25-فبراير-2021

الرئيس عبد المجيد تبون وقّع مرسومًا يقضي بحل البرلمان (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

منذ إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن حلّ المجلس الشعبي الوطني، وإعلان عن إجراء انتخابات نيابية مُسبقة، يُثار جدل حول ما إذا كانت البلد مُهيأة لتنظيم هذه الانتخابات، وبغضّ النظر عن ضروراتها السياسية فإن أسئلة كثيرة تُطرح بشأن مدى تحمّل الجزائر في أوضاعها الاقتصادية الصعبة لكُلفة إجراء الاستحقاقات، ناهيك عمّا إذا كانت الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعيشها الجزائريون بسبب تبعات الأزمة الصحيّة بسبب وباء كورونا، والمشكلات المعيشية المتراكمة، ستسمح للجزائريين بالاهتمام بالانتخابات.

يُتوقع أن يتوجّه الرئيس إلى إصدار قانون الانتخابات بمرسوم رئاسي في غياب البرلمان

المؤسسات الدستورية

تجد الانتخابات المسبقة بالنّسبة للسّلطة السياسية الحاكمة، مبرّراتها في مطالب سياسية مستمرّة منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 شباط/فيفري 2019، لحلّ المجلس الشعبي الوطني بسبب الطعن في شرعيته الشعبية والتمثيلية نظرًا للظروف التي احاطت بانتخابات أيار/ماي 2017، كما أن الرئيس تبون يُعتبر أن إنجاز الانتخابات النيابية سيسمح بتجديد المؤسّسة النيابية، والخروج من مرحلة المؤسسة المعطوبة، والسّماح للأحزاب السياسية المعارضة خاصّة والنّاشئة ما بعد الحراك الشعبي بالتقدّم إلى المشهد النيابي ثم معرفة الحجم الحقيقي لكل حزب وتيار سياسي، كما أنه يمثل استجابة للمطلب الشعبي لخلق مشهد سياسي مغاير عن السابق.

اقرأ/ي أيضًا: مسودّة قانون الانتخابات.. قطيعة مع الماضي أم تكريس للنظم القديمة؟

 

وبغضّ النظر عن هذه الضرورات السياسية، فإنّ الكثير من التّقديرات، تُعتبر أن إجراء الانتخابات المسبقة في ظرف السّنة الحالية كمسار وكلفة، ومع كامل التداعيات الوخيمة التي خلفتها أزمة كورونا وأزمة النفط وتراجع عائدات البلاد من المحروقات، يتعارض مع طبيعة الظرف الاقتصادي الذي تعيشه الجزائر، إذ أنه سيشغل الحكومة بترتيبات العملية الانتخابية وتوفير ظروف إجرائها ونجاحها.

ومع إصدار مرسوم حلّ الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري، فإن إجراء أيّة عملية انتخابية يخضع للنصوص الدستورية ومواعيدها، بحسب تصريح الحقوقي عبد الرحمن زيتوني، إذ قال إن الرئيس تبون بما يخوّله له الدستور الجديد، مُطالب باستدعاء الهيئة الناخبة فور صدور مرسوم حلّ الهيئة التشريعية، وإعلان حالة شغور البرلمان ويبدأ احتساب فترة الثلاثة أشهر لإجراء الاستحقاقات فعليًا، موضحًا أن الدستور يعطي لرئيس الجمهورية حقّ تمديد توقيت إجراءها لمدّة ثلاثة أشهر أخرى، وذلك في حال تعذّر تنظيمها في الموعد الأوّل، بعد استشارة المحكمة الدستورية غير المركّزة حاليًا (ينوب عنها في الوقت الحالي المجلس الدستوري).

وبناءً على ما سبق، أضاف الأستاذ زيتوني في تصريح لـ "الترا جزائر" أنه من المتوقّع أن يتوجّه الرئيس إلى إصدار قانون الانتخابات بمرسوم رئاسي في غياب المجلس الشعبي الوطني، ومنه يمكنه أن يستدعي الهيئة الناخبة للاستعداد إلى تنظيم الانتخابات في وقتها المحدّد، لضمان تركيز المؤسّسة التشريعية. 

الأزمة والحلّ

هذه الخطوات في مسار الإصلاحات السياسية والدستورية ووضع الدستور الجديد موضع تنفيذ، برأي البعض غير متناسقة مع الوضع الاقتصادي الصّعب، إذ أشار الباحث في العلوم السياسية نور الدين بيطام في حديث لـ" الترا جزائر" أن الضرورات الاقتصادية في عام 2021 تتطلب الكثير من المجهودات، لأن الخزينة العمومية لا تتحمل النفقات التي يحتمل أن تصرف في مشاريع التنمية التي أعلنتها حكومة عبد العزيز جراد. 

