندوق النقد الدولي تسريح حوالي 800 ألف عامل، وغلق المئات من المؤسسات العمومية بعد افلاسها المتعمد، وانسحاب البنوك العمومية من دعم المؤسسات الاقتصادية الحكومية، الأمر الذي انعكس عنه خفض قيمة الدينار وتراجع رهيب في القدرة الشرائية وتفكك مس الطبقة الوسطى.

التمويل غير التقليدي مخاطرة ومغامرة ثانية 

سجلت أسعار النفط العالمية خلال فترة 2014-2016 انخفاضا بلغ مستويات كبيرة، وفي ظرف خمس سنوات تراجع احتياطي الصرف من 200 مليار دولار إلى 40 مليار.

وخلال سنتي 2017-2018 تم استنزاف كامل لاحتياطي الصرف وصندوق الإيرادات، اعتمدت حكومة أحمد أويحيي (2017) على سياسية التمويل غير التقليدي أي طباعة النقود، وتم طبع وضخ حوالي 55 مليار دولار في السوق المالية، ما تزال تبعاتها إلى غاية اللحظة مجهولة المصدر، إذ كان من المفروض وضع آلية لضبط الأموال المطبوعة واسترجاعها.

وبعد انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية، وأمام العجز المالي تم تداول فكرة الاستدانة الخارجية التنموية، معناه أن القروض الأجنبية ستكون موجه حصريا لتمويل مشاريع اقتصادية استراتيجية، تعود بالقيمة المضافة على الاقتصاد الوطني مع استبعاد القروض الاستهلاكية، غير أن ارتفاع أسعار النفط سنة 2021، وتحسن أداء الاقتصاد الوطني وارتفاع احتياط الصرف إلى مستويات مقبولة، واجراءات تشديد على التجارة الخارجية تم تراجع عن قرار فكرة الاستدانة الخارجية التنموية.

شيطنة الاستدانة الخارجية

وبرأي المختص في الشؤون المالية والاقتصادية مولود مدي، فإن المفاهيم الاقتصادية كمفهوم الدين الخارجي لا تخرج عن سياقها السياسي-الاقتصادي.

وقال إن الدين عموما أداة لا يمكن الاستغناء عنها في الاقتصاد، إذ لا وجود للتنمية دون تعبئة موارد مالية مهمة، موضحا أن نموذج كوريا الجنوبية والصين دليل على ذلك.

وأضاف أنه لم يسبق في تاريخ الجزائر شينطة الاستدانة الخارجية إلى هذا الحد، مشير أن الدين الخارجي كان يمثل ما يعادل 35 في المائة سنة 1971 من الناتج الخام، ليصل إلى 60 في المائة 1973 وبالتالي فالجزائر دوما اعتمدت على المؤسسات المالية الأجنبية في بناء قاعدتها الصناعية.

وأرجع مدي أن من جملة عوامل الإخفاق في بناء اقتصاد قوي يعود ضبط الاقتصادي دوما بالسياسي.

واعترف محدثنا أن الاستدانة الخارجية تفرض قيودا اقتصادية والتزامات تفرضها المؤسسات المالية الأجنبية من أجل النجاعة والإدارة الراشدة للموارد المالية. وأضاف بأن شيطنة الاستدانة الخارجية خطاب سياسي سرعان ما ينقلب عند تراجع حجم الموارد المالية.   

وفي الختام، يبدو باعث عدم الاستدانة الخارجية والمتمثل في تقويض القرار السيادي الوطني مشروعا، غير أنه يمكن الاستعانة، وفق بعض الخبراء، ببعض الهيئات المالية الأجنبية التي لا تحمل بالضرورة أجندة سياسية على غرار البنك الإسلامي للتنمية والبنك الافريقي للتنمية وبنك للتنمية التابع لمجموعة "بريكس"، شرط أن تضخ تلك القروض في تمويل مشاريع استثمارية استراتيجية تشكل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، بدل من استنزاف ما تبقى من احتياط الصرف.

