31-أكتوبر-2021

(تصوير: بلال بن سالم/Getty)

في قلب التّغيير الذي يسعى إليه الجزائريون منذ سنوات، وخاصّة منذ الحراك الشعبي 22شباط/ فبراير 2019، أدّت العديد من الأزمات الاجتماعية، آخرها الفيضانات التي شهدتها العديد من المدن الجزائرية، إلى حالة من " اليأس" من رؤية التّغيير وانتكاسة كبيرة من مخرجات المجالس المحلية، في وقت يطمح البعض إلى ضخّ دماء جديدة تمثيلية على مستوى لجان التسيير على المستوى المؤسسات المحلية، وإشراك المواطن فيها، تحسّبا الانتخابات المقررة في الـ27 شرين الثاني/نوفمبر المقبل.

فريد بوحالة: مشاكل البلديات انحصرت في الطرقات المهترئة ونقص النقل المدرسي وخدمات صحية منقوصة أو منعدمة

من هذا المنطلق، وفي السنوات الماضية خلال فترة التعدّدية، كانت مشاركة المواطن في المجالس المحلية لا تعدو أن تتجاوز الانتخابات عمومًا والاستحقاقات المحلية خاصّة، وهو ما تكشف عنه تتعدّد شكاوى المواطنين من مختلف المجالات وفي شتى القطاعات، إذ لا نشهد أثرًا لمشاركة المواطن في تسيير الشُّؤون العمومية.

اقرأ/ي أيضًا: انتخابات تشريعية بمشاهد مُتحرّكة

وتقتصر غالبًا مشاركة المواطن في العملية الانتخابية، وهو ما يعني أنه "رقم فقط في الهيئة الناخبة"، حسب فريد بوحالة (49 سنة)، لافتًا في حديث لـ"الترا جزائر" أنّ المجالس البلدية والولائية هي حجر الزاوية في التنمية أولًا وضمان الشفافية في التسيير هي من ستجعل من المنتخبين مسؤولين محليين حقيقيين.

وأشار المتحدّث وهو أستاذ في مدرسة ابتدائية، إلى أن مشاكل البلديات انحصرت في الطرقات المهترئة ونقص النقل المدرسي وخدمات صحيّة منقوصة أو منعدمة، ما يعني حسبه أن "غياب الشفافية في طرح المشاكل التي تعانيها أيّة بلدية هو الأهم في أي عهدة انتخابية لرؤساء البلديات".

حقيقة لا مفرّ منها، أن مناطق الظلّ كما سماها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون هي تضم أزيد من ثمانية ملايين جزائري، يفتقدون لمرافق عمومية ومشاكل تنموية متعددة الأوجه، غير أن الواقع يكشف عن صورة أوسع من تلك الرقم،"ففي كل ولاية كبرى توجد بلديات وأحياء الظلّ، إذ تأتي المناسبات السياسية لتغطي أحلام المواطن بالوعود".

 الواقع في البلديات يُشبه عملية استقالة جماعية للمواطنين في تسيير شؤون البلدية، وعدم المشاركة في التنمية المحلية، كما قال الأستاذ بوحالة، حيث أن منتخلب المجلس البلدي ينصرف إلى شؤونه الخاصة بمجرد انتخابه.

جرّة قوانين

كما هو متعارف عليه، فإن القوانين تمنح الحقّ للمواطن المشاركة في صناعة القرارات على مستوى المجالس المحليّة، عبر المجتمع المدني وتشجيعه في المشاركة الدائمة في تسيير البلدية، من خلال آليات منها: إجراء الاستشارة التحقيق العمومي لمختلف الفاعلين في البلدية، وحضور الجلسات والاطلاع على نشاطات المجلس البلدي، وهذا ما جاء في قانون البلدية.

وعلى هذا الأساس، من المفترض أن يعرِض المجلس البلدي المنتخب كلّ نهاية سنة نشاطاته السنوية أمام المواطنين، فضلًا عن الاستماع للمبادرات المحلية لتحسين المعيشة وطرح مختلف المشاكل العالقة، وأيضًا المقترحات، وذلك استنادًا إلى ممثلي الجمعيات المعتمدة.

