18-سبتمبر-2019

الدور الأوّل للانتخابات التونسية شدّ انتباه الجزائريين (تصوير: شيدلي بن إبراهيم/Getty)

لم تحد بوصلة اهتمامات الجزائريين في الأيّام الأخيرة، رغم التطوّرات السياسية المتسارعة، وتداعيات الحراك الشعبي في الجزائر، عن مراقبة تطوّرات المشهد الانتخابي في الجارة الشرقية تونس، في خضم تنافس انتخابي، واختيار ثالث رئيس جمهورية عقب تنحية الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

التونسيون  ثأروا لأنفسهم وعاقبوا شخصيات كانت في الحكم وتصدّرت المشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة 

البحث عن رئيس

مناسبة أخرى، تجمع الجزائر وتونس في ظروف سياسية متشابهة، وهو إجراء الانتخابات الرئاسية. ففي خضم انتخابات تونسية، جمعت مواعيد رئاسية وتشريعية وبلدية، تحت إشراف الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، تعرف الجزائر أيضًا، لأوّل مرّة في عهد التعدّدية، ميلاد أوّل سلطة مستقلّة للانتخابات، حيث تمّ تعيين أعضائها الـ50، وتزكية وزير العدل السابق محمد شرفي رئيسًا لها.

اقرأ/ي أيضًا:  لماذا يتدفّق الجزائريون إلى تونس؟

خطوات المنافسة الانتخابية في السباق نحو قصر قرطاج، أفرزت نسبيًا شخصيتين مغمورتين سياسيًا؛ تصدّرتا نتائج الدور الأوّل من الانتخابات، واستبعدت شخصيات لها باع سياسي في تونس، وأرغمت الجزائريين بمختلف أطيافهم من أحزاب وشخصيات ونخبة جامعية ومواطنين ّإلى تتبّع الحدث التونسي، و تقديم قراءات وتحاليل رافقت ما يحدث عند الجارة الشرقية.

بحسب متتبعين للشأن المغاربي والتونسي خاصّة، فالثابت أن التجربة الديمقراطية التونسية، تجربة فتية لم تتجاوز ثماني سنوات، إذ وبعد "ثورة الياسمين" سنة 2011، خاضت تونس عدّة أشواط سياسية، كانت بدايتها مع إنشاء مجلس تأسيسي، أفضى إلى انتخاب الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي في تشرين الثاني/نوفمبر 2011.

 بعد استحداث مؤسّسات الانتقال الديمقراطية؛ كهيئة حماية الثورة، والهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، والهيئة العليا للسمعي البصري، وهيئة الحقيقة والكرامة، تمّ التصويت على دستور جديد في كانون الثاني/جانفي 2014، وهو ما سمح بتنظيم انتخابات تعدّدية برلمانية في تشرين الأوّل/أكتوبر 2014، ثمّ انتخابات رئاسية في دوريها الأوّل والثاني، أسفرت عن فوز الباجي قايد السبسي على غريمة المنصف المرزوقي، لتنتهي المرحلة الانتقالية بانطلاق محاكمة المتورّطين في الفساد والتعذيب في عهد الرئيس المخلوع بن علي، عن طريق هيئة الحقيقة والكرامة.

كل هذه المراحل التي مرّت بها تونس، باتت في منظور متتبّعين في الجزائر، محلّ مقارنة بين البلدين، وجديرة بـ"الاحترام والانتباه والدّراسة في كثير من المستويات"، بحسب تصريحات نبيل محمودي، الباحث في العلوم السياسية، على اعتبار أنها "تجربة في الفضاء المغاربي والعربي، وُلِدت من رحم الاستبداد الذي استمرّ لمدّة تزيد عن 26 سنة، وتجاوزت عدّة مراحل من الاحتجاج والغضب والرفض والثورة، ثم التشنج والحوار الشامل والتأني والمطالبة والتنازلات، والخلاص نحو مؤسسات قائمة بحدّ ذاتها تسير الشأن العام".

هذه المراحل لا يمكن إغفالها، حتى وإن كانت محطّات عبور، تجاوزها التوانسة، في المقابل ينظر إليها الجزائريون بعين "المخاض العسير" مع الوضع الراهن في الجزائر منذ بدء الحراك الشعبي في 22 شبّاط/فيفري الماضي، يقول المتحدّث.

مرحلة قطف الثمار

السياقات تختلف، والظروف تختلف أيضًا إذا أردنا مقارنة ما يحدث في البلدين، لكن الإصلاح السياسي الذي تخلّل مرحلة الانتقال الديمقراطي في تونس (2011-2014)، يُعتبر "مهمًّا بالنسبة لللجزائريين، هذا ما يقوله الأستاذ في علم الاجتماع السياسي عبد الله نواري في حديث إلى "ألترا جزائر".