وعزا الأستاذ بيطام ذلك لأسباب متعدّدة أهمها أن " الجزائر مرت على مسار سياسي متخبّط منذ سنة 2019، أي منذ بدء مسيرات الحراك الشعبي في الـ 22 فيفري/شباط، وغليان الشارع، في مقابل فتح ملفّات الفساد التي امتصّت المال العام واستنزفت الخزينة العمومية، وتردّي الوضع الاقتصادي بسبب انهيار أسعار النفط، وتوقف عجلة الانتاج والاستثمارات بسبب حالة عدم الاستقرار سياسي طيلة سنة كاملة. 

وأضاف في هذا السياق أن انتخابات الرئاسة وما اعقبتها من مخطّط للسلطة الحالية لإنعاش مجالات التنمية، وتوجيه اهتماماتها لمناطق الظلّ من القرى والأحياء المهمّشة، تزامنت هذه الخطة، مع الأزمة الصحيّة التي عّجلت بتخصيص كل المجهودات الحكومية للوقاية والعلاج ومكافحة الفيروس القاتل، لتنقضي سنة كاملة أخرى في معالجة أزمة طارئة، مازالت مستمرّة وتحتاج لتكلفة باهظة.  

أما سنة 2021، فهي حسب مختصين، سنة لتنشيط الاقتصاد المحلي وإنعاش القطاعات الحيوية، وذلك ما يعني أن الاستحقاقات ستُثقل كاهل الدولة بكُلفة كبيرة لتسيير العملية الانتخابية، في وقت تعاني فيه الخزينة العمومية من شحّ الموارد وتآكل الاحتياطي المحلي، وتراكمات المنح التي أقرّتها للمتضرّرين من فيروس كورونا.

ولو حاولنا، التطرّق إلى انتظارات الجزائريين نعود إلى السنة المنقضية التي اتّسمت بالانكماش الاقتصادي برأي كثيرين، نظرًا لعدّة معطيات منها انخفاض أسعار النفط وتوقّف عدة قطاعات عن العمل بسبب الجائحة، ما أثّر سلبًا على جيوب الجزائريين وأنهكتهم معيشيًّا.

وضع منهك إجتماعيًا

أمام هذه الظروف الاستثنائية، هناك ضرورة اجتماعية لا تقلّ أهمية عن الإصلاحات السياسية، إذ انعكست الأزمة على الوضع الاجتماعي للأسرة الجزائرية؛ وتمثّلت بعض مؤشرات هذه الأزمة في انخفاض مستوى دخل الأفراد وضعف المردود بالنسبة للطبقة الشغيلة في القطاع الخاص، وتوقف مئات الآلاف عن العمل خاصّة أصحاب الشغل اليومي أو الموسمي المحكوم بحركية الخدمات، مثل النقل الذي توقف لأشهر بسبب الحجر الصحي وأشغال ورشات البناء والطرقات والمؤسّسات الصغيرة والوكالات السياحية.

وما ينسجم مع هذه المعطيات، أكّدت الأستاذة في علم الاجتماع السياسي، نورية بن ناصف من جامعة معسكر غرب العاصمة الجزائرية، أن العائلة الجزائرية "تعيش في حالة قلق بسبب الأزمة الوبائية وتأثيراتها على المعاش اليومي"، ومردّ ذلك إلى ضعف المداخيل أو انعدامها لدى الآلاف، منبّهة في تصريح لـ "الترا جزائر" أن العائلة في الجزائر منهكة من تداعيات الأزمة الوبائية وتأثيراتها، ومتعبة اجتماعيًا من تراكم المشكلات المرتبطة أساسًا بالمصاريف، حسب تعبيرها، وذلك ما يؤدّي حسبها إلى تهميش العملية السياسية برمتها لدى قطاع واسع من الجزائريين بسبب انشغالهم بهموم لقمة العيش، وابتعادهم عن الاهتمام بالمسألة السياسية.

كمحصّلة، هذا العام هو الثّالث في فترة السنوات العجاف التي تمرّ على الجزائر، وكلفتها كانت كبيرة جدًا، حيث تعطّلت فيها الحركية الاقتصادية والاجتماعية، بينما اتجهت أنظار السلطة الحالية نحو خطة تركيز المؤسّسات الدستورية والقطيعة مع المؤسسات الموروثة من فترة ما قبل رئاسيات 2019.

 يبدو أن الرئيس تبون يراهن على قدرة الجزائريين على تحمّل الأزمة لوقت إضافي

مع مرور الوقت، يبدو أن الرئيس تبون يراهن على قدرة الجزائريين على تحمّل الأزمة لوقت إضافي، ما يشجّعه على تقديم الأولوية السياسية لإجراء الانتخابات النيابية وما تعقبها من انتخابات المجالس المحلية (البلدية والولائية)، على حساب الكلفة الاقتصادية والاجتماعية. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

مشروع قانون الانتخابات.. تغيير نمط الاقتراع وفرض شروط جديدة للترشح

قانون الانتخابات الجديد.. نحو حلّ مشكلة المال الفاسد والعزوف الانتخابي