14-يوليو-2019

الحراك الشعبي مازال متمسّكًا برحيل رئيس الحكومة (بنجاما مصطفى/ أ.ف.ب)

يبدو أن هناك إجماعًا في الساحة السياسية الجزائرية في الوقت الراهن، على أن تنظيم انتخابات رئاسية مستعجلة، هو الحلّ الوحيد للأزمة، إذ قطع نائب وزير الدفاع ورئيس الأركان الجزائري الفريق قايد صالح، الطريق أمام المدافعين عن فكرة تأسيس المجلس التأسيسي، إضافة إلى كل المساعي الداعية إلى الذهاب نحو المرحلة الانتقالية قبل إجراء انتخابات رئاسية، معتبرا ذلك "خروجًا عن الحلّ الدستوري وتعديًا صارخًا على بنوده".

يعتقد متتبعون بوجود معوقات سياسية واختلافات جوهرية بين السلطة والمعارضة في تصوّرهما للخروج من الأزمة

في خطابه الأخير، يدعم قايد صالح رؤية ومقترح رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، الداعي بدوره للذهاب نحو انتخابات رئاسية، وتجنيب الجزائر أزمة سياسية ودستورية حسبه، مبرّرًا ذلك بالقول أن "الانتخابات هي المفتاح الحقيقي للولوج إلى بناء دولة قويّة في ظروف آمنة ومستقرّة، على الرغم من العقبات التي يحاول الرافضون للسير الحسن لهذا المسار الدستوري الصائب وضعها في الطريق، على غرار رفع شعارات كاذبة ومفضوحة الأهداف والنوايا مثل المطالبة بالدولة المدنية وليست الدولة العسكرية".

اقرأ/ي أيضًا: انتخابات 2017 توحد الأحزاب الإسلامية في الجزائر

دعوة قائد أركان الجيش الجزائري إلى إجراء انتخابات رئاسية، تنمّ عن إرادة السلطة الحالية إلى تجاوز بعض الخلافات التي طفت على واقع النقاشات السياسية، من مختلف الفاعلين السياسيين والشخصيات الوطنية، والاتفاق حيال خارطة الطريق لحلحلة الأزمة.

بين السلطة والمعارضة

في مقابل ذلك، يعتقد ممتبّعون بوجود معوقات سياسية واختلافًا كبيرًا في التصوّر التنفيذي، وظروف ومخرجات هذه الانتخابات بين السلطة والمعارضة، هنا، يقول السعيد عماري الناشط السياسي في تصريح لـ" الترا جزائر" إنّ "السلطة تستعجل إجراء انتخابات وقطع شوط كبير يؤرّقها سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا"، موضحًا أن عامل الوقت له دور كبير في حلّ الأزمة، غير أنه من منظور السلطة الفعلية يمكن الإسراع في تنظيمها بأدوات قديمة وبنفس الأشخاص، أو القيام فيما بعد بتلميع العملية السياسية بشخصيات يفترض فيها أن تكون محلّ قبول أو إجماع عام للحصول على غطاء شرعي على حدّ قوله.

وأضاف اعماري أن هناك اختلافًا عميقًا في طريقة تنظيم الانتخابات، التي لم يحدّد بعد تاريخها بعد إلغائها في مناسبتين؛ مرّة في الـ 18 أفريل/ نيسان الماضي، وأخرى في الرابع جويلية/ تمّوز الجاري، إذ تريد السلطة الإسراع في تنظيم الانتخابات، وذلك دون النظر إلى الظروف والشروط الواجب توفّرها لأجل مصداقيتها.

أما بعض القوى المعارضة في البلاد، يضيف المتحدّث، فهي تطالب بميكانيزمات لتنظيم هذه الانتخابات، من خلال طرح شروط استباقية لتنظيم انتخابات تحت هيئة مستقلّة تشرف عليها، "وهو ما يستدعي خوف المعارضة من بقاء حكومة نور الدين بدوي الذي أشرف على انتخابات سابقة وكانت نتائجها محسومة، فضلًا على فضيحة الستة ملايين توقيع لفائدة ترشيح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للعهدة الخامسة التي ألغيت بعد ضغط شعبي".

قبول مشروط

الاحتكام إلى الصندوق، هو المقترح الذي وافق عليها قطاع واسع من الجزائريين، سواءً في دوائر الحكم والمسؤولية أو المعارضين السياسيين، أو الشارع الذي يدعو إلى انتخابات نزيهة، ويضع شروطًا أهمّها تنحّي رئيسا الدولة والحكومة المرفوضين شعبيًا، إذ يعتقد المحلّل السياسي الأستاذ عبد العالي بوجمعة أن الطرح الفعلي الحالي، "هو اشتراط توفير فضاءات الحوار ورفع الضغوط على الإعلام والنشاط السياسي والتوافق على مأسسة الهيئة المستقلّة للانتخابات، علاوة على صياغة قانون دستوري قبل الذهاب إلى الانتخابات".

ويُلفت بوجمعة  في تصريح لـ" الترا جزائر" أن التوافق السياسي على هذه النقاط، بإمكانه أن "يقدّم وصفة تتجاوب مع الشارع، وبإماكنه  تهدئته، موضحًا أن السلطة كلّما أسرعت في إجراء انتخابات رئاسية دون ضمانات حقيقية، فهي بذلك تكرّر سسيناريو سبق وأن عاشته الجزائر في التسعينات.

 هنا، يستشهد المتحدّث بأزمة 1992 عقب إلغاء المسار الانتخابي، والتي أنتجت حسبه هيئة شخصيات مستقلّة لإدارة الحوار وانتهت بعقد ندوة وطنية، أفضت بدورها إلى انتخابات رئاسية عام 1995، وبذلك دفعت السلطة إلى حلّ لأزمة شرعيتها من عدمها، غير أنها لم تساهم في حلّ حقيقي للأزمة التي عاشتها البلاد، إذ "شهدت الجزائر أزمة أمنية دامية بلغت ذروتها عام ،1997 وتجدّدت الأزمة السياسية في سبتمبر 1998 حين أعلن الرئيس الأسبق اليمين زروال استقالته".

إطالة عمر الأزمة أيضًا من شأنه أن ينتِج أزمات اجتماعية واقتصادية حادّة، تدفع الجزائر ثمنها غاليًا على كل الأصعدة

أخفّ الضررين

يمكن أن تعرف الجزائر في قادم الأيام، إشكالية واضحة، تحول دون إيجاد مخرج للأزمة السياسية، لأن فرض الحل الأسهل وعدم تضييع الوقت بإمكانه أن يُفرِز معه العديد من المشاكل مستقبلًا، غير أنّ إطالة عمر الأزمة أيضًا من شأنه أن ينتِج أزمات اجتماعية واقتصادية حادّة، تدفع الجزائر ثمنها غاليًا على كل الأصعدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقدير موقف: الانتخابات التشريعية الجزائرية: برلمان جديد.. وتحديات كبيرة

الانتخابات الجزائرية.. السياسة في وحل المال الفاسد