27-سبتمبر-2020

فعاليات الحراك الشعبي طالبت بحل البرلمان (Getty)

بعد إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن تنظيم انتخابات تشريعية قبل نهاية السنة، يكون العدّ التنازلي لحلّ البرلمان الحالي بغرفتيه، قد بدأ فعليًا، ضمن سياق الإصلاحات السياسية التي يباشرها الرئيس منذ تولّيه سدة الحكم، في كانون الأول/ديسمبر، والاستجابة لمطالب الحراك الشعبي بإعادة انتخاب مؤسّسات جديدة، تؤسّس لمرحلة جديدة.

 البرلمان الحالي متورّط في تمرير قوانين على مقاس مجموعة سياسية ومالية حكمت البلاد سابقًا

وكشف الرئيس تبون عن رغبته في الدعوة إلى انتخابات نيابية مُبكِّرة قبل نهاية العام الجاري، عقب الاستفتاء على تعديل الدستور المقرّر في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، حيث قال في تصريحات صحفية بثّها التلفزيون الجزائري الرسمي، إنّ تنصيب لجنة خبراء لمراجعة قانون الانتخابات برئاسة البروفيسور أحمد لعرابة، يستهدف "تسريع وتيرة الإصلاحات السياسية، اذ ستقدم اللجنة مسودة القانون الجديد قبل نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ويعرض على البرلمان مباشرة بعد الاستفتاء على الدستور".

 

وفي هذا الإطار، كلّف تبون رئيس اللجنة الدستورية لعرابة بترأس لجنة تتولّى مراجعة القانون العضوي للانتخابات، بتغيير في المعايير الانتخابية، بوضع أسس الاقتراع جديدة، وضوابط تحدّد الترشّحات، لمنع التزوير مع استبعاد الإدارة عن العملية السياسية برمتها، إضافة إلى وضع حدّ نهائي لتوظيف المال في السياسة خاصّة في المواعيد السياسية الكبرى، هذا فضلًا عن منح مساحة أكبر للشباب في الترشح دون إقصاء لأيّ طرف من الأطراف السياسية المخوّلة لها بالعمل في الشأن العام السياسي.

وعن الطريقة الانتخابية دائمًا، عرّج الرئيس نحو الحديث عن في تصريحاته الأخيرة، إلى أنّ "جزائر ما بعد اعتماد الدستور الجديد لا مكان فيها لنظام (الكوطة) أي (المحاصصة بتزوير النتائج)، وهو ما يُفهم من هذه التصريحات محاولة قطع الطريق أمام تدخّل المال الفاسد في السياسية، خصوصًا عقب التصريحات التي أطلقها النائب بهاء الدين طليبة، في رده على أسئلة القاضي بمحكمة سيدي امحمد بالعاصمة الجزائرية ، وتُدين عدّة أطراف من بينهم الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس وأبنائه، ورئيس جهاز المخابرات السابق بشير طرطاق، في قضية بيع قوائم الترشّح باسم الحزب الذي كان رئيسه الشرفي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، خلال الانتخابات البرلمانية والبلدية السابقة.

برلمان جديد

من الطبيعي أن يتم حلّ البرلمان الحالي، قبل انتهاء عهدته النيابية المقررة في سنة 2022، وهذا عقب استفتاء إقرار تعديلات دستورية، منتظر إجراءه في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وذلك كان من أهمّ مطالب الاحتجاجات في الشارع الجزائري من مختلف فواعل الحراك الشعبي، من ممثلي أحزاب باتت مغضوب عليها في الأوساط الشعبية، وخاصّة أن أحد مطالب نشطاء الحراك الشعبي كان يتمحور عن حلّ "برلمان بوتفليقة" كما كان المتظاهرون يصفونه في شعاراتهم وصرخاتهم المطلبية، ورفضهم الإبقاء على نواب الشعب وتشكيلة الجهاز التشريعي في الجزائر التي باتت في نظر الكثيرين عبارة عن تمثيل صوري شكلي. خاصّة وأن نواب البرلمان كانوا من المغضوب عليهم في الأسواط الجماهيرية.

غير أن هناك عدّة مآخذ ضدّ الطّرح الذي تقدم به الرئيس تبون، عند إعلانه عن انتخابات تشريعية مسبقة تتعلّق بتناقضات سياسية، أولها أن البرلمان الحالي متورّط في إقرار قوانين وتمريرها إرضاء لنزوات مجموعة سياسية ومالية كانت تحكم البلاد في الفترة السابقة، ويحمل في دواليبه فشله وفساده باعتباره يضم كتل برلمانية غطت الفساد الذي مورس في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وهي الكتل التي تنتمي لأحزاب الموالاة التي تملك -إن اجتمعت-الأغلبية البرلمانية في المجلس الشعبي الوطني، وهو نفسه البرلمان الذي قال"نعم لمسودة الدستور التي ستعرض في الاستفتاء"، وبذلك، تَطرح بعض الأطراف مخاوف من إمكانية انتاج هيئة تشريعية جديدة بالممارسات الحالية نفسها.