الكلمات المفتاحية

الاقتصاد

نسب النمو والمؤشرات الكبرى.. كل شي عن الاقتصاد الجزائري في الثلث الأول لـ2025

سجّل الاقتصاد الجزائري خلال الثلاثي الأول من سنة 2025، نسبة نمو بلغت 4,5% مقابل 4,2% في الفترة نفسها من عام 2024، وفق تقرير حديث نشره الديوان الوطني للإحصاء.


النمو الاقتصادي.jpg

من بنك "بريكس" إلى "آسيان".. تحالفات جزائرية جديدة تعيد رسم خارطة "البزنس"

في خضم تحولات جيوسياسية عميقة، اختارت الجزائر أن تخلع جلباب التبعية الاقتصادية نحو فرنسا وتنسج خريطة تحالفات جديدة تمتد من ضفاف نهر الميكونغ إلى ضفاف نهر الأمازون، فلم يعد الرهان محصورا في أوروبا التقليدية، بل امتد ليشمل تكتلات صاعدة كـ"آسيان"، ومبادرات عملاقة كـ"الحزام والطريق"، وتحالفات إستراتيجية كبنك "البريكس"، مرورًا بالعمق الإفريقي والعربي ووصولا إلى تقاطعات…


رئيس الجمعية الجزائرية لمنتجي المشروبات علي حماني

حوار| علي حماني: لا زيادات في أسعار المشروبات هذا الصيف.. واستهلاك المياه المعدنية يقفِز بنسبة 35 بالمائة

كشف رئيس الجمعية الجزائرية لمنتجي المشروبات علي حماني، عن ارتفاع استهلاك المشروبات في السوق الوطنية بنسبة 15% مع بداية موسم الصيف، كما أكد عدم تسجيل أي زيادة في أسعار العصائر والمشروبات الغازية والمياه المعدنية من جانب المنتجين.


كمال رزيق، وزير التجارة الخارجية وترقية الصادرات (فيسبوك)

تقييد استيراد الخدمات برخصة من كمال رزيق.. ووثيقة بنكية جديدة مطلوبة

فرضت السلطات الجزائرية إجراءات تنظيمية إضافية على عمليات الاستيراد، شملت بالدرجة الأولى قطاع الخدمات، في إطار التوجه  لترشيد النفقات والحفاظ على احتياطي الصرف.

بوضياف
راصد

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين

في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

علي ذراع
أخبار

وفاة الصحفي علي ذراع بعد صراع مع المرض

توفي مساء أمس الثلاثاء بالجزائر العاصمة الإعلامي علي ذراع عن عمر ناهز 78 سنة بعد صراع مع المرض، حسب ما أفاد به أقاربه.


حالة الطقس في الجزائر
أخبار

طقس الجزائر: حرّ شديد ورعد وضباب

توقعت مصالح الأرصاد الجوية، اليوم الأربعاء 16 تموز/جويلية 2025، تسجيل موجة حر وتساقط أمطار رعدية معتبرة محليا على عدة ولايات من الوطن.

الارسيدي
راصد

"الإسلاميون استحوذوا على مفاصل الدولة".. الأرسيدي يشعل مواقع التواصل وشخصيات من حمس تنتفض

أثار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) جدلاً واسعاً مجدداً في الساحة السياسية الجزائرية، بعدما أورد في لائحته الأخيرة، الصادرة عن المجلس الوطني، اتهامات مباشرة لما وصفه بـ"تيار الإسلام السياسي" بالاستحواذ على مفاصل الدولة والسعي لطمس أسس الهوية الوطنية.

الأكثر قراءة

1
أخبار

ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة: زوال الاحتلال الإسرائيلي "حتمية تاريخية"


2
أخبار

بطلب من الجزائر.. اجتماع طارئ لمجلس الأمن بشأن العدوان الإسرائيلي على سوريا


3
أخبار

طقس الجزائر.. درجات حرارة قياسية في 6 ولايات جنوبية


4
مجتمع

رفع سنوات تكوين الأساتذة..تحسين للمستوى أم تمطيط بلا جدوى؟


5
أخبار

الجزائر تدين العدوان الإسرائيلي على سوريا وتدعو مجلس الأمن لتحمّل مسؤولياته