15-نوفمبر-2019

مرشحّو الانتخابات يركّزون على ملفي الشغل والسكن (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

هل الانتخابات الرئاسية هي همّ كل الجزائريين؟ وهل بإمكان الاحتجاجات أن تُنهي المشاكل الاجتماعية التي تظهر بين الفينة والأخرى؟ و هل وضَع رئيس الجمهورية القادم في برنامجه خطة تسيير واضحة تمكّنه من تجاوز الأزمات الموجودة في كل القطاعات؟

مصطفى أوجانة: "الحركات الاحتجاجية الأخيرة ما هي إلا مساومات للسلطة في ظرف صعب"

هذه الأسئلة غالبًا ما تطفو على سطح الأحداث في كل فترات الاستحقاقات التي عاشتها الجزائر منذ التعددية السياسية في بداية تسعينات القرن الماضي، غير أنها تبدو مختلفة هذه المرّة، بحسب متتبعين للشأن السياسي العام في الجزائر، إذ باتت الانتخابات الرئاسية، الشجرة التي تخفي غابة الأزمات.

اقرأ/ي أيضًا: ملصقات الانتخابات البلدية في الجزائر.. إخفاق في حرب الصورة

مشاكل البلد ليست سياسية فقط، كما يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي ناصر جابي، إذ يرى محدّث "الترا جزائر"، أنّها تبدو عميقة بحجم القفز على الأزمات الاجتماعية التي تظهر هنا وهناك؛ بدءًا من مشكلة السكن والبطالة والفقر، ومشكلة الغاز في القرى والمناطق النائية، ومشاكل المواطن مع البلدية، كمجلس يمثّل الدولة في أزيد من 1542 بلدية عبر البلاد، على حدّ تعبيره.

الأزمات الاجتماعية

اجتماعيًا، يعتقد كثيرون أن الأمر ليس بالهيّن على أي رئيس جمهورية، خصوصًا وأن السلطة الفعلية ممثلّة في المؤسّسة العسكرية، فتحت الباب أمام عدة مسائل حارقة وعالقة في آن واحد، إذ تعكف الآن على تفكيك قضايا الفساد التي تورّط فيها كبار المسؤولين في الدولة، مرتبطة أساسًا بالمواطن عبر مختلف ولايات الوطن، ولها علاقة أيضًا بمختلف المشاريع السكنية والمنشآت والبنى التحتيّة كالمدارس والمستشفيات والطرقات وغيرها من المشاريع العمومية التي "تم تقسيمها على رجال أعمال، باسم المحاباة وباسم المال الفاسد"، مثلما قال الناشط السياسي المحامي عبد النور سلامي.

 يُضيف محدّث "الترا جزائر" أن الملفّ الأصعب في المعادلة السياسية، هو الفساد الذي تتحدّث عنه التقارير اليومية، ويصفه هنا، "بالجرح الذي لن يندمل، ويحتاج إلى قوانين جديدة ومساحة أكبر من استقلالية القضاء".

يشكّل ملفّا السكن والشغل بحسب سلامي، حجر الزاوية في خطة أي مرشّح لمنصب رئيس الجمهورية، متسائلًا إن كانت حكومته تستطيع تسيير هذين الملفين في الأشهر القادمة، خصوصًا وأن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ترك البلد على "كومة ألغام لا يُمكن تفكيكها بمجرّد الانتهاء من ترتيبات رئيس قصر المرادية، والانتهاء من العملية الانتخابية".

 في هذا السياق، يتوقّع الناشط السياسي سلامي أنّ الاحتجاجات لن تتوقّف خصوصًا وأن المواطن في أقاصي البلاد لا زال يخرج لقطع الطريق وإحراق العجلات، بمجرّد إصدار قائمة سكن اجتماعي في بلدية من البلديات، وهو نفسه ذلك المواطن الذي يبحث عن علاج في مستشفى عمومي ويموت ابنه أو زوجته وهي على طاولة الولادة، يُضيف المتحدّث.

مساومة السلطة

لا يختلف الجزائريون في أن البلد بحاجة إلى استقرار سياسي، وإيجاد مخرج للأزمة التي تترنّح فيها منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الثاني نيسان/أفريل الماضي من منصبه وتَواصل الاحتجاجات الشعبية كلّ يوم جمعة، وتزداد حدّتها كلما مرّت بمناسبة وطنية أو صدرت مجموعة من القرارات، في مقابل ذلك تتّجه السلطة قُدمًا إلى تنفيذ خطتها وتنظيم انتخابات رئاسية دون تحقيق بعض مطالب الحراك الشعبي، أهمّها استقالة حكومة نور الدين بدوي، هنا، يعتبر الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية مصطفى أوجانة، أنّ "المسار السياسي في البلاد متعرّج، ولم يستقرّ على توافقات ترضي مختلف الأطراف السياسية في البلاد"، والتي من شأنها، في حديثه إلى "الترا جزائر"، أن تهدّئ الأوضاع وتعطي الثقة للنفوس أيضًا.

يقول الباحث إنّنا أمام حالة استثنائية مقارنة من أوضاع البلاد خلال السنوات الأخيرة، إذ إن الجزائر تتّجه اليوم نحو ما أسماه بـ "حلّ لأزمة وأزمة لحلّ"، أيّ أننا في "حالة معقدة؛ يجب المرور على إجراء انتخابات، ولكن هناك مآخذ كثيرة على الأدوات التي تُسيّر بها الرئاسيات من طرف السلطة".

يُلفت المتحدث إلى أن الاحتجاجات والإضرابات التي عرفتها عدّة قطاعات خلال فترة الثمانية أشهر الأخيرة، ما هي إلا "مساومات للسلطة في ظرف صعب"، مشدّدًا على أن المكاسب المؤقّتة لن تكون حلًا لوضع متشنّج، بل ستزيد من تأزيمه في قادم الأشهر، على حدّ قوله.

وضعية معقدة

استتباب الوضع السياسي  في الجزائر لن يكون في مسار معتدل دون استقرار الوضع الاجتماعي والاقتصادي، غير أن الواقع يقول العكس أمام تأملّات المواطن البسيط، وفي ظلّ شحّ المداخيل وتراجع أسعار النفط وتوقّف عشرات المشاريع الاقتصادية، ستدخل البلاد في دوامة مشاكل خلّفتها فترة الـ 20 سنة الماضية من حكم الرئيس السابق. ستعود للظهور مجددًا في جزائر ما بعد حكم الرئيس بوتفليقة، كحقل ألغام يحتاج سنوات أخرى لتفكيكها.

ملفات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية هي أكبر ما ينتظر الرئيس الجزائري القادم 

مهما كانت نتائج الانتخابات الرئاسية المقرّرة الشهر المقبل؛ فإن المشكلة الأكبر التي ستُواجه الجزائر، هي الأزمة الاقتصادية والتصعيد الاجتماعي، والاحتجاجات الفئوية في شتى القطاعات كالتعليم والصحّة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مرشحات في الانتخابات المحلية.. أخت وزوجة بدون اسم!

تأجيل الانتخابات البلدية في تونس.. ارتداد آخر عن مسار التحول الديمقراطي