ومِن هذا المُنطلق، يتحدَّث البعض عن ضرورة حلّ البرلمان، لكن ذلك غير كافيًا في مواجهة "تغوُّل وتغلغل بعض الأحزاب التي كانت داعمة للمنظومة السياسية السابقة"، وهو ما يستدعي الدعوة إلى انخِراط الشَّباب في التنظيمات السياسية الجديدة، وتشكيل أحزاب جديدة من شأنها أن تكون ممثلة لمختلف القوى والفواعل التي كانت ناشطة في الساحة خاصّة العام المنقضي، وإحداث وثبة التغيير.

من الشّارع إلى الأحزاب

سياسيًا، يبدو أن المرحلة القادمة تتجه إلى إعادة ترتيب العمل السياسي وتأسيس العملية الانتخابية من جديد، خاصّة وأن ضمان شفافية الانتخابات تتحقق من خلال طريقة تنظيمها والقوانين المؤسّسة لها، بينما يعتقد المحلّل السياسي مصطفى بن روان، "أننا أمام حتمية الانتقال من مرحلة الزّخم الشعبي الذي شهدته الجزائر عبر أسابيع طويلة من جمعات الحراك الشعبي، والذهاب نحو مرحلة جديدة في تأسيس تنظيمات، بإمكانها أن تنقل مطالبها السياسية عبر أُطر منظّمة وفاعلة في المجتمع".

وأضاف بن روان في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن الانتقال في الشّأن المجتمعي والسياسي، أمر بديهي في الممارسة السياسية، خصوصًا وأن الظروف الآن تدفع نحو الأفعال الميدانية في مواجهة العودة إلى ما قبل الحراك الشعبي وإلى فترة يراها الجزائريون كرّست لمنظومة الفساد والرشوة والحزبية المتعددة، في ضوء ممارسة سياسية تلتقي عند الشخص الواحد زمن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، على حدّ قوله.

من هذه الزاوية، يقول الأستاذ بن روان، إن إنشاء الأحزاب والجمعيات من طرف النشطاء الذين برزوا في الحراك الشعبي، سوف يعطي للمغزى من الحراك مشروعية أكثر، ويسمح بتنظيمه، مشدِّدًا على أنّه من أولويات الانخِراط في العملية السياسية والانتخابات التشريعية، وحتى على مستوى المجالس البلديات. هنا، المحلل السياسي أن "الحراك الشعبي لن يستمر من خلال المسيرات وفقط، بل عودته وجب أن تكون في أطر عملية ورسمية".

الخريطة السياسية

يتّفق البعض من النشطاء مع هذا الطرح، لكن كثيرين يعترفون أن الحراك كسب عدّة معارك، ولم يكسب بعد معارك أخرى، غير أنه لا يمكن أن يستمر بالنسق والنهج نفسه، إذ قال الناشط السياسي المحامي وليد بلبطي من ولاية سكيكدة لـ "الترا جزائر"، إن التطوّر الطبيعي للحراك الشعبي وجب أن يكون عبر تنظيمات حزبية وجمعيات تنشط في الأوساط السياسية والمجتمعية، لافتًا إلى أن "الإبقاء على المسيرات، تعتبر وسيلة ضغط على السلطة الحالية، لكن ممارسة السياسية لا يُمكن أن يمرّ إلا عبر تأطير تلك المطالب التي نقلها الجزائريون في مسيراتهم عبر الولايات إلى مؤسّسات يتم هيكلتها وفق أطر سياسية رسمية، وتمارس التدافع في الأفكار وتنفيذها، عبر مؤسسات الدولة سواء في البرلمان أو في المجالس المحلية".

عرفت شعبية أحزاب الموالاة للمنظومة السابقة تراجعًا كبيرًا وظهرت مكانها أحزاب وتنظيمات أخرى

الملفت للنّظر، أن الجزائر بعد الحراك عرفت متغيرات سياسية كبيرة في الخريطة الحزبية، إذ عرفت أحزاب المولاة للمنظومة السابقة تراجعًا كبيرًا بعدما فقدت شعبيتها، وظهرت مكانها أحزاب قيد التأسيس وتنظيمات جديدة، وهو ما يعني أن كل هذه العوامل بإمكانها أن تغير من خريطة البرلمان في حال إجراء انتخابات مستقبلًا.