سياسة

البرلمان الجزائري سلطة تشريعية بمِطرقة المُصادقة.. أين الرقابة؟

16 يونيو 2025
المجلس الشعبي الوطني
المجلس الشعبي الوطني (صورة: أرشيف)
جمال فنينيش
جمال فنينيشصحافي من الجزائر

ٍمدّد البرلمان دورته العادية لمدّة أسبوع إضافي، في خُطوة تهدف إلى استكمال التصديق على حزمة من مشاريع القوانين المهمة.

 يُعيد هذا التوقيت إثارة الجدل حول دور المؤسسة التشريعية وسرعتها في تمرير القوانين ومدى جدواه

ومن أبرز هذه المشاريع قوانين التعبئة العامة، التقاعد، وقانون المناجم الأخير، الذي يُرَاهَن عليه لإعادة إنعاش قطاع التعدين وجذب الاستثمارات الأجنبية.

وقد أعلن مجلس الأمة،(الغرفة العليا للبرلمان)، عن هذا التمديد بشكل غير مباشر من خلال بيان كشف فيه عن رزنامته لما تبقّى من الدورة، ووفقًا للبيان، ستُعرض ثلاثة مشاريع قوانين يوم الاثنين 30 حزيران/ جوان الحالي، وهو الموعد الذي كان مقررا لاختتام الدورة العادية. 

وتشمل هذه المشاريع قانون النشاطات المنجمية الجديد، وقانون التقاعد في حين يُرتقب عرض مشروعي قانون التعبئة العامة واستغلال الشواطئ في جلسة يوم 3 تموز/ جويلية القادم، لتُختتم الدورة بجلسة استثنائية للتصويت على سبعة مشاريع دفعة واحدة في سابقة تُعدّ الأكبر منذ اعتماد نظام الغرفتين مطلع التسعينيات.

ولا يبدو المجلس الشعبي الوطني بمنأى عن هذا الزخم، إذ تتضمن أجندته المصادقة على أربعة مشاريع قوانين دفعة واحدة 

ويُعيد هذا التوقيت إثارة الجدل حول دور المؤسسة التشريعية وسرعتها في تمرير القوانين ومدى جدواها.

وتيرة سريعة 

 تعكس البرمجة المكثفة لأعمال البرلمان محاولة لتدارك التأخر المسجل في الأشهر الماضية، نتيجة توقف نشاطاته بسبب عملية التجديد الجزئي في آذار/ مارس، وتأخر انتخاب رئيس جديد لمجلس الأمة خلفًا لصالح قوجيل، قبل تثبيت عزوز ناصري في المنصب.

هذا الوضع يعزز الصورة السلبية للبرلمان كمؤسسة صورية تمارس المصادقة الآلية دون رقابة فعلية

لكن هذا التسارع التشريعي في هذه المرحلة من السنة البرلمانية يثير العديد من علامات الاستفهام حول الإفراط في تمديد الدورات. 

وتُواجه الحكومة اتهامات باستغلال نهاية السنة البرلمانية لإغراق البرلمان بمشاريع قوانين كثيرة، مما لا يمنح ممثلي الشعب الوقت الكافي لتمحيص النصوص أو دراسة الثغرات المحتملة فيها.

ويؤكد مراقبون أنّ هذا الوضع يعزز الصورة السلبية للبرلمان كمؤسسة صورية تمارس المصادقة الآلية دون رقابة فعلية، ليصبح أشبه بـ"غرفة تسجيل" أكثر من كونه سلطة تشريعية مستقلة.

يُطرح تساؤل: هل البرلمان يمارس دورًا حقيقيًا، أم هو مجرّد غرفة تسجيل لقرارات الحكومة؟

يستند تمديد الدورة البرلمانية إلى بند دستوري يمنح الوزير الأول الحق في طلب تمديد محدود لدواعي استكمال جدول الأعمال. 

غير أنّ تساؤلات عديدة تتصاعد حول مدى فاعلية هذا الإجراء في تحقيق التوازن بين الوفاء بالأجندة الحكومية من جهة، وضمان جودة التشريع من جهة أخرى، بما يحفظ مبدأ الأمن القانوني ويُنتج نصوصًا واضحة وقابلة للتطبيق.

قوة أداء أم تملق؟

تسعى الحكومة، التي لم تقدم حصيلتها منذ عامين، بمعية الأغلبية البرلمانية، إلى اختتام السنة الأولى من العهدة الرئاسية الجديدة للرئيس عبد المجيد تبون بحصيلة نوعية من القوانين المصادق عليها. 

