توسّعت دائرة الأحزاب المقاطعة للانتخابات التشريعية المقرّرة في الـ 12 حزيران/جوان المقبل، وبينما تُسارع أحزاب أخرى نحو تشكيل قوائمها الانتخابية عبر مختلف مناطق الوطن، إضافة إلى القوائم المستقلّة التي تجاوزت ثلاثة آلاف قائمة، تُعلن جبهة القوى الاشتراكية مقاطعتها للاستحقاقات، لتنضمّ إلى كل من التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية، وحزب العمال، وحزب الاتحاد الديمقراطي (قيد التأسيس)، الذي يقوده المعارض البارز كريم طابو، فضلًا عن الحركة الديمقراطية الاجتماعية، وحزب الاتحاد من أجل الرقي والتغيير بقيادة المحامية زبيدة عسول.
اللافت أنّها المرّة الثانية التي يقاطع فيها حزبا جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الانتخابات التشريعية منذ سنة 2002
الأرقام أم المشاركة؟
دون مفاضلة سياسية بين الأحزاب التي أعلنت عن مقاطعتها، فإن اللافت أنّها المرّة الثانية التي يقاطع فيها حزبا جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الانتخابات التشريعية منذ سنة 2002، وبهذا ستكون لها ارتدادات على عدّة مستويات منها انتخابية من حيث نسب المشاركة سياسية واجتماعية.
اقرأ/ي أيضًا: قرابة 25 مليون ناخبا مسجلون في التشريعيات
سياسيًا، خلال الاستفتاء الشعبي الذي جرى في الفاتح من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كانت مجموع الأحزاب السياسية التي أعلنت مشاركتها في الانتخابات البرلمانية المقبلة، قد دعت إلى المشاركة في الاستفتاء بغض النظر عن الموقف من الدستور والتصويت بنعم أو بلا، ومع ذلك لم تتجاوز نسبة المشاركة 24 في المائة، بسبب غياب الظروف السياسية المناسبة، ما يدفع إلى الاعتقاد أن بقاء خريطة المشاركين والمقاطعين نفسها قد يؤدّي الى نفس المخرجات بشأن نسبة المشاركة.
بالرجوع إلى انتخابات 2002، فإن مقاطعة كبرى الأحزاب الممتدّة في عدة مناطق محسوبة على تمركز جبهة القى الاشتراكية والتجمع للثقافة والديمقراطية، من شأنها أن تخفض نسبة المشاركة بسبب التمركز الرئيسي للحزبين في منطقة القبائل بالدرجة الأولى، في ولايات تيزي وزو بجاية البويرة وبومرداس، وبالدرجة الثانية في الجزائر العاصمة وعدة ولايات فضلًا عن المهجر، وهو ما يراه الباحث الجيلالي بن صافي صورة من صور التوقعات الانتخابية المنتظرة في التشريعيات المقبلة، موضّحًا أنه ومن منظور حسابي فنسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية منذ التعددية الحزبية، كانت لسنوات طويلة تحت الخمسة بالمائة في هذه المنطقة، لمقاطعة الحزبين للاستحقاقات البرلمانية منذ أحداث مسيرة العروش في حزيران/جوان 2001.
عزلة سياسية
من منظور سياسي أيضًا، يعتقد الباحث بن صافي أن هذه المقاطعة ستضع السلطة في مأزق سياسي أولا إزاء شرعية الانتخابات ومصداقيتها من جهة، رغم أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قال بالحرف الواحد في لقاءه الإعلامي الأخير، إنه لا تهمه النسبة بالقدر ما تهمه النزاهة ومصداقية العملية الانتخابية.
تبقى في المقابل، منطقة القبائل ذات وضع خاص يتكرّر مع كل استحقاق انتخابي، حيث تظلّ طبيعة المنطقة المتمرّدة تاريخيًا على خيار السلطة باتجاه حالة عزلة انتخابية، إذ عزّز إعلان جبهة القوى الاشتراكية مقاطعة الانتخابات، بعد قرار مماثل للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، من توجه المنطقة نحو تكرار مشهد مقاطعة الاقتراع، وهو ما يخلق مشكلة سياسية ترتبط بتمثيلية المنطقة في البرلمان المقبل.
وعطفًًا على ذلك، فإن تمثيلية منطقة القبائل في البرلمان يُعتبر حجر الزاوية، لأنّ المصداقية تتمّ عبر تمثيل كل الولايات في البرلمان القادم، بالنظر إلى وظيفة البرلمان كمؤسّسة تشريعية، وهو ما تضعه السلطة في الحسبان جيدًا، حسب تعبيره.
منطق القوائم
لكن بعض التقديرات السياسية، تعتبر أن خصوصية الانتخابات التشريعية مختلفة تمامًا عن خصوصية الاستفتاء على الدستور، حيث تُصبح الرهانات الحزبية والذاتية للناخبين محدودة، مقارنة مع اتساعها في الانتخابات البرلمانية، حيث يتوقّع أن تُسهم المشاركة الكبيرة للمترشّحين والارتفاع الكبير لمجموع القوائم المرشحة، والعمل الجواري الذي تقوم به، إلى توقعات أكيدة برفع نسبة المشاركة، خاصّة وأن الرهانات السياسية لأحزاب والمرشّحين كبيرة هذه المرّة.
لا ينف قرار جبهة القوى الاشتراكية الذي استند إلى المجلس الوطني والمناضلين، أن عدم المشاركة قد يُفهم حسب البعض أنه سيفتح الباب أمام تصدعات داخل الحزب بعينه، من بوابة اختلاف وجهات النظر السياسية، بالنظر إلى وجود أطروحة مخالفة لقرار الحزب النهائي، والتي كانت مع خيار المشاركة، حتى وإن كانت ضئيلة.
عمومًا، المقاطعة التي أعلنت عنها عدّة أحزاب سياسية، مهما كان حجمها وتمثيلها، تشكّل في نظر متابعين للشأن السياسي في الجزائر، ضغط إضافي على السلطة، في استمرار ضغط الشارع عبر استمرار المظاهرات والمسيرات الشعبية.
هذه المعطيات من شأنها أن تُلقي بظلالها على سير العملية الانتخابية، حتى وإن تقدّمت العشرات من القوائم للانتخابات، وهو ما يفسّره البعض في طرح فكرة تأجيل الانتخابات بسبب عدم توفّر المناخ السياسي والظروف الاجتماعية لإجرائها.
من خلال هذا المقترح، طالب رئيس مجلس الشورى جبهة العدالة والتنمية النائب السابق لخضر بن خلاف، بتأجيل الانتخابات التشريعية، في مبادرة من الحزب نظرًا لضيق الوقت ولبعض العراقيل في جمع التوقيعات حسب تعبيره.
صلاحيات الرئيس تبون الدستورية تضعه أمام عدّة خيارات أهمّها إقرار خيار التأجيل
بالرغم من أن أغلب المؤشّرات تفيد بتوجّه السلطة نحو تنظيم الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد في الـ 12 حزيران/جوان المقبل، إلا أن صلاحيات الرئيس تبون الدستورية تضعه أمام عدّة خيارات أهمّها إقرار خيار التأجيل.
اقرأ/ي أيضًا:
إسقاط العتبة والتساهل في مسألة المناصفة خلال التشريعيات المقبلة
قانون الانتخابات الجديد.. نحو حلّ مشكلة المال الفاسد والعزوف الانتخاب