22-نوفمبر-2022
اجتماع لمجموعة "بريكس" بتقنية التحاضر عن بعد (فيسبوك/الترا جزائر)

اجتماع لمجموعة "بريكس" بتقنية التحاضر عن بعد (فيسبوك/الترا جزائر)

تسارع الجزائر الزمن للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، حيث أودعت ملفًا رسميًا عبر وزارة الخارجية لتأكيد رغبتها في الالتحاق بهذا التكتل الاقتصادي، الذي يضم "الدول المحققة لأعلى نسبة نمو في أدنى فترة زمنية ممكنة".

الجزائر مطالبة اليوم بنيل موافقة جميع الدول الأعضاء بما فيها الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا

وبالرغم من أن أكبر الدول بمجموعة "بريكس" أبدت موافقتها وقبولها وتأييدها لانضمام الجزائر مبدئيًا،ويتعلق الأمر بروسيا والصين، وهي دول تقاس اقتصاداتها بتريليونات الدولارات، وتمثل قوة كبرى في العالم، إلا الجزائر مطالبة اليوم بنيل موافقة جميع الدول الأعضاء أي الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا أيضًا.

من المعروف أن تكتل "بريكس" هو مجموعة غير رسمية، وبالتالي فإن انضمام الجزائر إليها يقوم على تقديم طلب والرد عليه بالايجاب أو السلب بعد النظر في مدى وجود تناسق في السياسات والأهداف بين الدول العضوة والدولة الوافدة الجديدة، الراغبة في الانضمام، من عدمه.

ولا يتوقع العارفون بالملف أن تستغرق المحادثات وقتًا طويلًا، على خلاف مفاوضات الانضمام إلى منظمة رسمية أخرى، على غرار منظمة التجارة العالمية كمثال، والتي تفرض شروطًا وتعديلات ورد على الأسئلة ومحادثات ولقاءات وزيارات وفود وجلسات عمل وشروط بارزة وأخرى خفية، حيث تكتفي "بريكس" بالترحاب أو رفض الطلب.

هنا، يتفاءل كثيرون بانضمام الجزائر لمجموعة "بريكس" بالنظر إلى المزايا التي ستحظى بها هناك، وستؤهلها لتكون رقمًا اقتصاديًا فاعلًا في السنوات المقبلة، إلا أنهم يتساءلون في الوقت نفسه، لماذا رحبت "بريكس" بالجزائر في حين غضت الطرف عن دول مرتاحة ماليًا أعربت عن نواياها في الانضمام لهذه المجموعة مسبقًا؟

شروط الانضمام

يؤكد الخبير الاقتصادي وعضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني سابقًا الهواري تيغريسي في تصريح لـ "الترا جزائر"، أنه من شروط انضمام أيّة دولة إلى مجموعة "بريكس" أن تكون بلدًا ناشئًا ويتوفر على إمكانيات طبيعية وثروة حقيقية تمكنه مستقبلًا من أن يكون دولة ذات وزن اقتصادي، بداية من استغلال هذه الثراوت الطبيعية لتحقيق النهضة الاقتصادية وصولًا إلى الذهاب بسرعة نحو التصنيع وبناء قاعدة تحتية من الموانئ وتطوير شبكة الطرقات والمطارات.

ومعلوم أن الدول المنضوية تحت مجموعة "بريكس"، أو تلك التي أبدت رغبة في الانضمام إليها، تمتلك اقتصاديات ناشئة لا يقل معدل نموها عن 9 بالمائة، ورغم أن الجزائر لم تصل بعد إلى هذه النسبة، لكنها تتمتع بإمكانيات طبيعية ومالية تؤهلها لتكون دولة نامية بامتياز خلال المرحلة المقبلة، يضيف تيغريسي.

ويؤكّد المتحدث أنه بالعودة إلى الإجراءات المطلوبة للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، فتتمثل هذه الأخيرة في تقديم طلب الالتحاق بهذا التكتل وانتظار ردود الأفعال، رغم أن الإشكالية المطروحة اليوم هي "كيف ستصل الجزائر الى مستوى هذه الدول من حيث توفير نموذج اقتصادي قوي في المراحل المقبلة، وتسهيل العملية الصناعية والإنتاجية والتجارية، وكذا خلق الثروة"؟

بحيث أنه إذا لم تتوفر هذه العوامل، حسب تيغريسي، ستكون الجزائر الحلقة الأضعف في هذا التكتل، وتتحول إلى سوق تستقبل سلعًا ومنتجات للدول الأعضاء في المجموعة. لكن إذا نجحت الجزائر في تطوير إنتاجها الفلاحي والصناعي في كل القطاعات، يمكنها تصدير الفائض الى دول "بريكس" وتخلق حركية تجارية داخلية وخارجية.