يُلاحظ توافق واسع داخل البرلمان مع توجهات الحكومة، حيث تمر أغلب النصوص كما وردت من الجهاز التنفيذي دون تحفّظ

وتُظهر بذلك مدى التزامها بتنفيذ أجندتها التي تتضمن 35 مشروع قانون، من بينها قوانين الأحزاب السياسية، الجمعيات، والجماعات المحلية، التي من المرتقب إعادة برمجتها في الدورة المقبلة للبرلمان.

وفي ظل حرصها على مواكبة هذه الوتيرة، يُلاحظ توافق واسع داخل البرلمان مع توجهات الحكومة، حيث تمر أغلب النصوص كما وردت من الجهاز التنفيذي دون تحفّظ، باستثناء قانون الإجراءات الجزائية الذي شهد إدخال 300 تعديل عليه بموافقة حكومية.

هذا الانسجام – أو ما يصفه بعض المتابعين بالتواطؤ – يجد تفسيره في رغبة العديد من النواب في ضمان فرصة الترشح مجددًا، معتقدين أن إرضاء الحكومة قد يكون جواز عبورهم نحو عهدة جديدة.

 لجان استعلام بلا نتائج… وتحقيقات مؤجلة في حكم الملغاة

في مقابل النشاط التشريعي المكثف المرتبط بإرادة الحكومة، يبدو الجانب الرقابي للبرلمان، خاصة فيما يتعلق بلجان التحقيق البرلمانية، شبه معطّل. 

فرغم محاولات "شغل" فترة الفراغ السابقة بإرسال بعثات استعلامية وممارسة "دبلوماسية برلمانية" لم تُقيّم فعاليتها، قوبلت مبادرات نواب، غالبيتهم من المعارضة، لإصلاح التشريعات أو مساءلة الحكومة أو إنشاء لجان تحقيق برلمانية بالرفض أو الإهمال من قبل المجلس.

التسارع في التشريع جاء تعويضًا عن توقف البرلمان لفترة بسبب التجديد الجزئي وتأخر انتخاب رئيس مجلس الأمة

تشهد على ذلك مصير مبادرة تحقيق برلماني في ممارسات شركات الحراسة والأمن والإطعام بالجنوب الجزائري، والتي حظيت بدعم واسع من نواب الجنوب وتزكية اللجنة المختصة بالصحة والعمل والشؤون الاجتماعية. 

وبعد عام من المحاولات، اختفى المطلب من أجندة المجلس. ووفقًا لمصادر مقربة من أصحاب المبادرة، تم التذرع بحجج مثل “توسيع نطاق التحقيق” ليشمل ولايتين أخريين، و"غياب التأشيرة" القضائية، إذ يحظر الدستور (المادة 159) والتشريعات الداخلية للبرلمان إنشاء لجان تحقيق في وقائع تكون محل إجراء قضائي، احترامًا لمبدأ فصل السلطات. 

ويبدو أن أصحاب المبادرة وقعوا ضحية "تسويف" من مسؤولي البرلمان، في حين تسلط المبادرة الضوء على اتهامات بارتكاب أعمال سخرة ضد طالبي العمل.

ولم تكن هذه المبادرة الوحيدة التي لاقت هذا المصير، إذ تعرضت ما لا يقل عن عشر مبادرات أخرى للدفن أو التأجيل، منها تحقيق حول وجود بنايات تحتوي على مواد مسرطنة (الأميانت) في ولاية وهران، اقترحه النائب رشيد شرشار، وتحقيق حول الغش في مكونات أطعمة موجهة للمصابين بداء "السيلياك" (اضطراب مناعي مزمن يمنع امتصاص الغلوتين) قادته النائب زكية بوقطوشة. 

النائب زكية بوقطوشة لـ" الترا جزائر": لا تقدم في إنجاز تحقيق حول الغش في مكونات أطعمة موجهة للمصابين بداء "السيلياك"رغم قوة حجتنا والبيانات التي نتوفر عليها

وقالت بوقطوشة لـ"الترا جزائر": “لا تقدم في إنجاز هذا التحقيق رغم قوة حجتنا والبيانات التي نتوفر عليها”، مضيفةً: “ينسحب هذا على وعود حكومية بإدراج هذا المرض في لائحة الأمراض المزمنة”، مشيرة إلى أن الالتزامات التي أعلن عنها وزير الصحة السابق لم تتحقق حتى الآن.

