17-أبريل-2022

نبيل عسلي، نسيم حدوش (الصورة: النهار أونلاين)

يحنّ كثيرون في الجزائر إلى زمن الفرجة والأعمال الفكاهية في التلفزيون الجزائري، وبرامج شهر رمضان، ويتحدّث كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن النوستالجيا التي تربطهم بزمن كانت فيه اللمّة العائلية تجتمع حول "عطلة المفتش الطاهر"،كما ضمنت بعض المسلسلات التي تعدّ على أصابع باليد الواحدة المتعة والفرجة للمشاهد مثل المسلسل الكوميدي "عاشور العاشر" وإبداعات الفنان صالح أوقرت، وسلسلة "جمعي فاميلي"وغيرها من البرامج التي شكلت حاضنة عائلية خلال الشهر الفضيل.

نصر الدين العياضي: غاية البرامج الثقافية في التلفزيون ليس الإمتاع فحسب وإنما إثارة الفضول والتزود بالمعرفة وإرهاف الإحساس

على سبيل المثال وليس الحصر، فإن غياب "عاشور العاشر" من الأجندة الرمضانية لهذا العام، بات حديث العام والخاص، إذ كان مثل الشجرة التي غطّت خيبة المنتَج الثّقافي في شهر رمضان، ومفخرة جزائرية بامتياز على اعتبار أن أحداثه كاملة مبنية على إعادة بناء الواقع أو التنبؤ أحيانًا بأحداث يمكن استشرافها في الجزائر، في قالب فكاهي.

حضرت البرامج وغاب الذّوق

لا يمكن اختزال الفن الجزائري والبرامج ثقافية في مسلسل واحد أو برنامج واحد أو في "كاميرا خفية"، لكن في المقابل يتساءل البعض من متابعي الفضائيات الجزائرية عمومية كانت أو خاصة، (التلفزيون كنموذج والبرامج الرمضانية كمثال) عن سرّ تدني المنتج الترفيهي في شهر رمضان؟

رغم زخم المادة الترفيهية والدرامية المعروضة في القنوات الجزائرية منذ بداية شهر رمضان، إلا أنها سقطت في فخّ السرعة والارتجال وتقديم منتج تلفزيوني سطحي غالبًا ما يختزل الترفيه في الإسفاف واستخدام عبارات وكلمات لا يمكن أن ترقى إلى عادات المجتمع الجزائري، بحسب متابعين للشأن الثقافي.

ودون البحث عن خلفية وأهداف هذه البرامج، إلا أنها لم تتمكن من إرضاء شريحة واسعة من الجمهور المتابع، حسب تعبير فريد سعدون، وهو مختص في الصناعات الثقافية من كلية الفنون والدراما، من جامعة غيليزان غرب الجزائر، مؤكدًا لـ"الترا جزائر" أن البرامج التلفزيونية عمومًا لم تنخرط بعد في ما يسمى بالصناعة الثقافية المبنية على ثلاثية: الثقافة، التلفزيون والجمهور.

وبعيدًا عن عمق المشكلة التي تقع فيها الفضائيات الجزائرية منذ سنوات وخلال مناسبة رمضان، فإن الإنتاج التلفزيوني في الجزائر مازال يترنّح بين المال كعامل أساسي في جلب الفنانين وكتاب السيناريو الجيدين والعُدّة اللوجستيكي من آلات التصوير وأماكن التصوير وتجهيز عملية التسويق والاشهار، مضيفًا: "نحن أبعد بكثير عن تقديم منتج جيد للمشاهد سواء كان ترفيهي أو تثقيفي أو تسلية". 

البرمجة الرمضانية

وفي خضمّ الوظيفة الترفيهية للتلفزيون عمومًا وفي شهر رمضان خاصة، فإن المشاهد يضيع بين تسطيح المضمون وخفة الأداء من حيث نوعية الحضور الإعلامي للممثلين، وهنا بالذات يمكن طرح سؤال جوهري: "ماذا نريد من البرامج الرمضانية؟ فهل هي صناعة للفرجة والترفيه أم هي طريقة لتسطيح المعنى وتمرير رسائل يفهمها الجميع؟

يبدو أن الأجوبة عن هذه الأسئلة السابقة الذكر، يحتاج إثارة موضوع متصل بالبرمجة من مسلسلات درامية على مستوى الفضائيات الجزائرية، التي تجاوزت حدود العادات والتقاليد، وهو ما سلكته سلطة ضبط السمعي البصري في الجزائر، بعد توقيف بث مسلسل " حبّ الملوك".

لكن يعتقد البعض أن تلك الخطوة لا تستحقّ كل هذه الضجة، وهو ما ذكره الإعلامي عمار بوريس معلّقًا بالقول: "إن الدراما هي لا تحاكي الواقع بل نحن نشاهد قراءة لهذا الواقع، و هذه القراءة أو النظرة المشكِّلة عبر سيناريو تختلف من مخرج إلى آخر ومن كاتب سيناريو إلى آخر".

كما يرفض بورويس من خلال تدوينة له عبر حسابه الشخصي في الفيسبوك، أن المسلسلات الدرامية لا تسيء للمدن التي تدور فيها الأحداث، في إشارة منه إلى الانتقادات التي طالت أعمال درامية تبث في التلفزيونات الجزائرية وأخذت حيزًا من الانتقادات بسبب ما وصفه البعض بالإساءة إلى مدنٍ جزائرية تجري فيها أحداث ووقائع هذه المسلسلات، موضحًا بأنه صلو كان الأمر كذلك لكانت مدن إسطنبول والقاهرة و لوس أنجلوس و نيويورك مدنا سيئة السّمعة، و لَما قصدها ملايين السواح سنويًا، على حدّ تعبيره.                