ويعترف تيغريسي بأن الانضمام إلى "بريكس" يتطلب وجود توافق سياسي مثل الذي بين الجزائر وروسيا والصين وبقية الدول الأعضاء، لكن هذا الأمر غير كاف حسبه؛ فالدولة الراغبة في الانضمام لهذا التكتل مطالبة برفع معدل النمو والاجتهاد لتطوير الاقتصاد.

خطة جزائرية لتعجيل الانضمام

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي كمال خفاش في  حيث إلى "الترا جزائر"، أن البلاد صممت اليوم نموذجًا اقتصاديًا يندرج في إطار خطة ضمنية للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، التي تشترط وجود نسبة نمو عالية، وهو ما لن يتأتى دون وجود استثمارات ضخمة، الأمر الذي دفع بالسلطات الجزائرية إلى اقتراح عبر مشروع قانون المالية للسنة المقبلة أعلى ميزانية في تاريخ الجزائر ورفع ميزانية التسيير بنسبة تفوق 27 بالمائة.

 فهذه الأموال وفق المتحدث، ستوجه لرفع النمو عبر الاستثمار ورفع التجميد عن المشاريع العالقة وتوقيع شراكات جديدة واقتحام مجالات اقتصادية غير مسبوقة، وهو ما قد يرفع النمو مع مرور الوقت إلى نسبة برقمين، أي أزيد من 10 بالمائة، الأمر الذي يتناسب مع نسبة نمو دول أعضاء مجموعة "بريكس" اليوم.

واستدل كمال خفاش على كلامه بعرض وزير المالية جمال إبراهيم كسالي بخصوص مشروع قانون المالية للسنة المقبلة بالبرلمان مطلع تشرين الثاني، والذي توقع أن تصل نفقات الميزانية من خلاله 13 ألف و786.8 مليار دينار، موزعة على نفقات التسيير التي سترتفع إلى 9767.6 مليار دينار، بزيادة تقارب 27 بالمائة، مع ارتفاع نفقات التجهيز إلى 4019.3 مليار دينار أي بزيادة تصل 2.7 بالمائة، مقارنة مع أرقام قانون المالية التكميلي للسنة الجارية، وهي مبالغ ضخمة ستوجه لرفع النمو وإنعاشه وتشجيع الاستثمار وتفعيله، فكل هذه المعطيات _ يضيف خفاش _ ستسهل انضمام الجزائر إلى "بريكس".

ماذا سيستفيد الطرفان؟

وبخصوص ماذا ستجنيه الجزائر من الانضمام لمجموعة "بريكس" يتوقع الخبير الاقتصادي عبد الرحمن هادف في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن تكون المكاسب كبيرة، أولها أن تحظى الجزائر بمرافقة هذه الدول في مخططات النمو المستقبلية وتستفيد من نقل الخبرة والتكنولوجيا، والشراكة الاقتصادية والتجارية، وربما توقيع مستقبلًا مشاريع جديدة واتفاقيات تحمل مزايا جمركية وغير جمركية، وهو ما سيكون محفزًا للعمل الثنائي مع الدول الأعضاء في المجموعة، والتي أثبتت نجاحها في عدة قطاعات اقتصادية.

كما يتحدث الخبير هادف عن إمكانية الاستفادة من تمويلات بنك التنمية الجديد الذي أسسته الدول الأعضاء سنة 2014، حيث يتيح هذا الأخير خيارات للاستدانة لا تقترحها صناديق وبنوك أخرى، كما أن هذا البنك لا يشكل آلية ضغط كتلك التي تفرضها قروض صندوق النقد الدولي "أفامي"، الذي يسطر شروطًا صارمة للمقترضين، فيكتفي بنك التنمية الجديد بمنح قروض مقابل فوائد معينة، للدول المقترضة دون بحث عن تدخل في خياراتهم الداخلية.

وبخصوص ماذا ستجني مجموعة "بريكس" من انضمام الجزائر، يشدد هادف على أن واقع الحرب الروسية _ الأوكرانية اليوم تجعل دولًا كروسيا تبحث عن حلفاء جدد، وتسعى لاستمالة دول لها مكانتها بمناطق وجودها كالجزائر، التي تنتهج دائمًا مبدأ عدم الانحياز في مثل هذه القضايا والملفات الدولية.

الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف: ثروات الجزائر تؤهّلها لتكون رقمًا فاعلًا في الاقتصاد العالمي

ويختم هادف حديثه "لا يمكن أن نتناسى الثروات الاقتصادية الكبرى التي تتمتع بها الجزائر، والتي تؤهّلها فعلًا لتكون رقمًا فاعلًا في الاقتصاد العالمي خلال السنوات المقبلة، في حال تم العمل بجد والاجتهاد لتحقيق نهضة اقتصادية حقيقية، هذه أسباب ترحاب "بريكس" بالجزائر دون دول أخرى".