بين الطموح التشريعي وشكوك الأداء

يبدو أنّ البرلمان يعيش على وقع مُفارقة صارخة: زخم تشريعي غير مسبوق يقابله ضمور رقابي مقلق، مما يطرح سؤالًا محوريًا حول ما إذا كانت السلطة تسعى فعلاً إلى تحسين أداء المؤسسة التشريعية، أم أنها تستغلها كواجهة فقط للمصادقة على قرارات شبه جاهزة.

الكلمات المفتاحية

عبد الرزاق مقري.jpg

على خلفية تعيين عسلاوي وزكريا بلخير.. سجال سياسي وأيديولوجي بين مقري والأرسيدي

اندلع سجال سياسي وأيديولوجي حاد في الجزائر، بين حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، المعروف بتوجهه العلماني، وبين الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، بعد تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية في البرلمان.


السفير الفرنسي الأسبق لدى الولايات المتحدة و"إسرائيل"، جيرار أرو

سفير فرنسا السابق في "إسرائيل" يردد أطروحات استعمارية حول تاريخ الجزائر.. وحسني عبيدي يرد عليه

أعاد السفير الفرنسي الأسبق لدى الولايات المتحدة و"إسرائيل"، جيرار أرو، ترديد أطروحات اليمين الفرنسي المتعلقة بتاريخ الجزائر، في موقف أثار ردود فعل مستنكرة بالنظر لتاريخ هذا الدبلوماسي المثير للجدل.


زكريا بلخير

الأرسيدي يهاجم تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية.. هل عاد الصراع الأيديولوجي على المدرسة؟

وصف التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية في البرلمان بأنه "إهانة لروح الجمهورية"، داعيا للوقوف في وجه هذا "الانحراف الخطير".


رحابي.jpg

الحبس المؤقت، شلل الأحزاب، ضعف الإعلام.. رحابي يرسم صورة سوداء عن واقع الحريات في الجزائر

انتقد الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي واقع الحريات السياسية في البلاد، معبّرًا عن قلقه العميق إزاء ما وصفه بانحسار غير مسبوق للفضاء العام، وتنامي مظاهر التقييد التي مست جوهر الممارسة السياسية وحرية التعبير.

بوضياف
راصد

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين

في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

تبون ماكرون_0.png
أخبار

المدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية: لا نقدم أي مساعدات للجزائر التي ترفض الاقتراض

وضع المدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، ريمي ريو، حداً لما وصفه بـ"الجدل المفتعل" حول مزاعم المساعدات الفرنسية السنوية للجزائر، في ظل ترويج اليمين المتطرف المتكرر لهذه الفكرة داخل فرنسا.


بن سعيد
أخبار

مُفجّر قطارات باريس.. من هو بوعلام بن سعيد الذي ستُسلّمه فرنسا للجزائر؟

ينتظر أن تتسلم الجزائر، مطلع شهر آب/أوت المقبل، الإرهابي بوعلام بن سعيد، أحد أبرز عناصر الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA)، بعد أن قضى قرابة ثلاثين عاماً في السجون الفرنسية، عقب إدانته بتفجيرات دامية هزت باريس صيف عام 1995.

الاتحاد الأوروبي.jpg
أخبار

تزامنًا مع إدراجها ضمن الدول عالية المخاطر المالية.. الجزائر تطلب تفعيل مجلس الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

طلبت الجزائر رسمياً من الاتحاد الأوروبي تفعيل مجلس الشراكة بين الجانبين، باعتباره الإطار الأنسب لمعالجة الملفات السياسية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك، ولإعادة التوازن إلى اتفاق الشراكة الموقع عام 2005، والذي تعتبره الجزائر منحازاً للطرف الأوروبي.

الأكثر قراءة

1
رياضة

قضية كيليا نمور.. الاتحاد الفرنسي للجمباز يعلّق مهام مدربتها السابقة بعد شهادات صادمة


2
اقتصاد

من بنك "بريكس" إلى "آسيان".. تحالفات جزائرية جديدة تعيد رسم خارطة "البزنس"


3
أخبار

تعداد سكان الجزائر يبلغ 47 مليونًا والزواج في أدنى مستوياته منذ 2014


4
أخبار

خطوةٌ رسمية لإخراج الجزائر من مأزق قائمة الدول عالية المخاطر في تبييض الأموال


5
أخبار

منع عمر ربراب من مزاولة أي نشاط تجاري في الجزائر