إرضاء المشاهد؟ 

ما يطلبه المشاهد، هكذا استثمرت بعض الفضائيات في برامج تلفزيونية تعرض في شهر رمضان، إذ تنحى في خطوة تقريب المشاهد ورفع من أسهم المشاهدة وربح الإعلانات على حساب الذوق العام، أو بالأحرى تسفيه الذوق العام.

ويحضر اليوم الكثير من الإثارة والتسفيه، من خلال برامج " التولك شو"، وهي البرامج التي تتفنن الفضائيات الجزائرية خلال رمضان في التنافس حول إعدادها، رغم أنها تجاوزت ما يسمى في الإعلام الترفيهي بـ"برامج الاسترخاء"، أو كما وصفها مختص الإعلام التلفزيون خالد محمدي بأنها " ترويج لنوع من الترفيه الساذج باسم التسلية".

وأضاف محمدي لـ "الترا جزائر"، أن "الوجوه التي تسيطر على هذه البرامج أخلت بأهم شروط الدور التثقيفي للبرنامج التلفزيون وهو " الجودة وليس الرداءة"، والاستنجاد بأسماء من عالم الترفيه و"إضحاك المشاهد" لتمثيل برنامج يعتمد على أكثر من خمسة ضيوف.

وختم الأستاذ محمدي بقوله إن التلفزيون باتت سلاحًا متعدّد الزّوايا، لافتًا إلى أنه لحدّ اللحظة مازالت مشكلة وجودية تتخبط فيها الفضائيات الخاصة واعتبارها فضائيات محلية بقانون أجنبي.

ووفق ما طرحه، فإن مبررّ ات هذه القنوات، تبقى في خضمّ الظاهر فقط، إذ لا زالت قنوات مكبّلة من حيث التفكير في الإبداع، ومقيّدة من حيث فتح فضاءاتها على حرية التعبير والاستجابة لمختلف الفئات والشرائح.

 عُود الثّقاب

أسئلة أخرى تتعلق بمن يحدّد مضامين البرامج؟ وهل تواصل الهيئات الرسمية (وزارة الاتصال، وسلطة ضبط السمعي البصري) ترك هذا الفضاء العام في أيدي ملاك القنوات، ويسير وفق مصالحهم؟

التجربة حديثة، وخلال ثماني سنوات الأخيرة منذ نشأة الفضائيات الخاصة في الجزائر انشغلت هذه القنوات بتشكيل وبناء جمهورها أولًا، وكانت في حدّ ذاتها بصدد اكتشاف المجال، إذ لم تكن لديها تجربة أو خبرة مسبقة، ولم يكن لها فرق متخصصة في الإنتاج وفي تخطيط البرامج وهندسة المضامين، وأكثر من ذلك فحتى الشركات الإنتاج الفني لم تكن موجودة وإن وجدت فهي قليلة وإنتاجها ضعيف وبدائي أو كلاسيكي، على حدّ قوله.

وماعدا ما شاهدناه خلال ثلاث سنوات الأخيرة، بدأنا في مشاهدة مسلسلات درامية وبرامج جديدة على الجمهور الجزائري، رغم ما يقال عنها من سقطات فنية ونوعية، كمن يحمل عود ثقاب مشتعل، يضيف المتحدّث.

هناك حسرة على معنى "البرامج الثقافية في التلفزيون"، إذ يصف أستاذ الإعلام والاتصال البروفيسور نصر الدين لعياضي هذه الحسرة بـ"الحنين إلى المنتج الثقافي المتميز أو الصانع للثقافة"، كما عزا  تراجع المنتجات الثقافية في إحدى إفاداته الأكاديمية بقوله: "التلفزيون كان في السابق يعمل على تأسيس نقاش ثقافي وفكري متواصل"، بل هو أداة جماهيرية تحرك عجلة الصناعات الثقافية".

وأبعد من الوظيفة الأساسية للبرامج الثقافية في التلفزيون المتمثلة أساسًا -حسب الأستاذ لعياضي-في " إعلام الجمهور الجديدَ في مجال الموسيقى والسينما والمسرح والفنون والرواية والشّعر"، فإن التلفزيون حسبه كان يعيد بناء المعنى الثقافي أو بالأحرى إعادة بناء الثقافة عبر وسيلة إعلامية جماهيرية، تقوم على تبسيط المعاني وفتح نوافذ التفكير والتجديد في الفكر.

البرامج الثقافية عمومًا وفي سائر أيام وأشهر السنة حسب لعياضي كانت عسيرة الهضم

على خلاف ما تمرّره القنوات خلال رمضان، فإن البرامج الثقافية عمومًا وفي سائر أيام وأشهر السنة حسب لعياضي كانت"عسيرة الهضم"، وهو ما يفسّره بقوله إن "غاية البرامج الثقافية في التلفزيون ليس الإمتاع فحسب، إنما إثارة الفضول، والتزود بالمعرفة، وإرهاف الإحساس، والدفع إلى التفكير والتأمل. إنها تتطلب قدرًا من الانتباه والتركيز".