وفي هذا المضمار يعتقد رئيس جمعية البيئة ببلدية سيدي لعجال بولاية الجلفة، عبد الحقّ زيتوني، أن مسألة الاستشارة أمام المجلس البلدي غير متاحة، وتجسيدها في أرض الواقع غير ممكن خصوصًا أنها ليست ثقافة سياسية متعارف عليها في البلديات، وقد يحدث أن تشكل عبءًا على المنتخبين من جهة، والتدخّل في صلاحياتهم المحدودة قانونًا.

ورغم أن العديد من الجمعيات الناشطة في المجتمع المدني المحلي، هي تطمح، حسب تعبير زيتوني في حديث إلى "الترا جزائر"، لإتاحة الفرصة لأيّ عضو من أعضاء المجالس التّشاور معها، وإشراكها في الشأن العام، خصوصًا وأن هذه الجمعيات "ولدت من رحم الأحياء والقرى والمداشر والمدن العميقة، وتحتكّ يوميًا بمطالب واهتمامات السكان وانشغالاتهم".

عبد الحقّ شاب لم يتجاوز الـ 25 سنة، ينشط في جمعية بيئية على مستوى ولاية الجلفة، ولها فروع عديدة عبر كامل تراب الولاية، فضلًا عن علاقاتها في التنسيق بين جمعيات بيئية من مناطق أخرى خارج الولاية، إلا أنها تتعثّر بين توعية المواطن بالحفاظ على البيئة، والعمل ميدانيًا في الأوقات العصيبة، ومواجهة العديد من التحديات، كفصل الشتاء وتقديم المساعدات بسبب مشكلة انقطاع الطرقات، ما يحتّم عليها التواصل مع جمعيات أخرى ذات طابع خيري لإنقاذ سكان الأرياف والجبال في المنطقة.

ويتحدّث عبد الحقّ لـ" الترا جزائر" عن مشكلة من المشاكل التي تشهدها عديد البلديات في الجزائر، تتعلّق بالبناء والتعمير، إذ أصبحت "التهيئة العمرانية معضلة لعقود من الزمن"، غير أنها " ملفّ مسكوت عنه إلا في المناسبات السياسية، أو الزيارات التفقدية للوزراء"، ومن هنا يذكر المتحدّث وحتى بعض المسؤولين المحليين عن سلطة المجلس في اتخاذ التدابير لإعلام المواطنين بشؤونهم واستشارتهم حول خيارات وأولويات التهيئة والتنمية.

وبالنّظر إلى حجم التجاوزات في مجال التهيئة العمرانية، فإن من الوظائف الموكلة لرئيس المجلس البلدي حسب المهتمين بشؤون البلديات هي أن "يقوم بخرجات ميدانية من أجل تقديم استشارات في هذا القطاع، مع إشراك المواطنين الذين تهّمهم المشاريع، عن طريق التحقيق العمومي في مخططات التّهيئة والتّعمير" من جهة، ومنع البناءات الفوضوية، من جهة أخرى.

وتستهدف هذه الخطوة، إصدار قرارات تتعلق بالمحيط المعيشي للسّاكنة في هذه البلدية الصغيرة، والتمكن أيضًا من استكشاف آرائهم قبل إنجاز المشاريع، منها مخطط شغل الأراضي بعد الموافقة عليه عقب مداولات المجلس البلدي.

ورغم هذه المبادرة الشخصية لبعض الرؤساء المحليين، وغير موجودة في أرض الواقع، إلا أنّها لم تعمّم، ولم تصبح بعد تقليدًا سياسيًا محليًا، كما قال الناشط الحقوقي ببلدية ميلة شرق الجزائري السعيد لواعر في حديث إلى "الترا جزائر"، لافتًا إلى أن أي تحقيق عمومي يتعلق بالتهيئة العمرانية، يتمّ فيه أولًا تحديد المكان أو الأماكن التي يمكن استشارة المواطنين فيها تجاه إنجاز مشروع المخطط للتهيئة والتعمير أو مخطط شغل الأراضي، وهو ما يساعد الجهات المعنية من الإنجاز.