يعتبر نواري، أنّ تجربة الديمقراطية التونسية، لا يُمكن تحليلها من زاوية المؤسّسات التي أنشئت في تلك الفترة، ولكن تتعدّاها حسبه إلى قراءات أخرى؛ أهمّها تموقع الفاعلين السياسيين في المشهد التونسي، وقوّة اتحاد الشغل التونسي، فضلًا عن عودة قويّة لحركة النهضة المغضوب عليها في عهد بن علي، وامتدادها في مفاصل القرار عبر الحكومة والبرلمان وتنازلها عن طابعها الديني، على حدّ تعبيره.

أمّا من الجانب الاقتصادي والاجتماعي، فيرى المتحدّث أنّه يظلّ هو مربط الديمقراطية وحرّية التعبير معلّلًا ذلك بالقول: "الشعب في النّهاية ينتظر قطف الثمار، بعد أن أطاح ببن علي، ويطمح للتغيير المنشود على مستواه المعيشي ومطالب التنمية في شتّى مجالات الحياة، وهو ما جعله في هذه الانتخابات، يقدّم أصواته لشخصيتين أحدهما جامعي وحقوقي والثاني اشتغل خلال سنة كاملة على الجانب التضامني والاجتماعي في مدن الهامش والمناطق الفقيرة".

بعيدًا عن حسابات الأرقام ونسب الفوز، يبدو أن التونسيين ثأروا لأنفسهم، وعاقبوا شخصيات كانت في الحكم، وتصدّرت المشهد خلال السنوات الأخيرة من مثل رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي والمنصف المرزوقي، وغيرهم ممن منحهم الشعب ثقتهم وصدّق وعودهم.

ضمنت العملية الانتخابية في تونس، عنصر المفاجأة للجميع، إذ خلطت الحسابات لدى الطبقة السياسية في تونس، و أجبرت الأحزاب السياسية والنشطاء في الجزائر على محاولة قراءة مثل هذه التفاصيل، التي بإمكانها أن تخلق الفارق حتى في الجزائر، وهو ما ألمحت له حركة مجتمع السلم " حمس" يوم الثلاثاء الماضي، في بيان لها عقب اجتماع المجلس التنفيذي الوطني، حيث هنّأت الشعب التونسي على "نجاحه في العملية الديمقراطية في الدور الأوّل"، معتبرة هذا المسار مثالًا يُقتدى به.

مرشّح من سجن الحراش

تفاجأ كثيرون في الجزائر، بنتائج الدور الأول للانتخابات التونسية، وبحجم الأصوات التي مُنحت لكل من الأستاذ الجامعي والحقوقي قيس سعيّد، ورجل الأعمال نبيل القروي الموجود في السجن، إذ تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، تعاليق ساخرة تنتقد الوضع في البلاد، تدعو إلى البحث عن تجربة شبيهة في البلاد.

بإسقاط التجربة الانتخابية التونسية، واصل جزائريون على مواقع التواصل الاجتماعي، تقديم ملاحظاتهم حول التجربة التونسية حيث طرح مرور نبيل القروي إلى الدور الثاني، عدّة تساؤلات أهمّها: "هل يمكن أن تترشّح شخصية من سجن الحراش بالعاصمة؟" في إشارة إلى وجود شخصيات سياسية موجودة في السجن، من رموز النظام السابق في الجزائر.

ملامح الديمقراطية

نتائج الانتخابات، لم تكن وحدها أهمّ ما جلب انتباه الجزائريين، فقد اهتمّوا أيضًا بمسار العملية الانتخابية وشفافيتها ومشاهد التنافس الديمقراطي الذي جمع بين رئيس جمهورية سابق، وثلاث رؤساء حكومات، ووزير دفاع حالي، ومرشّحين مغمورين سياسيًا بشكل متفاوت، دون أن يتدخّل أيّ طرف لاستغلال سلطته للتلاعب بالنتائج، أو تغيير إرادة الناخبين، رغم انتظار التونسيين لأزيد من 30 ساعة قبل إعلان نتائج المرور للدور الثاني.

الجزائريون اهتموا بمسار العملية الانتخابية في تونس وشفافيتها وصور التنافس الديمقراطي

في هذا السياق، يعلق أستاذ العلوم السياسية زهير بوعمامة، على نتائج الانتخابات في تونس في تدوينة فيسبوكية قائلًا، "إن أيّ انتخابات يترشح فيها رئيس دولة سابق، ورئيس حكومة حالي وآخر سابق، ووزير دفاع حالي، ورئيس مجلس نواب حالي، ثم ينهزمون جميعًا أمام أستاذ جامعي، هي انتخابات ديمقراطية تفرض عليك احترامها واحترام القائمين عليها".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائريون يتحدون الإرهاب في تونس

الجزائريون يحجون إلى تونس بحثًا عن وصفة الشفاء!