ويشير المتحدِّث إلى التّجاوزات الحاصلة على مستوى انجاز عدّة مشاريع التهيئة؛ والتي تسبّبت في فوضى العمران ونقائص بالجملة على مستوى المرافق العمومية على مستوى عديد البلديات، لافتًا إلى أنها تظهر علنًا عند حدوث الكوارث الطبيعية كالزلزال أو الفيضانات.

فعل تشاركي

يمنح قانون البلدية الحقّ للمواطنين حضور اجتماعات المجلس، وهذا تجسيدًا لعلنية الجلسات بغية إعطاء المجتمع المحلي الاطلاع ومتابعة مراحل المجلس وعرض بعض المسائل الخاصة بالسّاكنة، غير أنّ هذه الخطوة التي توضع في خانة" التسيير الشفّاف والتّشاركي" للمصالح البلدية، غير متوافرة بشكل دوري في المجالس المنتخبة على مستوى الوطن، لأسباب لخصتها أستاذ الحقوق والعلوم السياسية سعيدة بوزار في ثلاثة محاور.

ويتعلق المستوى الأول أساسًا بعدم منح المجلس الحق للفاعلين المحليين والمواطنين بالحضور في جلسات علنية، وبذلك لن يتمّ تنفيذ هكذا قرارات على الأرض إلا بخطوات يقوم بها المسؤولون المحليون والدفع بالمواطن للمشاركة في الاطلاع على مجريات انجاز المشاريع وتنظيم حيه وبلديته.

واستنادًا إلى ذلك، ترى بوزار في حديث إلى "الترا جزائر" أن المستوى الثاني يتعلّق أيضًا بإشكالية "تهرّب" المواطن من المشاركة في الاجتماعات، إذ "ينظر للأمور المتعلقة بالمسؤوليات لا تعنيه من قريب، وذلك نابع حسبها "من انعدام الثّقة في المنتخبين"، لافتة في هذا السياق إلى أنّه رغم إنشاء مرصد وطني للمجتمع المدني، المنجزات على الأرض هي من تعيد هذه الثقة للمواطنين".

وبعيدًا عن المشاركة الموسمية في الانتخابات، تعتقد الأستاذة أن عدم توفّر إشراك المواطنين في شؤون بلديتهم، هو المستوى الثّالث و"الأهم"-حسبها- فبالنّظر لعدم وجود قوانين تحُضُّ على ما يطلق عليه " ديمقراطية تشاركية"، إذ تعني ببساطة أن يكون للمواطن رأيًا في صناعة القرارات التي تؤثّر في حياته بشكل مباشر، أو عبر مؤسسات رسمية-شرعية، تعتبر كوسيط تعبر عن انشغالاتهم وتمثل مصالحهم في البلدية، على حدّ قولها.

جب أن نشير هنا إلى أهمية إشراك المواطن في مختلف انشغالات حيّه وبلديته، وليس فقط في الحملات الانتخابية ثمّ يوم الاقتراع

من خلال هذه المستويات، وجب أن نشير هنا إلى أهمية إشراك المواطن في مختلف انشغالات حيّه وبلديته، وليس فقط في الحملات الانتخابية ثمّ يوم الاقتراع، إذ تخفت حُمى هذه الدعوات مع انتهاء الانتخابات، وبذلك ينفصل المواطن عن بيئته التي يسكن فيها، ولا يملك أي تأثير على القرارات التنموية، في مقابل ذلك يمكمن أن يتسبب سقوط أمطار غزيرة في تعرية إخفاقات المسؤولين المحليين في مجال التنمية والاعتناء بالبنى التحتية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شرفي: سجّلنا 400 تجاوز منذ بداية الحملة الانتخابية

تبون يربط تنظيم الانتخابات المحلية بتحسن الوضع الصحي